المقصود بالصدر المفكر الاسلامي والمرجع الفيلسوف الشهيد محمد باقرالصدر الذي اعدم وشقيقته المربية الفاضلة الشهيدة بنت الهدى في عام 1980 من قبل النظام البعث العفلقي،ويقال ان الديكتاتور النافق صدام حسين هو من تولى اعدامه بيده بعد ان حرق لحيته الكريمة. وشاء الله ان تتحقق نبوءة الشهيد الصدر في سقوط نظام صدام البعث في ذات اليوم الذي اعدم فيه اي في التاسع من نيسان /ابريل ولكن بعد ثلاثة وعشرون عاما وربك يُمهل ولا يُهمل.

اما زلماي فهو ثاني سفير اميركي في العراق الجديد بعد تحريره من حكم البعثيين. ولزلماي الامريكي من اصل أفغاني مع العراقيين قصة تبدأ فصولها من آواخر عام 2002 حين عقدت المعارضة السابقة بقيادة عالم الرياضيات ورجل الاعمال الثري احمد الجلبي مؤتمرها العتيد في لندن والذي مهد سياسيا واعلاميا لاسقاط نظام البعث البوليسي في بغداد والذي جاء بعد نجاح الدكتور الجلبي استصدار قانون تحرير العراق من ادارة الرئيس بيل كلينتون في عام 1998. يومها تعرف العراقيون الى زلماي خليل زادة الذي أُوكل اليه مهمة التنسيق بين المعارضة العراقية والادارة الاميركية خلال مؤتمر لندن، ومن حينها دخل الرجل حياة العراقيين السياسية.


وحينما قربت ساعة رحيله من العراق بعد ان قضى قرابه العامين سفيرا لبلاده في بغداد أبى زلماي ان يرحل من دون ان يترك وراءه ما يفرق العراقيين اكثر وما يشغلهم عن واجباتهم الاساسية ظناً منه ان يحسن بذلك صنعا كما فعل من قبل سلفه الحاكم المدني بريمر الذي وقع على العديد من القرارات والقوانين المثيرة للجدل قبيل مغادرته العراق وتركها للعراقيين كي يتشاجروا فيها.

وهكذا مضى زلماي هو الآخر وترك خلفه وديعة تلك هي مشروع اعادة البعثيين الى السلطة. هذه الوديعة التي عبرت عن نفسها سياسيا بما يسمي الان مشروع قانون ( المسائلة والمصالحة) وليس محض صدفة ان يتزامن اطلاق هذا المشروع ويوم انتهاء عمل زلماي كسفير ومغادرته بلاد النهرين. اذاً هذا ما يريده السيد زلماي اعادة قتلة الشعب وقتلة الصدر الى الحكم. يريد منا ان نقبل بعودة البعثيين الى الحياة السياسية من جديد رغم كل الفظائع التي ارتكبوها بحق العراق وجيرانه كل ذلك من اجل ان يتوقف العنف في العراق من وجهة نظر السيد زلماي ومن اجل ان يكتب له التأريخ انجازا سياسيا ليتباهى به امام مرؤوسيه في واشنطن.

نعود الى الشهيد الصدر والذي كانت له مع البعثيين وقفة مشرفة لاتنسى دفع حياته الشريفة ثمنا لها، تلك الحياة الحافلة بالعطاء بكل معنى الكلمة حتى صدق فيه قول أبي تمام:

هيهات ان يأتي الزمان بمثله ان الزمان بمثله لبخيل.

