قامت ثورة تكنولوجيا المعلومات منذ اختراع الكمبيوتر، لكن استعمال العموم لهذه التقنيات تطلب تطوير الكمبيوتر الشخصي على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، و الذي ازداد انتشارا مع تصنيع الكمبيوتر المحمول. بالرغم من هذا التقدم الهائل، مازالت نسبة استعمال هذه الأجهزة بحدود 14% من مجموع سكان العالم، مقارنة بنسبة 32% لأجهزة الهاتف النقال. و سبب هذا الضعف إحباطا لمصنعي الكمبيوتر و المهتمين بالهوة الرقمية التي تفصل بين الدول النامية و العالم المتقدم. يعرض المقال للتجربة العربية في هذا المجال و أسباب فشلها و سبل الإصلاح في المستقبل.

بالرغم من الأهداف المرسومة، مازالت نسبة أجهزة الكمبيوتر من مجمل عدد السكان اقل بكثير من المعدل العالمي في أهم الدول العربية غير النفطية : 1% في الجزائر، 2،5% في المغرب، 4% في كل من مصر و سوريا، 5،5% في الأردن، 6% في تونس ( المصدر : المنظمة الدولية للاتصالات ). من ناحية العرض، فشلت هذه الدول في توفير هذه الأجهزة بأسعارها العالمية بالرغم من إلغاء الضرائب و توفير التسهيلات في الدفع. و ذلك لان الاستيراد يخضع إلى تراخيص و عقبات إدارية متنوعة، وهي كلها أساليب ملتوية لحماية الموردين على حساب المستهلك. و غالبا ما تزداد هذه الحماية إذا ما توفر إنتاج محلى لتصنيع و تركيب أجهزة الكمبيوتر.

أما من ناحية الطلب، فتتمثل أهم العقبات في ضعف التعليم و الجهل المستشري في الدول العربية للغة المعلومات في الوقت الحاضر، أي اللغة الإنجليزية، التي تجعل المواطن العربي غير قادر على الاستفادة كما ينبغي من هذه الوسائل الحديثة، مقارنة حتى بشعوب أخرى متخلفة، كما هو الحال في الهند.

و على مستوى الاستفادة الأهم من أجهزة الكمبيوتر، أي استعمال شبكة الإنترنت، تفرض الحكومات العربية قيود صارمة لاعتبارات سياسية و أخلاقية و دينية تؤدي كلها إلى ضعف استعمالها بالرغم من إمكانية الاستعمال الجماعي للأجهزة في مقاهي الإنترنت و مراكز الحاسوب في المدارس و غيرها. و ينتج عن هذا نسبة استعمال السكان للشبكة لا تزيد على 6% في الجزائر، 8،6% في مصر، 11% في الأردن، 15% في المغرب، 6% في سوريا 4،9% في تونس، وهي نسب اقل بكثير من المعدل العالمي الذي هو بحدود 15% ( المصدر السابق ).

و تقدم الدول النفطية مثالا حيا على فشل العرب في الاستفادة كما يجب من هذه التقنية المتطورة حتى عندما تتوفر أجهزة الكمبيوتر و خدمات الإنترنت، حيث النسب على التوالي : 17% و 21% في البحرين، 18% و 28% في قطر، و 22% 26% في الكويت... فبالرغم من أن هذه النسب تفوق المعدلات العالمية، لا يوجد ما يؤشر على أن الدول الخليجية تتقدم فعلا في مجال صناعات التقنيات المتقدمة أو برمجيات الكمبيوتر، إذ تبقى هذه الدول مستوردة و مستهلكة و ليست منتجة. و يتأكد هذا من خلال التجربة السعودية حيث يبلغ عدد أجهزة الكمبيوتر 35% من مجموع السكان، الذين لا يستعملون الإنترنت باستثناء أقلية لا تزيد نسبتها على 6%، مما يعني وجود هدر كبير للموارد دون الاستفادة كما يجب من هذه التقنيات.

ستساعد التطورات الأخيرة على مستوى صناعة الكمبيوتر من توفير أجهزة الكمبيوتر بأسعار زهيدة. في الهند، تقوم شركة نوفاتيوم بتصنيع جهاز كمبيوتر شخصي يستعمل خادما مركزيا لتشغيل البرمجيات و تخزين البيانات، لا يتجاوز سعره المائة دولار. و في القمة العالمية للمعلومات التي تم تنظيمها في تونس في نوفمبر 2005، قدم خبراء quot;معهد ماساشيوستس للتكنولوجياquot; للامين العام للأمم المتحدة جهاز كمبيوتر محمول لن يزيد سعره عن 150 دولار، بإمكانه الربط بشبكة الإنترنت و التحول إلى كتاب للقراءة و كذلك إلى جهاز العاب ( مجلة نيوزويك العربية عدد 13 فبراير 2007 ). و يعني هذا أن العامل المادي لن يمثل عقبة أمام امتلاك العموم لأجهزة الكمبيوتر، إذا ما ألغت الدول العربية العقبات الحالية أمام الاستيراد. لكن حتى في هذه الحالة، سوف يبقى العائق الأكبر متمثلا في الأمية المستشرية حتى على مستوى حاملي الشهادات، نتيجة ضعف المناهج التعليمية، التي لا تمكنهم من الاستفادة الأمثل من الحاسوب و من شبكة الإنترنت. و لن يكون كافيا توفير برامج التدريب، فالبرمجيات المتوفرة تجعل من هذا أمرا هينا، كما يمكن إنشاء مراكز الخدمات التي تقدم مساعدة للعموم عن طريق الهاتف. لكن الاستفادة الحقيقية على مستوى الدراسات العليا و البحوث العلمية تتطلب أساسا تعليميا صلبا، وهو ما نجحت في تحقيقه نمور آسيا و فشلت فيه جل الدول العربية.
------------------------------
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن.
[email protected]