لم يرتكب القتلة المجرمون عجبا من الفعل، ولا سابقة من التوحش حينما أقدموا على نحر ضابط الأمن العام السعودي وحاولوا تشويهه ! ففعلهم له إرهاصات متعددة، وتاريخ شاهد على تتابع هذا التوحش في تاريخهم المجيد ـ زعموا ـ ، فلهم فيه سلف، ولا يبغون من ورائه إلا انتقام خير خلف!
كما أنهم يجدون حالات في تاريخ الإسلام الأول مما يناسب نهجهم المتطرف؛ فقد جاء أن نبي الإسلام أمر بقتل كل البالغين من إحدى قبائل اليهود العربية عندما خانت العهد معه، فقُتل من اليهود ضربا بحد السيف وهم مسلسلون العشرات، كما قامت فرقة مكونة من ثلاثة من الصحابة باغتيال أحد الزعماء اليهود عندما استشرى شره.
ومثل هذه النصوص الدينية والحوادث تبعث للوهلة الأولى شعوراً باستمراء القتل، وتبرير الاغتيال، غير أن هذا التناول غير مطرد مع النصوص، وفيه إرجاف في التفسير والقراءة؛ ذلك أن الوضع كان أن جهاز مخابرات حكومي قام بمهمة تصفية لأحد باعثي القلاقل في الوطن، وأن جيشا حربيا رسميا اعتقل مجموعة من الأسرى بعد أن قدم لهم فرصة للاستسلام والسلامة لكنهم رفضوا فرصة الأمن فجاز قتلهم، وفي كل الأحوال فإن الاستشهاد كان بحالة حربية.
غير إن ما صنعه قتلة الضابط السعودي هو انتقام من العنصر الأضعف في دائرة الحرب مع هذه الفئة، الأمر الذي ينطوي على عدد من الأمور، والكثير من الدلالات التي تفسر لماذا هذا الصنيع:
1- العزلة الطويلة التي يعيشها المتطرفون عن المجتمع والحالة الإنسانية معهم تخبو معها العواطف، ويضمر الشعور ويذبل القلب، فلا تكاد تشتم رحمة منهم، وتجعل المنعزل أكثر قابلية للعنف والتوحش، تماما كما تتوحش الحيوانات الأليفة إذا ابتعدت عن البيئة الإنسانية، فلا يعود المرء يحس ببشاعة أفعاله وغلظة تصرفاته.
2- كما أن العزلة التي تدعو إليها كثير من الجماعات الإسلامية ـ السلمية ـ تنطوي على تمهيد لتشكيل المؤمن، وإحالته لمادة سهلة القولبة بفعل البعد عن المجتمع وزيادة قابليته للتغير إلى ما يعيشه من وحشة وجفاء حتى يستقر حاله على ما تدربه أو ـ تربيه ـ عليه هذه الجماعات، وهذا منزلق خطير في طريق العنف والتوحش وإن لم تعي ذلك تلك الجماعات والأفراد.
3- تكشف العملية عن بروز النسق الدموي في أبجديات التيار و منطلقاته، فإذا ما اضطرته الظروف انكشف بصورته الحقيقية أو الطبيعية، أعني من حيث مرتكزاته ومبادئه، ولنلاحظ أن الجماعات السلمية المعارضة لا تلجأ لمثل هذه السبل لحل أزماتها أو فرض أجندتها الدينية أو السياسية أو الاجتماعية، لذا فاللجوء إليه (كاشف) عن وجوده في العقل الجماعي، وهذا أمر ينبغي التنبه له، إذ أن الكثير من المتعاطفين ينددون بهذا الفعل لا على سبيل رفض ذات الفعل (نحر الكافر المعادي) وإنما من حيث من يتصف بهذا الوصف، أو مصلحة الزمان والمكان وفق رؤيتهم، الذي يدل على القابلية الجماعية للفعل والخلاف في التفاصيل.
4- استهداف الإرهاب لضابط أمن لا يكشف فقط عن ضعف التنظيم وفقده للفاعلية، بل ينطوي على حجم الصبيانية والطيش الذي يحمله، ومقدار الحقد الدفين الباحث له عن متنفس يصب عليه جام غضبه، مستقصدا بذلك الحلقة الأضعف :الأفراد .
5- من المفارقات أن تكون quot;الغاية تبرر الوسيلةquot; هي لسان حال العنف الإسلامي، والذي كان يعارضها ردحا من الزمن، ويبين عوارها وفسادها عقلا وشرعا !
فما الذي يدفع رجلا لقتل نفسه والمؤمنين بأبشع الصور لينال من رجل أمن، أو دورية شرطة تصاب بأضرار بالغة، أو البحث في أوعر التأويلات لتبرير قتل المسلم سوى مكافيلية عكسية، متوحشة غايتها (فرض الأجندة) تبرر وسيلتها في ذلك.