ان المباديء الاولية لحقوق الانسان - إن عُمل بها وتربى الجيل عليها ndash; سيكون بمقدورها الوقوف سدا منيعا ضد اشكال الارهاب والعنف العام الذي يضرب المجتمعات العربية والاسلامية في زماننا المظلم هذا، لان هذه المباديء الانسانية لو ترسخت في اذهان الناس وتمكنت من نفوسهم واصبحت نهجا ومقياسا لأبعدتنا عن كافة انواع الرعب والفساد والشذوذ الذي يخرب مجتمعاتنا الواحدة تلو الاخرى ويجعلنا ندور حول انفسنا بعيدين عما يحصل للعالم من تطور ورفاه واستقرار حياتي لا تعرفه غالبية الشعوب العربية التي باتت تعتبر الأمان والاستقرار حلما عسيرا على التحقق..
ولا يخفى على احد ماللمباديء المتمثلة بالاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقيات الدولية التي تبعته من اهمية انسانية كبيرة، فلولا التوقيع على الاتفاقيات الانسانية كاتفاقية جنيف بخصوص اللجوء السياسي وغيرها لما حصل الهارب من الظلم والمطارد لاسباب سياسية والمضطر للبحث عن حياة اكثر امانا واضمن معيشة في بلده كأن يكون هناك حربا او رعبا او كوارث طبيعية وفاقة، حتى امتلات دول اوروبا والغرب الذي وافق على اتفاقية جنيف لقبول اللاجئين بملايين الافراد من الشعوب المقهورة والمضطهدة والفقيرة والتي لاتعرف السلم والامان، وكان للدول العربية والاسلامية حصة كبيرة من اللاجئين المنتفعين بهذه المباديء الانسانية العظيمة، رغم اننا كعرب وكمسلمين نلهج دائما باننا امة السلام حيث نبتدأ به كتحية، وامة الانسانية، وامة الحق، وامة الحضارة والكثير من الاوصاف التي لم نجدها في عالمنا العربي بمقدار مانجدها في quot;الغرب الكافرquot; كما يحب الكثير من المتطرفين تسميته..

اننا بحاجة لمباديء حقوق الانسان اكثر من اية مباديء اخرى، واكثر من كل انظمة وتنظيمات الاحزاب المتصارعة على السلطة سرا وعلانية، نحتاج هذه المباديء لاطفالنا في المدارس والثانويات والمعاهد والجامعات كمناهج ثابتة تعلمهم الاخلاق والحب بين البشر وتعلمهم احترام حقوق الاخر لنبني مجتمعا قادرا على الدفاع عن نفسه بوجه الديكتاتوريات المتزايدة والمنتفخة وغير المبالية بملايين العقول، وها نحن نرى ان كل رئيس او ملك يهيء ولي عهده للعرش من بعده ولتذهب عقول الملايين الى الجحيم ولتستمر دائرة الديكتاتورية والاستبداد...

وللاسف ان غالبية العرب والمسلمين يتنكرون لهذه المباديء الانسانية مدعين تجاوزها على الدين وعلى التقاليد، اذ تمنح هذه المباديء حقا للمرأة مثل حق الرجل، وتنشر مباديء المحبة والعطف على الضعفاء والاهتمام بالحاجات البشرية للانسان ليكون حرا آمنا بعيش كريم.
ان هذه القيم والمباديء هي وحدها القادرة على انقاذ ما يمكن انقاذه من مجتمعات مهدمة سائرة الى الهاوية، وهي البديل الوحيد لمئات الاحزاب المتناحرة التي لم تـُدخل على العقول سوى التطرف والاحقاد وتربية حفنة من المنتفعين والانتهازيين واللصوص والعقول المخابراتية..
وكم كنا نتمنى نحن اهل العراق في حواراتنا ومقالاتنا وكم تحدثنا بكل الوسائل الاعلامية التي اتيحت لنا قبل سقوط الطاغية ادخال مباديء حقوق الانسان في المناهج الدراسية والتذكير بها في كل مؤسسة ومركز حكومي وغير حكومي، وكنا ولازلنا نعتقد انها القادرة على توجيه ابناء المجتمع وجهة صحيحة بعد عذابات ودمار اربعة عقود، لكننا اليوم نصاب بخيبة امل حينما سحب البساط من تحت اقدام الداعين لمباديء حقوق الانسان، واصبح هناك وزارة لحقوق الانسان، وزارة تتنفس برئة الحكومة واعضائها ولابد انها ستعيش لهم ولن تكون عليهم ابدا، وبهذا اصبح نضالها سياسيا وليس انسانيا بحتا، كما ان الظروف اللا إنسانية التي مر بها الشعب العراقي زمن البعث الجاثم عليه اكثر من اربعة عقود، ترك لنا نفوسا مريضة متعبة بعيدة عن الاخلاق العراقية الاصيلة التي عرف بها العراقي من قبل، وقد تمثل هذا بالفساد في التنظيمات والمؤسسات المزيفة التي تسترزق من دماء ابناء العراق البسطاء وليس منظمات حقوق الانسان مختلفة عنها، فهي منظمات كارتونية غالبا، يقود بعضها اشخاص منتفعين احيانا وغير مؤمنين بهذه المباديء حقا، انما بحثا عن مصدر ومكانة للرزق والعمل.

هذا لا يعني ان ليس هناك من شرفاء ووطنيين رائعين لخدمة الانسان يعانون من ظروف غاية في التعقيد والارهاب في العراق ويواجهون الفساد المستشري في اجهزة الدولة التي تغلغل اعضاء البعث المقبور فيها عن طريق الف وسيلة ووسيلة، وهاهم يجنون ثمار رعبهم، فقانون اجتثاث البعث اصبح في خبر كان، والحوار مع المسلحين quot; اي المجرمين والقتلة quot; بات موضوعا يناقش ويوضع على طاولات الاجتماعات، من هنا لا يمكننا الارتكان الى اي حزب سياسي في ظل هذه الظروف والتعويل على الاحزاب صار شبه اضحوكة، فليس امام الوطنيين الحقيقيين من ابناء العراق سوى الالتفاف والاحتكام الى مباديء حقوق الانسان لبناء دولة القانون على اسس الكفاءة بعيدا عن المحاصصة التي أثبتت فشلها في بلدان سبقت العراق الى الخراب...