-1-
قرارٌ تاريخيٌ وحكيمٌ وشجاع، ذلك القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية الشرعية، رغم أنف كل العصابات في داخل لبنان وخارجه، وذلك بطلب تشكيل المحكمة الدولية تحت البند السابع، بعد أن صبرت طويلاً، وتوسّلت كثيراً، ودرست عميقاً، وتحمّلت الأذى، والسباب القبيح، والمماطلة، والتسويف الممل، حتى كاد دم الأحرار أن يضيع. وبعد أن حاول أنصار الاحتلال السوري ومزكّوه، وسماسرته، تعطيل مجلس النواب، وإغلاقه، واعتباره دكاناً سورياً/ايرانياً، مفتاحه في جيبهم، متى أرادوا فتحوه، ومتى أرادوا أغلقوه.

-2-
جريئةٌ ومقدامةٌ الحكومةُ الشرعيةُ اللبنانية، حين اكتشفت بأن الماكينة السياسية اللبنانية، هي ماكينة لا تدور إلا بالإرادة السورية، والزيت الإيراني. وهي ماكينة قاصرة ومُقصِّرة عن اتخاذ القرار الوطني الحكيم والجريء، لتشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة ليس من اغتالوا الحريري ورفاقه وقائمة طويلة من الأحرار السياسيين والصحافيين والنواب، ولكنهم اغتالوا لبنان كله، بأرزه، وجبله، وبحره، وجبرانه، ونعيمه، ومطرانه، وعقله، وفيروزه، وصافيه.

-3-
حكيمةٌ وشجاعةٌ هذه الحكومة الشرعية اللبنانية، حين طلبت من الأمم المتحدة بالأمس، تشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة لبنان تحت البند السابع، بعد أن استجارت بالعرب والعجم، بالشجر والحجر، بالنار والعفار، بالشوك والغار، فلم يُجرّها أحد، ولم تجد غير الشرعية الدولية، تُجرّها، وتتعهد بأن تأخذ لها حقها، وتعيده الى لبنان كاملاً غير منقوص، بعيداً عن ظلم ذوي القُربى.

-4-
أشرار لبنان، وسماسرة الأنظمة الديكتاتورية العربية في لبنان، والداعين الى دماره وخرابه، وقتل أحراره، وتهجير مسيحييه بالذات، يقولون: هذه وصاية دولية، وعودة الاستعمار الجديد الى المشرق. ويرمون الحكومة الشرعية اللبنانية الحالية بالبتراء والعرجاء والشوهاء والخرقاء. ولكن الحكومة اللبنانية لم تدعُ الى الوصاية الدولية على لبنان، ولكنها لجأت الى الشرعية الدولية، حين لم يعد لدى اللبنانيين/السوريين/الايرانيين شرعية، ولا خلق، ولا ضمير، ولا قيم انسانية يتحلّون بها، وهم يرون دماء أحرار لبنان تروي جبله، وسهله، ومدنه، وقُراه.

-5-
جيران لبنان، ممن هم متهمون بمسلسل الاغتيالات الوحشية الآثيمة في لبنان، يتوسلون الى العرب والعجم، بكل جرأة ووقاحة المجرم الأثيم، عدم تسييس المحكمة الدولية، وعدم التعرض للرؤساء والمسؤولين الكبار في هذه المحكمة، ويشعلون حرباً مع اسرائيل، بواسطة مليشياتهم، لتعطيل هذه المحكمة. ويسببون في خسارة لبنان أكثر من خمسة مليارات دولار، ومئات القتلى والجرحى، وآلاف البيوت المهدمة، من أجل تعطيل هذه المحكمة، التي سوف تكون بمثابة محكمة ومحاكمة العصر، التي ستفضح النظام العربي السياسي الاجرامي، وتقدمه للعدالة، عارٍ أمام العالم، ومُشلّح من أجهزته السرية والقمعية البوليسية، حيث لا ناصر غير الحق، ولا مُجير غير العدل.
فكيف لا تكون هذه المحكمة سياسية بجدارة، وكل الجرائم التي ارتكبت منذ عام 2005 ما قبلها وما بعدها، جرائم سياسية بحق سياسيين أحراراًٍ، وناشطين سياسيين أحراراً؟
فهل كان من ذهبوا ضحية هذه الجرائم، من باعة الكعك بالزعتر على كورنيش الروشة؟
أم من ماسحي الأحذية في شارع الحمراء ببيروت؟
أم من جرسونات الدولتشي فيتا والويمبي ومطاعم العجمي والسوليدير؟
يا للعجب!
الأنظمة السياسية، التي تغتال الأحرار، ودعاة الاستقلال، وطلاب الحرية، ورواد الديمقراطية، ومحققي التعايش الانساني الطائفي، وخامدي الحروب الأهلية، ومعمري لبنان، هي الأنظمة التي يجب أن تحاكم تحت البند السابع، حيث العصا لمن عصى، واستكبر، وأنكر، وقال أنا قاتلكم الأكبر، وربكم الأعظم.

