-1-
يتعمّد بعض الكتّاب إصطناع الكذب على الراهن والمستقبل وعلى الأجيّال كافة، ويحوّلون بألفاظ جافة النكسة إلى قيامة والسقوط إلى نهضة والطغيان إلى حرية..
بل ويعتبرون الحملات الإسبانية والفرنسية والأمريكية على عالمنا العربي والإسلامي حملات تنوير وتحضير وإنتشال من عالم البداوة إلى عالم الحضارة..
مبدئيّا يجب أن أقرّ أنّ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان من أكثر طغاة العصر غلظة وقسوة وظلما للرعيّة، وهذه من البديهيات السياسية التي لا يختلف فيها إثنان، وعندما كنت أسأل قبل عقود في الجزائر عن تصوري لنهاية صدام حسين كنت أجيب بأنّ هذا الطاغية لا يعلم إلاّ الله كيف تكون نهايته، ولو لم يكن في ذمته غير دم المفكرّ الإسلامي العملاق محمد باقر الصدر لكفاه ذلك ليكون في الأرذلين..
وعندما جمعني الصديق فيصل القاسم في برنامج الإتجاه المعاكس والذي بثّ من لندن بالأستاذ موفّق الربيعي مستشار الأمن القومي الحالي في العراق لمناقشة الملف العراقي وكان عندها الرئيس العراقي صدام حسين على قيد الحياة، تعمدّت أن أصرّح وأنا على الهواء مباشرة بأن صدام حسين هو طاغية العصر، لكن لم أعط أي مبرر لأمريكا ببداية غزوالعراق كما فعل محاوري موفّق الربيعي، فقد قلت له: حسب علمي أنت رجل تؤمن بالشرع الإسلامي وقد ترعرعت فكريا في كنف حزب الدعوة الإسلامية وأنت تؤمن بالآخرة والقيامة، فقال: بطبيعة الحال، نعم!
فقلت له: سيسألني الله عن موقفي في دار الدنيا من الغزو الأمريكي للعراق، فأقول: ياربي، أنا كنت ضدّ الطاغية المحلي صدام حسين، وضدّ الطاغية العالمي أمريكا، أما أنت يا موفق الربيعي فسوف تقول بأنك كنت ضدّ الطاغية المحلي صدام حسين، ومع الطاغية العالمي أمريكا، فأي الموقفين أسلم عند الله يا موفق، ثمّ قال لي: أمريكا كالطائرة الصالحة التي توصلنا إلى برّ الآمان وحيث نريد، فقلت له، بل إن أمريكا سترميك وترمي عراقك إلى أتون الجحيم..
وقد تعمدّت هذا الإستهلال لتبيان موقفي من الطاغية صدام حسين، لأنّ الليبيراليين الجدد درجوا على إتهام كل الرافضين للغزو الأمريكي بأنهم من بقايا البعث والطغيان علما أنهم من مكنّ فكريّا وثقافيا للغزو العسكري الأمريكي للعالم العربي والإسلامي.
-2-
لقد خرج العراق من ديكتاتورية ودخل في أخرى، لقد خرج من حكم ثلاثة أشخاص صدام وعدي وقصي الذين إستباحوا الأعراض ودخل في حكم جيش أمريكي متعنت مجرم مرتشي لص وسارق ومنهك للأعراض، جيش ينتهك أعراض العراقيات في البر والبحر، ومقابل دولارات قليلة يستحوذ على ذوات الشعر الأسود الطويل غير مبال بالأعراف والتقاليد، لقد خرج العراق من قبضة حكم إلى قبضة آخر يقتل الكبار والصغار والنساء ولا يفرّق في ذلك بين سنيّ وشيعي فالكل عرضة للقتل المجاني على أيدي أبناء الزنا الأمريكان الذين وصولا إلى العراق وأستباحوه من أقصاه إلى أدناه، ويريد الليبيراليون الجدد أن نسكت عن تجاوزات الأمريكان في الشوراع وفي السجون وعن الإغتصاب المتكررّ لأبكار العراق.
فهل هذه القيامة التي وعد بها الشعب العراقي، وهل هذه النهضة التي وعد بها الشعب العراقي، لقد ذهب سارقون وجاء أسرق، وذهب لصوص وجاء ألص منهم، فأين هي هذه القيامة التي يبشرّ بها البعض!
هل يريد كتّاب المارينز أن نتحدثّ عن سرقات النفط والأموال المحولة إلى حسابات خاصة في أوروبا والتي تعود لمسؤولين عراقيين راهنين، صدام حسين سرق أموالا وأبقاها في الداخل العراقي، وهؤلاء الراهنون سرقوا أموالا وحولوها إلى الخارج!!!