وحيث نعيش هذه الايام ذكرى شهادته يجدر بنا التعرف الى رأيه في حزب البعث الصدامي فقد سُئل رضوان الله عليه في الانتماء اليه فأجاب_كما ينسب اليه_ قائلاً (لو كان جزء من اصبعي بعثي لقطعته) وأُستفتي فحرم الانتماء الى حزب البعث واصفا أياه بفتواه الشهيرة بالحزب الكافر. وتكاد تكون هذه المرة الاولى التي يزج الصدر الاول الفتوى الفقهية في شأن سياسي فقد عرف عنه انه لايستقوي بالدين في العمل السياسي والفكري وقد انفرد بهذا النهج والامثلة على ذلك كثيرة واشهرها موقفه من الشيوعية فخلافا لبقية الفقهاء لم يستخدم الشهيد الصدر سلاح الفتيا في مقارعة الشيوعية بل استخدم الاسلوب العلمي في الرد على الافكار والطروحات التي جاءت بها الشيوعية ولاجل ذلك كتب كتابيه الشهيرين (فلسفتنا) و(اقتصادنا) من ضمن ثلاث كتب عُرفت بثلاثية اثبات الذات والكتاب الثالث هو (مجتمعنا) والذي لم ينشره او يطبعه وعندما سُئل عن سبب ذلك قال قدس سره (ان مجتمعنا لا يرضى بطبع مجتمعنا) في اشارة منه الى الممانعة التي قد تصدر عن المجتمع اذا ما نشر هذا الكتاب وذلك لما يتضمنه من افكار قد تعارض تقاليد واعراف الناس والتي فيها الشئ الكثير من الجاهلية.

اقول على خلاف عادته في التعامل مع الافكار العقائدية والروؤى السياسية فان الصدر رفض ان يتعاطى مع افكار البعث العفلقي الصدامي على انها افكار تستحق الدراسة والرد العلمي كما فعل مع الاطروحة الشيوعية التي قامت فلسفتها على الديالكتيك وعلى المادية التاريخية، بل شخصها منذ البداية على انها افكار هدامة ومريضة تضر بالمجتمع اكثر مما تنفعه هذا اذا وجد فيها منفعة اصلا ومن هنا كان صلبا في موقفه الرافض للبعث.


ولعل في مقولته السالفة الذكر بحق البعث ما يمكن ان يصلح اساسا لفكرة اجتثاث البعث فقد شخص الصدر (طاب ثراه) ان لاسبيل للتعامل مع البعث الا من خلال اجتثاثه ولذا تراه قال (لو كان جزء من اصبعي بعثي لقطعته) لان البعث من وجهة نظره هذه كالغدة السرطانية مالم يسارع الى استئصالها واجتثاثها وقطعها انتشرت عدواها في بقية الجسد فأهلكته وهذا ما حدث بالفعل حينما انتشر وساد البعث في بلاد الرافدين فحولها ومايزال الى خراب ما بعده خراب.

فاذا كان هذا هو موقف الشهيد الصدر من البعث والبعثيين الذين حاربهم ولما يكشروا عن انيابهم كاملة بعد ترى ماذا سيكون موقفه اليوم من وديعة زلماي التي تهدف الى اعادة البعث والبعثيين بعدما فسدوا في البلاد واهلكوا العباد وخربوا الحرث والنسل وبعدما دمروا العراق شر تدمير ومازالوا مستمرين في نهجهم العدواني الذي جبلوا عليه وشبوا عليه ومن شب على شئ شاب عليه؟ لو كان الصدر عضوا في البرلمان العراقي الحالي هل يرضى ان تُمرر مسودة مشروع قانون (المسائلة والمصالحة) اعني وديعة زلماي ام سيرفضها رفضا قاطعا؟ سؤال اترك الاجابة عليه الى نوابنا المحترمين لاسيما آولئك الذين وصلوا الى ما وصلوا اليه الان من مناصب وامتيازات باسم الشهيد الصدر.

أخيراً لابد من كلمة للتاريخ، ان ما لدى كاتب السطور من معلومات من مصادر موثوقة تؤكد ان السيد نوري المالكي برئ من هذا القانون كبراءة الذئب من دم يوسف وانما واحد من اخوة يوسف صاغه بالتعاون مع زلماي الذي ضغط بدوره على المالكي ليقبله وينشره باسمه ولسان حال اخينا (العزيز) ابا اسراء قوله تعالى ( الا من أُكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) صدق الله مولانا العلي العظيم. واعاننا والمالكي على هذه الفتنة العمياء. اللهم أرنا الحق حقاً فنتبعه والباطل باطلاً فنجتنبه وإخزي البعثيين ومن ناصرهم يارب العالمين.


* كاتب عراقي

[email protected]