-1-
ما حدث في الأيام الماضية من اعتداءات ارهابية غاشمة في الدار البيضاء والجزائر، تثبت بالدليل القاطع ما كنا نقوله في الماضي، وفي معظم المقالات التي كتبناها عن الارهاب، من أن ظاهرة الارهاب في العالم العربي ليس مردها وجود القوات العسكرية الأجنبية، ولكن مردها تصاعد دعوة التيار الديني الظلامي المتشدد، وزيادة جرعات الجهل والتخلف في العالم العربي، مقابل ما تحرزه الحداثة والليبرالية العربية الآن من تقدم. زيادة على ذلك فإن التضييق والمصادرة والالغاء لقوى الحداثة والليبرالية في العالم العربي، من قبل معظم الأنظمة العربية، والسماح للتيار الديني المتشدد والظلامي من أن يمارس دعواته، ويصدر فتاويه، ويقيم مواقعه الاليكترونية على شبكة الانترنت، دون ملاحقة أو ممانعة أو حجب أو مصادره، والسماح له ببث خطابه وايصال كتابه من خلال وسائل الإعلام المختلفة، والمساجد، والمنابر، والقنوات الدينية، والمواسم ، في الحج، والعمرة، ومخيمات الشباب الكشفية، والمؤتمرات الإسلامية، وخلاف ذلك من وسائل الاتصال بالجماهير.. كل هذه العوامل قد أدت الى أن تتسع دائرة الارهاب في العالم العربي على النحو الذي نراه الآن، ولا تنحصر في بلد معين، وانما تمتد امتداد النار في كل بلد عربي يسعى الى زيادة جرعات الحداثة والليبرالية، واقامة قواعد المجتمع المدني.

-2-
العبرة الأخرى التي علينا أن نخرج منها من ظاهرة الارهاب، التي ضربت مؤخراً الدار البيضاء والجزائر بشكل قاس، هي أن الارهاب الدموي اليومي الفظيع في العراق، لا علاقة له بمقاومة الاحتلال. وأن دعوى علاقة الارهاب بالاحتلال دعوى باطلة.
فلو انسحب الجيش الأمريكي غداً من العراق لاستمر الارهاب اليومي الدموي قائماً، ولتمَّ تبرير استمراره بوجود حكومة غير شرعية، وبرلمان غير شرعي، وانتخابات مزورة، ودستور غير اسلامي، وضرورة اقامة خلافة اسلامية، أو عودة حزب البعث النازي الى الحكم.. الخ.
ففقهاء الارهاب في كل أنحاء العالم العربي جاهزون ومستعدون لاصدار فتاوى دينية بهذه الخصوص، تبرر للارهابيين ارهابهم، وللمجرمين اجرامهم، وللقتلة قتلهم.
فليس هناك أهون من اصدار فتوى دينية وضدها.
ألم يقل لنا حسن حنفي في مكتبة الاسكندرية، بأن فقهاء الارهاب جعلوا من الإسلام quot;سوبر ماركتquot; يحتوي على كل ما يشاءون ويرغبون به؟
ألم يُحل هؤلاء الفقهاء الإسلام الى مطية توصل الى الجنة، وتوصل الى المقابر الجماعية في الوقت ذاته؟
ألم يقم صدام حسين - وبفتاوى من فقهاء السلطان - بحملات quot;الأنفالquot; الاجرامية في 1988 في شمال العراق، باسم الدين، وأطلق عليها اسم سورة من سور القرآن الكريم؟

-3-
من أجل ماذا تمت تفجيرات الدار البيضاء والجزائر؟
ماذا يريد المفجرون والمتحزمون بالنواسف أن يقولوا لنا من خلال هذه الجرائم؟

أهو عبث أم جد؟
فإذا كان ما فعلوه هو الجد بعينه، فما هو هذا الجد، ولماذا؟
ولماذا صمت فقهاء الارهاب على كل هذه الأعمال، ولم يتظاهروا في الشوارع احتجاجاً واستنكاراً لها، كما فعل مولانا القرضاوي حين تم تفجير مدرسة في قطر؟
ولماذا لم يقوموا باصدار فتاوى تدينها وتستنكرها، وهم الذين لم يصدروا فتوى حتى الآن بادانة أعمال القاعدة الاجرامية، أو باعتبار اسامة بن لادن مجرماً، يجب هدر دمه؟
إن العالم كله يتساءل، كما سبق وتساءلنا في مقال سابق (لماذا لم يُفتِ أحدٌ بقتل ابن لادن حتى الآن؟ 6/8/2005) عن سبب عدم اصدار فتوى دينية جامعة من كافة شيوخ الدين في العالم العربي، بقتل اسامة بن لادن، الذي قتل الآلاف من الأبرياء حتى الآن، رغم كل هذه الفتاوى ndash; بلا حساب ndash; التي تصدر كل يوم في كل شأن، حتى في كيفية ركوب المرأة للحمار.. أتركبه مقبلة أم مدبرة؟

-4-
وإذا كنا قد أعمينا، وجهلنا، وعطّلنا عقولنا، وأصبحنا كباقي حمقى هذه الأمة، وكباقي بلهائها، وسلّمنا بأن الحمامات الدموية اليومية في وسط العراق وجنوبه هي لاخراج الاحتلال من العراق، فأين الاحتلال العسكري الأمريكي في المغرب، لكي نقاومه بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، كما نفعل في بغداد وجنوب العراق؟
وأين الاحتلال العسكري الأمريكي في الجزائر، لكي نفعل فيها ما نفعله في بغداد وجنوب العراق؟
إن ما يجري مقاومته في العراق وفي المغرب وفي الجزائر، وفي أنحاء أخرى من العالم العربي ليس الاحتلال العسكري الأمريكي، فالاحتلال العسكري موجود في قطر ndash; مثالاً لا حصراً ndash; أكبر بكثير من وجوده في العراق، أو في أي بقعة أخرى من العالم العربي، ولا تجري بشأنه أية عمليات ارهابية كما يجري في بغداد والدار البيضاء والجزائر. وحمى الله قطر وشعبها من كل مكروه. وانما ما يجري الآن حقيقة ليس ضد وجود القوات الاجنبية بقدر ما هو ضد تصاعد وتنامي تيار الحداثة والليبرالية الذي يريد اقامة الدولة العربية المدنية الحديثة، لكي نتخلص من هذه الظلامية التي تجتاح العالم العربي سياسياً وثقافياً واجتماعياً.
فأينما أزهرت نبتة الحداثة، وُجد الارهاب لكي يقصفها ويقاومها .
وأينما وجدت فرصة لاقامة قواعد المجتمع المدني، وُجد الارهاب مبرراً لضرب هذه القواعد المدنية.
فأين القواعد العسكرية الأجنبية، في الدار البيضاء، والجزائر، والرياض، وعمان وغيرها لكي يذهب ضحيتها كل هؤلاء الأبرياء؟
فهل فهم الغافلون، وأدرك المغفلون الآن؟

السلام عليكم.