يبدو أن الصراع ضد جحافل حملة الفكر الخارجي (نسبة للخوارج) قد أضحى قدرا لا فكاك منه!، و ستكون إدارة الصراع الإقليمي في المنطقة العربية من بغداد وحتى الرباط مرتبطة إرتباطا جذريا بذلك الملف المعقد و الحساس و الذي له بطبيعة الحال حاضنات و متبنيات فكرية قديمة الجذور لا تنفصل عن الثقافة الشرقية في أضعف حلقاتها التاريخية، فليس مصادفة أبدا أن ينفجر الإرهابيون في الدار البيضاء المغربية في عين الوقت الذي تنفجر فيه (الإرهابيات) في بغداد العراقية في يوم الثلاثاء العاشر من نيسان / إبريل 2007! و هو نفس الخط و الطريقة و الأسلوب الذي تم منذ سنوات في الدار البيضاء نفسها في 16 مايو 2003 وحيث إنطلق الإرهابيون من أقصى الغرب الإسلامي ليعيدون سياسة و أسلوب الخوارج في القرن الأول الهجري! و يعيدون ذكريات و أيام و حملات (الحشاشين) من الإسماعيليين الذين روعوا العالم الإسلامي في العصور الوسطى، إنها مشاهد تاريخية متغيرة و متكررة، و صيغ لصراعات سياسية عجنت بمتبنيات دينية معاصرة جعلت من الشباب المسلم الغر المحبط آلة إنتحارية تدمر نفسها و مجتمعاتها و تعيد رسم صور الماضي بأبشع ذكرياته و أشدها قتامة و عتمة، الشيء المؤكد هو أن تلك الأفعال الإرهابية و الإجرامية لن تتوقف أبدا طالما بقيت الثقافة العدمية التي تغذي أهل تلك ألأفعال، و طالما فشلت كل الصيغ الحقيقية لإحتواء تلك الحركات و بطريقة يكون الجانب التثقيفي فيها هو الغالب على الجانب الأمني، و إذا كان العراق بظروفه الحالية وحيث تتلاعب به أدوات الطائفية و عناصر التدخل الخارجي إضافة للوجود الأمريكي مسرحا لأعمال الإرهاب التي يسميها البعض مقاومة، فإن نفس الجماعات التي تفجر نفسها في أسواق العراق الفقيرة قد تمددت أفقيا لتغزو البلدان المجاورة بسيل لا ينقطع و عرمرم من القنابل البشرية التي لا يمكن أي أجهزة أمن في العالم مهما بغت قدراتها أن توقفهم، فاللعب بالنار لن يؤدي بالضرورة إلا إلى توسيع مساحات الحريق، و السكوت عن الإرهاب الذي إستشرى في العراق لا يعني بالضرورة إلا إنتشاره في الأقاليم المجاورة، فمن المأثور تعلمنا أن الشر يعم و الخير يخص، كما أن السكوت عن الأشخاص و الأقلام و الأحزاب و القوى التي تدعم الإرهاب الإنتحاري و تسبغ عليه صفات البطولة و الفدائية و المقاومة لا يعني في النهاية إلا تشجيع واضح لتلكم الجماعات و القوى العدمية التي تراهن على مستقبل الأمة و تغامر بمستقبل مجتمعاتها، وفي المغرب خصوصا ملامح واضحة لمؤثرات سلفية إنتحارية لا تخطأ العين الخبيرة قراءة أبعادها و كوامنها، و هنالك قوى متحركة على الأرض و مرصودة من الجميع تمارس سياسة عدمية و تدعو علنا للقتال و التعبئة و الحشد للعراق و غيره وهي نفسها التي تجاهد اليوم قوات الأمن المغربية لإحتوائها و تخليص المجتمع من شرورها!، لقد تم السكوت طويلا عن تلك الجماعات، بل ربما قامت بعض الأوساط بدعمها بشكل ما لمقاومة الحركات النقابية و اليسارية في زمن سابق وهي نفس السياسة الخاطئة التي إنتهجتها الأجهزة الأمنية المصرية أوائل السبعينيات ثم تحولت لترتد على الدولة و المجتمع و تأكل الأخضر و اليابس و ليقدم المجتمع تضحيات هائلة في زمن صعب، و في المغرب كما في الأردن كما في الكويت كما في العراق كما في أماكن أخرى من عالمنا المتوتر نتوءات إرهابية خارجية واضحة المعالم لا يمكن التغطية عليها أو التقليل من أخطارها، فمن يمارس كبت الرأي الحر و من يمنع المرأة الحرة المسؤولة من الحياة و من يفرض على المجتمع رؤيته الأحادية هو إرهابي أو على الأقل مشروع كبت إنتحاري مشخص وواضح المعالم، كما أسلفت لن يتوقف الإرهاب بحملات أمنية قد تصيب أو تخطأ؟ كما أن رجال الشرطة مهما بلغوا من المهارة ليسوا أدوات إصلاح إجتماعي و لا يمكن أن يسيروا العقول التي تتبنى تزيين حملات الموت المجانية التي تهشم و تدمر مجتمعاتها، في المغرب مثلا رغم النواقص و السلبيات هنالك حالة إصلاح حقيقية و مشاركة فعلية للقوى الشعبية في السلطة و متغيرات بنيوية عميقة متقدمة على كل دول الجوار العربية، ومع ذلك فإن الإرهابيين ما زالوا يتحركون و يضربون في الوقت الذي فيه يرغبون!! هنالك نقاط توتر واضحة في وجدة و فاس و مكناس و في (الواد الخانز) في مدينة سلا!! و هنالك مدن البؤس الصفيحية التي تعتبر ملاذات و حاضنات حيوية للإرهاب السلفي و أهله، و هنالك الإحباط الشبابي من سياسات قديمة لم تزل آثارها شاخصة حتى اليوم، و لكن بالمقابل ماذا فعلت الحكومات العربية من أجل تجفيف حقيقي لمنابع الإرهاب؟ الجواب لا شيء بالمرة.. لأنه لا يوجد تخطيط أصلا، وكل شيء يسير على البركة و المحاباة، و سيكون الإرهاب في نعيم طالما سكتت الحكومات و القوى السياسية المؤثرة عنه و طالما تم الخلط بينه و بين حركات التحرر الوطنية و القومية، و طالما نشأ جيل لا زال يفكر بعقلية القرن الأول الهجري... إنها الحرب المقدسة الشاملة ضد الإرهاب من بغداد و حتى الرباط.... و لكن المشكلة أن لا أحد يقرأ أو يكتب أو يفهم أو حتى يسمع في عالمنا العربي السعيد بأمراضه التاريخية الموروثة....!.

[email protected]