-3-
يحاول بعض المنهزمين الحضاريين النيل من المقاومة اللبنانية التي صفعت الكيان الصهيوني في لبنان وأعتبروا أنّ وجودها شكلّ خطرا على الحرية في لبنان، مبدئيا لا يحق لكاتب كالنابلسي زار إسرائيل وغنّى وطبلّ لها أن يتحدث عن زعيم المقاومة الإسلامية السيد حسن نصر الله ومشروع المقاومة الذي حال حال دون إرتماء لبنان في أحضان المشروع الأمريكي، لقد تمكنت المقاومة الإسلامية في لبنان من كسر نخاع المشروع الأمريكي في لبنان وبقية العالم العربي، ثمّ أليس من العار أن يتعرى هؤلاء الليبراليون الجدد ويقرنون دوما بين الحرية والغزو الأمريكي وبين الديموقراطية والدبابة الأمريكية، هل فقدوا المنطق، هل فقدوا الصواب، ألا يمكن إقامة نهضة بدون أمريكا وألا يمكن إقامة مشروع نهضوي بدون أمريكا.
-4-
تساءل النابلسي عن السر الذي جعل الشمال مزدهرا والجنوب متخلفا، وأولى به أن يوجه هذا السؤال إلى البنتاغون الذي يتحمّل مسؤولية تفجير الوضع الأمني في العراق بنسبة تسعين بالمائة، فليسأل الضابط الأمريكي الذي لجأ إلى فرنسا وكتب كتابا بعنوان أقتل ثمّ أقتل..
على النابلسي أن يسأل الأمريكان: لماذا جلبوا العار والشنار والدمار إلى العراق، لماذا حولوا الخارطة العراقية إلى خارطة حمراء تقطر دما عبيطا، لماذا استخدموا كل أنواع أسلحة الدمار الشامل لتدمير دولة العراق، أما كان بإمكانهم أن يتخلصّوا من صدام حسين بأبسط الوسائل وأقل التكاليف، لكن هيهات فمشروع المحافظين الجدد كان بحاجة إلى خارطة بحجم العراق.
لم يصدّر الأمريكان للعراق حرية ونهضة وقيامة، لقد صدرّ الأمريكان للعراق لصوص نفط وشبقين جنسيا يستبيحون حرائر العراق، لقد نقلت أمريكا إلى العراق كل أوساخها وعفونتها وأيدزها وخبثها ومكرها ونجاستها ونشازها.....
-5-
ثمّ عجبت للنابلسي كيف يتباهي بالإحتلال الفرنسي للبنان حيث حولّه في نظره إلى واحة للحرية والديموقراطية، ويبدو أن النابلسي لا يقرأ التاريخ ولا الراهن ولا المستقبل، ففرنسا هي من أوجد أزمة الهوية والطائفية في لبنان، وهي من قتل مليونين شهيدا في ظرف سبع سنوات في الجزائر وهي من عمقّت الأزمة اللبنانية راهنا وهي من دلّ الكيان الصهيوني على مفاعل ديمونة العراقي.
يبدو أن النابلسي لا يعرف بيجار ولاكوست جنرالات الدم الذين ذبحوا أحرار الجزائر وحرات الجزائر، فعليه أن يتصل بالمحامي الفرنسي جاك فيرجيس ويسأله عن دموية الحضارة الفرنسية..
-6-
مسكين أيها العراق، يا أرض الحسين، فطينتك عجنت بعرق الطغاة، ويكذب عليك أيها العراقي من يوهمك أنّ الأمريكي النجس محرر وصاحب حضارة، إنّ هذا الأمريكي جاء إلى أرضك ولا فرق بينه وبين يزيد بن معاوية، والحجاج بن يوسف الثقفي وجنكيزخان وكل الطغاة الذين مروا بأرض العراق، هذا الأمريكي النجس جاء ليحتل أرضك ويصادر حريتك ويعتدي على أمك وأختك، صحيح أن الطاغية صدام قد إنتهى، لكن آن لك أن تنهض وتحرر أرضك من الإستعمار الأمريكي.
لقد كنا نقرأ على الدوام مقولة الحسن بن علي: هيهات من الذلة، ولا فرق بين الذلة التي ينتجها طاغية محلي وطاغية عالمي..
ولا تسمع لكتاب المارينز الذين يقولون لك أن عراقك يعيش عهد القيامة والنهضة، بل عراقك يعيش عهد الأمركة والظلمة والسرقات والطائفية والفئوية والعشائرية والتقسيم والحكام المعينين، فقيامتك الحقيقية يوم تطرد المحتل الأمريكي ومن جاؤوا به وأقصد العراقيين العملاء الذي يسرقون أموال الشعب العراقي ويحولونها إلى الخارج!!!
-7-
البقاء لك أيها الشعب العراقي، فأنت صانع الحضارة والحروف، وقيامتك الحقيقية عندما تجهز على كل الطغاة المحليين والعالميين وتركسّ مشروع أمريكا في التراب...
وهذا اليوم قادم لا محالة، فأرض فيها الحسين يستحيل أن تستسلم للمجوس الأمريكان، وقيامتكم الحقيقية يوم يندحر الأمريكان عن أرض العراق، وتستلم النخب الوطنية الحقيقية الحكم في العراق..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعليقات