في تصريح يُعد الاول من نوعه على لسان السيد ر ئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أكد سيادته إنه (والاحرى أن يقول حكومتي) عازم على وضع خطة يتم بموجبها إعادة الكفاءات العراقية إلى العراق لتسهم في بناء ا لعراق الجديد، عراق الحكومة البرلمان المنتخب والحكومة المنتخبة رغم كل المفارقات التي يمكن أن تؤخذ على العملية السياسية بشكل عام، ومن أبرزها تسيد ا لكثير من الأميين وذوي الشهادات المزورة في البرلمان وغير البرلمان كما تنقل االأخبار الموثوقة.
دعوة كريمة، طالما ألح عيها أصحاب الفكر والناصحون المحبون للسيد المالكي، وقبل ذلك المبحون للعراق وشعب العراق، والحريصون على مستقبل العراق.
ولكن أ عتقد يتفق معي السيد المالكي أ ن مثل هذه العودة ليست سهلة، بل تحتاج إلى مقدماتها الصحيحة، وآلياتها السليمة، وظروفها المواتية، ومجالات عطائها الرحبة، لا عودة بلا (أمن) يحفظ لهذه الكفاءات ليس حياتها فقط كما يتصور البعض، بل يحفظ لها كرامتها من تدخل (رجل دين / مثلا) يتحكَّم ربما حتى باخصاصها أو حزبي له حظوة في السلطلة التنفيذية أ و التشريعية أ و القضائية،، لا عودة بلا (أمن) يوفر لأهل الكفاءات حرية إبداء الرأي، فلا يتحكم بها (طالب) ربما في السنة الأولى من دراسته الجامعية محسوب على تيار ديني أو سياسي أو أديلوجي معين، لا عودة لهذه الكفاءات من دون ضمانة دستورية وإجرائية تحميها من تعسف عضو أو أكثر في مجلس محافظة قد لا يحمل من (عراقيته) بقدر ما تحمل هذه الكفاءة التي عاشت في الغرب ربما أكثر من عشرين سنة، لا عودة لهذه الكفاءات وهناك رائد من روا د الأحزاب الدينية يقسم أهل العراق إلى عراقيي الخارج وعراقيي الداخل، لا عودة بلا مجالات مفتوحة تتيح للكفاءة تصريف طاقتها،أو بتعبير أدق تفعيل طاقتها على مستوى عالي من المرونة وا لحرية وا لتحرك والعمل، ولا عودة بلا حقوق مادية تستحقها الكفاءة، ليس إسوة بـ (نائب) برلماني من الصعب أن يجيد معادلة لغوية بسيطة ليعبر عن مكنون ضميره أو مراده، بل لأن الكفاءة تستحق مثل هذه الحقوق ـ التي إن سُنت ــ عن جدارة،، بعد دموع ووجع ودم وسهر وسهد وألم ومرض، وليس عن طريق ترشيحات حزبية أو عائلية أو دينية لأعلى الناصب وأ شرفها في الدولة. لا عودة لهذه الكفاءات بدون ضمان الحرية، الحرية المطلقة ما دامت لا تضر بالأخر، مادامت تعبر عن حق شخصي مع إحترام متطلبات السلام الا جتماعي، فلا تتحكم عصابات الأيدلوجيات والإرهابيين بمذقات الناس، من لبس وأكل وشرب ومعتقد وهواية وحرفة وتوجه وقراءة وكتابة وصوت وصورة، لا عودة لكفاءات في ظل منظومة إعلامية متخلفة، ناشزة، ثقافتها ترويج الخرافة، وتسييد غير أهل الاختصاص، فهذا الإعلام ربما يتحول إلى حرب على ذوي الكفاءات، ربما يتحول إلى ملاحقة مسعورة بحق هذه العقول النيرة، العقول الممتازة، العقول المتميزة ربما، لا عودة لهذه الكفاءات وهناك وزاراة عراقية ميتة، وزاراة قائمة على أ ساس الولا ءات العرقيةي والحزبية وا لكتلية والطائفية والعشيرية والنسبية والمدينية ! فأي كفاءة يمكن أن تقدم وتنتج وتثمر وتتحرك وتعطي ويتحكم بها وزير غير متخصص ؟ وأي كفاءة يمكن أن تتفجر بثورتها المعرفية والعلمية والإنتجاية ووزيرها الذي يدير شأنها بل شؤونها يطرح مشروع (الفلسفة التربوية) من دون إضافة توضيح أو تحديد أو تعيين،وكأنه يتحدث عن (إفلاطون) الماهوي وليس إفلاطون في مُثله، أو إفلاطون في محاكاته، أو إفلاطون في جماله، أو إفلاطون في تلمذته على يد سقراط ؟ وأي كفاءة يمكن أن تتلمس طريقها في العراق الجديد ووزيرها الذي يخطط لها (ثقافيا) ليس من رواد الثقافة، ولا يمتلك رؤية ثقافية، ولم يعهد له كتاب ثقافي مشهود أو غير مشهود له، خريج علوم شريعة، كان منغمسا بحل طلسمات كتب قديمة، وحروز لم تقدر عقولنا من فهمها إلا بعد مر اجعات تدوم ربما أياما وأسابيع ؟ وأي كفاءة يمكنها أن تتفتق طاقة وحيوية ووزيرها يتهم مؤسسات المجتمع المدني من النساء بانها مؤسسات إباحية ؟ وأي كفاءة يمكنها أن تستمر، وتتذوق البحث، وتتهالك في عملها وشغلها ورسالتها ووزيرها مشحون بشحنة حزبية طاغية حتى النزق، وحتى القرف...
الكفاءة عندما تعود يا سيدي رئيس الوزراء، إنما تعود مؤسسة، مؤسسة ضخمة، فالكفاءة يا سيدي ليست شخصا يحمل شهادة جامعية، ولا شهادة جامعية ممهور لها بالتفوق، ولا تفوق مشفوع بكم هائل من براءات إختراع، ولا تفوق حاز على أوسمة الرؤساء والملوك والجامعات، الكفاءة يا سيدي الكريم فضاء من الحرية، الكفاءة يا سيدي لا يمكن أن تستقيم أو تتفاهم مع مستشار سياسي ينصح بوش بعدم الإستماع إلى وزير دفاعة رامسفيلد لان الأخير يقدم له تقارير مزورة عن الوضع في العراق، الكفاءة يا سيادة رئيس الوزراء مؤسسة معرفية وجمالية وظرفية وحقوقية وإدارية...
لقد أستدعى صدام حسين الكفاءات العراقية، وشرع لهم من الحقوق المادية ما يمكن أن يحسب له، ولكن من جانب آخر كان طاغية في التعامل مع هذه الكفاءات، هو الذي كان يصمم لها بالمنقلة والفرجال، هو الذي كان يخط لها بالقلم والفحم واللون والريشة، هو الذي كان يكتب لها النص، هو الذي كا ن يضع لها خطوط الطول والعرض، فمات الرسم، وقتل الفن، وضاع الاقتصاد، وخرب الفكر، وهزل الطب، وشاع الفساد، وطغى أعضاء حزبه على الناس، ومات الوجدان العلمي الروحي...
دعوة كريمة نابعة من شعور كريم، نا بعة من إحساس وطني جميل، فليس هناك من يشك بأخلاص مطلقها أو بإخلاص عنوا نها، ولكن لا تكفي النيات الطيبة، وليس هناك من ينكر أن الكفاءات العالية لا يمكن أن تعيش في ظل حكومة ضعيفة، والسيد المالكي كما ينقل ثقاة يعاني من ضعف حكومته.
يتبع.
التعليقات