قد يستغرب القارئ الكريم من هذا العنوان فكيف يكون الارهاب مقاومة وبين الاثنين بون شاسع؟ فالارهاب، الذي لايزال مختلفا في تعريفه، يشيرفي العادة الى مضامين سلبية كالقتل العشوائي واستهداف الاهداف المدنية كالعزل او الاسواق او المدارس وهكذا. ويتم عادة بادوات محرمة دوليا كأختطاف الطائرات وتفجيرها او تفخيخ السيارات او استعمال غاز الكلور او اي غازات سامة الى غير ذلك من الادوات القذرة التي تستعمل لايقاع اكبر خسائر في صفوف المدنيين ولاثارة الهلع والخوف والرهبة في المجتمع ومن هنا ربما جاءت تسمية الارهاب.
اما المقاومة فتشير في العادة الى مضامين ايجابية، كمقارعة المحتل، وتحرير الوطن ومساعدة المواطنين وتخليصهم من شرور العدو، واقامة نظام حكم وطني وتحقيق العدالة الاجتماعية وفرض القانون، وغير ذلك من الاهداف السامية التي يفترض ان يشملها برنامج المقاومة وتعلن عنها قيادتها التي يفترض فيها ان تكون معروفة للناس ومزكاة من قبلهم ولا يكون ذلك الا عندما يوجد اجماع او شبه اجماع وطني على المقاومة.
طبعا المقصود بالمقاومة هنا المسلحة اي التي تحمل السلاح وتقاتل العدو عسكريا، والامثلة على هذا الصنف من المقاومة اكثر من ان تحصى ابتداءا بالمقاومة العراقية ضد الاحتلال الانكليزي مطلع القرن الماضي، وما تبعها من ثورة كبرى ضد الاحتلال عرفت بثورة العشرين، وكان برنامجها يدعوالى انهاء الاحتلال و تشكيل حكومة وطنية يتزعمها ملك عربي واعلان استقلال العراق. وكل هذه الامور تحققت فيما بعد .وكان لهذه المقاومة الثورية رموزها وقادتها المعروفون من الفقهاء ومن شيوخ العشائرورجال المدن ابرزهم اية الله الحبوبي والشيخ شعلان ابو الجون واخرون، وكذلك الحال مع المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين حيث قادها الشيخ عز الدين القسام وفي المغرب العربي كانت هنالك المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي والتي قدمت اكثر من مليون شهيد ومن رموزها عبد القادر الجزائري. اما المقاومة الليبية ضد الاحتلال الايطالي فقد قادها الشيخ عمر المختار والذي لوث العقيد معمر القذافي اسمه أخيرا عندما قرنه بصدام وعندما وضع الى جنب تمثاله تمثالا لطاغية بغداد النافق.
والشئ ذاته مع المقاومة الفيتنامية ضد الاحتلال الامريكي. فقد كان لها هيئة اركان ووزير دفاع هو الجنرال جياب وقائدها السياسي هو هوشي مينه. واما المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي فقد قادها الجنرال ديغول وفي امريكيا اللاتينية كان هنالك الرائع جيفارا الذي قاد المقاومة ضد النفوذ الامبريالي وتكللت مقاومته بالنجاح في بعض الدول وفشلت في اخرى الى ان تم اغتياله من قبل جهاز المخابرات الامريكية سئ الصيت.
هذا على مستوى المقاومة العسكرية. اما على مستوى المقاومة السياسية السلمية التي عرفتها دول العالم فهي الاخرى كانت لها برامجها السياسية وقادتها ومن اوضح الامثلة على المقاومة السياسية السلمية هو مقاومة اللاعنف ضد الاحتلال الانكليزي في الهند والتي قادها المهاتما غاندي، وكذلك المقاومة السياسية ضد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا والتي قادها الرائع نيلسون مانديلا، وفي مصر كانت هنالك ايضا مقاومة سلمية قادها سعد زغلول باشا وشكل وفدا من اجل التفاوض مع المحتل البريطاني وتحول هذا الوفد فيما بعد الى حزب سياسي لايزال يمارس نشاطه في مصر وعرف بحزب الوفد.
وفي العراق ايضا كانت هنالك مقاومة سلمية وسياسية ضد الاحتلال المحلي الذي تمثل بالاحتلال البعثي الصدامي وقاد هذه المقاومة اية الله محمد صادق الصدر حيث استطاع ان يشكل قاعدة عريضة من الاتباع الذين كانوا يقاومون النظام البائد سلميا ن خلال فعالية صلاة الجمعة ومن خلال تحدي النظام بالمسيرات المليونية لزيارة العتبات المقدسة وغيرها من الفعاليات التي بدأت تشكل خطرا حقيقيا على النظام مما دفع به الى اغتيال قائد هذه المقاومة ونجليه عام 1999 ظنا منه انه يستطيع اخماد نار المقاومة الصدرية الوطنية.
واذا ما عدنا الى الجهات التي تمارس العنف في العراق اليوم فانها لاتملك اي برنامج او قيادة. فهل يستطيع احد ان يدلني على قيادة من يصفون انفسهم بـ (المقاومة) ؟ وحتى الاسماء الحركية التي بدأنا نسمع بها كـ(ابو عمر البغدادي) وغيره هي اسماء غير معروفة (ان هي الا اسماء سميتموها انتم وأبائكم ماأنزل الله بها من سلطان) وأغلب الظن لدي ان هذا الـ(ابو عمر) من فصيلة ناكحي الاتان _والاتان اجلكم الله هي أنثى الحمار_ الذين ركبوا موجة الدين لتحقيق مآربهم المريضة والا لماذا لا يفصح لنا عن اسمه او هويته اذا كان حقا مقاوما؟
من هذه الامثلة وغيرها نستنتج امرا مهما وهو ان المقاومة سواء كانت مسلحة او سياسية سلمية لابد من ان يكون لها برنامج واضح المعالم وتكون لها قيادة معروفة من قبل الامة وعليها اجماع اوقبول عام. ومن هنا فان ما يحصل اليوم في العراق من اعمال عنف مسلحة لاعلاقة لها بالمقاومة لا من قريب ولا من بعيد وانما هذا العنف هو ارهاب وتمرد وكلاهما يحاول ان يتوشح عباءة المقاومة التي هي ابعد ما تكون عنهما واليكم التفصيل:
ان العنف في العراق صنفان لاثالث لهما. وهما ارهاب وتمرد. اما الارهاب فتقوم به القوى التكفيرية القادمة من خارج الحدود ومعها مجاميع تكفيرية محلية_كناحك الأتان ابو عمر ومن هم على شاكلته_ وهذه المجاميع بحسب بياناتها واعمالها الارهابية تستهدف اولا واخيرا المدنيين العراقيين من ابناء الطائفة الشيعية واخيرا وسعت اهدافها لتشمل المدنيين من ابناء الطائفة السنية وكذلك العراقيين من ابناء القومية الكردية بالاضافة الى ابناء الاقليات الدينية الذين لم تسلم دور عبادتهم من اذى هذه الجماعات الظلامية مثلما لم تسلم مساجد المسلمين وحسينياتهم.
واما القوات المتعددة الجنسيات المتواجدة في العراق فهي تعتبر هدفا ثانويا لهذه المجاميع والدليل على ذلك ان مجموع ما قتلته هذه المجاميع من المدنيين العزل يفوق بالاف المرات ما قتلته من تلك القوات على اننا نأسف لكل ضحية تقع في العراق. فهم هذه المجاميع الاول هو ايقاع اكبر عدد ممكن من الخسائر في صفوف المسلمين العراقيين لانهم كفار من وجهة نظر هذه المجاميع او مرتدين وعلى ذلك يتضح ان لا صله لهذا المجاميع بمفاهيم المقاومة التي تقدم شرحها بل هي مجاميع ارهابية محضة جاءت لتنفس عن حقدها الطائفي وعقدها العقائدية وتصفية حساباتها التاريخية.
اما الصنف الثاني من اعمال العنف فهو تمرد يقوده ايتام النظام البائد من ضباط ما كان يعرف بـ(الحرس الجمهوري) ومن رجال المخابرات والامن والبعثيين الصداميين وهؤلاء يتلقون دعما لوجستيا من بعض دول الجوار ولا علاقة ايضا لما يقومون به بالمقاومة بل ما يقومون به هو تمرد وعصيان محض.
والتمرد هو رفع السلاح بوجه الحكومة الشرعية المنتخبة والخروج على القانون وكل من يقوم بهذا الفعل يوصف بالقانون الدولي وبالاعراف الساسية بالمتمرد. وهذا الوصف ينطبق بحذافيره على البعثيين الصداميين الذين خرجوا على الحكومة العراقية المنتخبة شرعيا ورفعوا السلاح بوجهها ولذا تجد ان اهدافهم تتمحور حول قوى الشرطة والحرس الوطني العراقيين والمدنيين العزل وتستهدف ايضا دوائر الدولة ومؤسساتها والجسور والطرق وجسر الصرافية الجميل شاهد على ذلك مما يؤكد زعمنا من انهم مجاميع متمردة تفعل ذلك لانها فقدت امتيازاتها السياسية والاقتصادية جراء عملية التغيير التي شهدها العراق بعد اسقاط نظام صدام البعث وتطمح في العودة الى دفة الحكم ومن هنا سموا حزبهم الجديد بحزب (العودة).
وخلاصة القول ان مايجري في العراق من عنف، شطره الاول ارهاب يقوده التكفيريون، وشطره الثاني تمرد يقوده البعثيون الصداميون. وكلاهما، اي الارهاب والتمرد، ليس مقاومة. فأي مقاومة هذه التي تستهدف ممثلي الشعب وبرلمانه؟ واي مقاومة هذه التي جعلت قتل الابرياء من المواطنين العزل غايتها؟ واي مقاومة هذه التي تمارس التهجير الطائفي والقتل على الهوية؟. نعم ان وجدت مقاومة فهي المقاومة السياسية السلمية داخل البرلمان وخارجه والتي ترمي الى الضغط سياسيا وسلميا لجدولة انسحاب القوات المتعددة الجنسية المتواجدة في العراق ضمن القرار 1546 الصادر عن الشرعية الدولية وبطلب من الحكومة العراقية المنتخبة والضغط من اجل ابرام اتفاقية لتنظيم وضع تلك القوات في العراق والمسك بزمام الملف الامني واستكمال بناء مؤسسات الدولة الجديدة ودعم العملية السياسية والتحول الديمقراطي ومقاومة الفكر البعثي الهدام و(عودة) البعث وبهذا المعنى نحن جميعا مقاومون.

كاتب عراقي
[email protected]