أرى في مرآة وعيي....
أن الكائن المسمّى إنسانًا.. كما بالأمس لا يزال...
يغرس خنجر العنف... يوميًّا
في قلب كوكبنا الوادع... حتى أدماه
متذرّعًا بالفضيلة حينًا و بالخلاق أحيانًا
وتارة يقدّم العنف لإلهه على أنه quot;قربانquot;
تلتقي أطروحات النخب العلمانية واليسارية والقوى السلفية وكافة الحركات المناهضة لما يسمى ب quot;العولمةquot;..... في موقف واحد رافض quot; مقاوم quot; تجاه ما يطلق عليها بمشاريع quot;السيطرةquot; بالرغم من التباين الصارخ بين كل هذه الفئات، وبغض النظر عن منطلقات كل واحدة منها والمرتكزات الفكرية والفلسفية المتباينة لها في ظل الفوضى والخلط بين المنطلقات الإيديولوجية والصورة الواقعية والطموحات والأمنيات.
فمفاهيم quot; المقاومةquot; و مفرداتها عميقة وراسخة، ومفهوم quot; القربان quot; قديم قدم البشرية نفسها هذا التجذر التاريخي للمفهوم، تشكل عبر العصور التاريخية بصورٍ متعددة ومتنوعة، وكلها في نهاية المطاف واحدة وان تعددت وتنوعت تسمياتها :quot; التضحية quot; و quot;الجهاد quot; و quot;الصلب quot; وquot;القربانquot; و quot; الشهادة quot; و quot;النضال quot; و quot;الثورة quot;......... كل هذه المصطلحات والمفاهيم لها جذورها العريقة في الحضارات القديمة كافّة وليست حكرًَا على الحضارات الشرقية أو الحضارة العربية والإسلامية كما يحلو للبعض أن يُصوّرها.
وعملية مناقشة هذا المخزون المتأصل في اللاشعور الإنساني و اللاوعي الأممي، ليس بالأمر اليسير او السهل ، فهي ظاهرة مرتبطة بوجود الإنسان نفسه ، وحق quot;مقاومةquot; أي خطر،هو رد فعل طبيعي، وحق الدفاع عن النفس حق أزلي فطري قائم في الكينونة الإنسانية، فالميتولوجيا الحضارية القديمة و الأيديولوجيات الحديثة و المنطلقات العقائدية والفكر الديني....... كلها تُكرّس مفهوم quot;البذلquot; وتضفي quot;الشرعيةquot; على quot;المقاومةquot;.
إذن هناك إجماع حضاري إنساني أزلي على quot;حق المقاومة quot;، وهناك اختلاف حقيقي حول حجم quot;القربانquot; المقدم أثناء عملية quot; المقاومة quot; ونوع هذا quot;القربان quot; ، ففي حين يرى البعض أن القربان ينبغي أن يتمثل بفكرة او بصلاة نجد آخرون يقدمون عشرات القرابين، و عشرات الأشخاص، أو حتى الأمة بأسرها، وقد قال أحدهم في إحدى المقابلات الفضائية: quot; إذا وزنت الأمة الإسلامية جمعاء بالقدس لرجحت كفة القدس، فلا بأس من أن نضحي بالأمة كلها من أجل تحرير بيت المقدس quot; هذا طبعًا على حد قوله.
و البعض يحصر quot; المقاومة quot; بالقول فيما يوسِّعها البعض الآخر لتكون مقاومة مسلحة، وهذا يراها في quot;الجانب الفكري quot; و ذاك ينزل بها إلى quot;الشارعquot;.... و هناك من يوجّه مقاومته لل quot; العسكري quot; المحتل ، ويحصرها ب الفردquot; الحربي quot; والبعض الآخر يعمم فيرفض كافة مظاهر quot; الاحتلال quot; بما فيها quot;المدني quot;ممن يساعد الحربي من غير حملة السلاح....
أمام ما تقدّم لا توجد معايير محدّدة وواضحة تجاه الواقع وتبقى الأسئلة الكبرى مطروحة و ينبغي الاجابة عنها بجدية لأننا نقف اليوم أمام موجات عنف متنامي من العراق الى لبنان الى الجزائر والمغرب....
فما هو حجم quot;القربانquot; وما هو نوع quot; القربانquot;، ومتى وكيف؟؟ ومتى يكون القربان قربانا ومتى يصبح quot; سفكا للدماءquot; وتتحول التضحية إلى تعدّ وتعسف في استخدام الحق ؟؟؟؟؟؟؟ بحيث ينقلب هذا الحق الى باطل ، وما هو المعيار الذي ينبغي ان نستند إليه لتميز quot; المقاومة quot; عن quot; التعدي quot; ؟؟
و المتأمل اليوم بتمعن الى المواقف quot;المتطرفة quot; بأقطابها جميعًا ، يجد أن هناك quot; متطرف quot; يتمثل بقوى تتمادى وتريد نزع ونسف حق البشر في الدفاع عن أنفسهم، وتُنصب نفسها زعيمة للquot; بشرية quot; جمعاء، وتريد أن تقضي على مفهوم quot; المقاومة quot;، أو كل من تسول له نفسه ان يقاوم مشروعها هي، وتحاول إن تنسفه من أساسه وتلغيه عن بكرة أبيه ، وتريد أن تحول الكائن البشري إلى آلة طيعة بين يديها لا تعي ولا تدافع حتى عن حياتها...
وبالمقابل وفي الطرف الآخر نجد متطرفّا آخر يتمادى في تقديم quot;القرابينquot; حتى تغدو أفراد البشرية كلها quot; قربانا quot; و quot; قرابين quot;..........
وبين متطرف وآخر، يبقى السواد الأعظم من الشعوب تتلقى الضربات على رأسها وتمعس معسًا يوميًّا في أتون محموم ، بين مطرقة quot; المعتدي quot; وسندان quot; المقاوم quot;وما العراق وفلسطين عنا ببعيد
فالانسان المسلح كائنًا ما كان انتماؤه ، معتدي أو معتدى عليه، سيمارس العنف المادي ، ومع الوقت سيعتاد سفك الدماء وتجريد الآخر من انسانيته الفعلية والمعنوية.
إننا اليوم نحتاج لأن نفتح قلوبنا بعيدًا عن الانفعالات، و حتّى بعيدًا عن السياسية فالألم مرعب حقًّا وما يطال النساء والاطفال يوميًّا والأحزان التي تحفر في ذكريات الشعوب تترك ندوبًا روحية لا توصف، وبرغم الالم هناك أمل بأن مقاومة الموت تكون بالحياة وبالحب، فلنخرج اليوم من دائرة اجترار الأسى والرغبة في الانتقام لنحاول بكل الوسائل زرع الأمل وان لا نسمح بأن يتحول الكائن الانساني الى كائن مدمر، و وحدها المقاومة اللاعنفية ndash; من وجهة نظري - يمكن ان تخرجنا من أتون الدمار وشلالات الدم المتكررة على كوكبنا.
كاتبة لبنانية
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
www. marwa_kreidieh.maktoobblog.com
التعليقات