-6-
لا أحد في العالم العربي كله وليس في لبنان فقط، يستطيع محاكمة هذه الأنظمة الجهنمية القامعة والمستبدة والمجرمة غير الشرعية الدولية، التي حاكمت من قبل أنظمة مماثلة في العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، من فاشية ونازية، وحاكمت مؤخراً نظام ميلوفيتش. ولبنان ذو القوة الناعمة، المتمثلة بديمقراطيته، وتعايش طوائفه سلمياً، لا يملك قوة عسكرية أجنبية ضاربة، تستطيع جلب ومحاكمة مجرمي وقتلة الأحرار، كما تم في العراق. فليس لديه إلا هذه القوة الناعمة.. قوة الشرعية الحكومية الحالية، لكي يأخذ بثأر الضحايا، التي ذهبت دماؤها هدراً بغير حق، غير حق الحرية والاستقلال.

-7-
لو طالبت الشرعية الشعبية الليبرالية العربية، كما طالبت الشرعية الحكومية اللبنانية بالأمس الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمحاكمة الأنظمة العربية الديكتاتورية، التي تقتل الليبراليين، وتسجنهم، وتشردهم، وتطردهم خارج الحلبة، وتضطهد الأقليات العرقية والدينية واللغوية والمرأة، وتحرمها من العدالة والمساواة وحقوق المواطنة الكاملة، وتنشر فكر الأساطير، وتشجع ثقافة الكهوف، لما كان حال العرب على ما هو عليه الآن من هذا الطغيان، والاستبداد، وضياع حقوق الانسان.

-8-
لو طالبت الشرعية الشعبية الليبرالية العربية، كما طالبت الشرعية الحكومية اللبنانية مجلس الأمن والأمم المتحدة، بأن تُشكَّل محكمةٌ تحت البند السابع لمحاكمة الأنظمة التوتاليتارية البوليسية، التي سحقت وتسحق المعارضة، وتزوّر الانتخابات، وتنشر الارهاب الديني والثقافي والمسلح، وتُحيل الأوطان الى حظائر للأغنام والسائمة، وتجعل من دولة القانون قانون الدولة، ومن دولة الأمن للجميع أمن الدولة للحزب الحاكم، أو الطائفة الحاكمة، أو العشيرة الحاكمة.. لو تمَّ ذلك لما كان العالم العربي على هذا النحو الآن من التخلف، والجهل، والاندحار، والدونية.

-9-
نعم، آخر الدواء الكي، كما قالت العرب قديماً.
والشرعية الدولية وليست الوصاية الدولية، هي الكي كآخر دواء لنا، حيث حار فينا أطباؤنا، وعجز عن علاجنا الطب العربي التقليدي.
لقد حاولت الحكومة الشرعية اللبنانية المنتخبة انتخاباً ديمقراطياً حراً بكل ما أوتيت من قوة ناعمة، أن يكون قرار انشاء هذه المحكمة الدولية قراراً لبنانياً خالصاً، بعيداً عن البند السابع. ولكن غربان لبنان، وضباعه، وثعالبه، وذئابه، والنخاسين، والمرتشين، والسماسرة الكثر أبوا ذلك، وكابروا، واستعلوا، وزوّرا، وبطشوا، وأغلقوا أبواب الشرعية، ورموا مفاتيحها وأختامها في بئر عميقة كما فعلت فيروز (قرنفل) في مسرحية (صح النوم) بالوالي الديكتاتور، وأخذتهم العزة بالإثم، وقالوا أنّا نحن أربابكم الأعلون. فما كان من هذه حكومة (قلب الأسد) إلا أن حزمت أمرها، وجمعت شجاعتها، وقالت القول الفصل:
نريد محكمة بقرار الشرعية الدولية، حيث لم تعد هناك دولة لبنانية. فهناك فقط حكومة لبنانية، وهي الدولة، وهي الشرعية، التي تطلب من الشرعية الدولية الأم، أن تقوم بواجبها.

-10-
نعم، لا يفلّ الحديد غير الحديد، مع القتلة، والمجرمين، وسماسرة الأنظمة البوليسية.
وفيروز (قرنفل) في مسرحية (صح النوم) رمت ختم الديكتاتورية في البئر، حتى لا يُستعمل فيما بعد في الظلم والجور، بعد أن ختمت كل عرائض المظلومين، وأعادت الحق الى أصحابه.
في حين أن (قرنفل) لبنان الجديد، رمى ختم الشرعية اللبنانية، في بئر الديكتاتورية العميقة، لكي لا يعيد الحق إلى أصحابه. ويُعيب على هذه الحكومة استعارتها لختم الشرعية الدولية.
فلا هو يرحم، ولا يجعل رحمة الشرعية الدولية تسود.
فخيراً فعلت الشرعية الحكومية اللبنانية الشجاعة، وكتبت تاريخياً جديداً وجريئاً ومشرّفاً للبنان، والمنطقة بأسرها.
السلام عليكم.