بسم الله الرحمن الرحيم
(أ)
1 ـ المرأة شريكة الرجل في صناعة الحدث التاريخي ولكن الرجل حين يقوم بكتابة التاريخ فأنه يتجاهل دورها ويغمطها حقها. ولذلك تبدو الفجوة هائلة بين الروايات التاريخية وأحداث التاريخ الحقيقية، ويظهر هذا على الخصوص في تاريخ العصور الوسطي حيث الازدواجية والنفاق، فقد كانت المرأة سلعة أو مخلوقا من الدرجة الثانية حسب الأصول المرعية، ولكنها كانت الفاعل الحقيقي خلف ستار في دنيا الواقع. كانت المرأة وقتها هي وسيلة التسلية العظمي، فقد أرادوا لها هذا الدور، ولكنها كانت وسيلة تسلية من نوع فريد، ليس جمادا كالشطرنج، وليس حيوانا ككلاب الصيد، ولكنها كانت إنسانة تملك قدرة السيطرة على الرجل بدهائها وبذلك تسللت إلى مواقع التأثير في الرجل صاحب القرار في أوقات استرخائه ومتعته، وأحكمت حوله سيطرتها وحركته من وراء ستار.
2 ـ وينطبق ذلك على العصر العباسي في عهد الخليفة المهدي حيث سيطرت عليه جاريته الخيزران وهي أم الهادي والرشيد، وأم كل الخلفاء العباسيين اللاحقين،إذ يرجع نسبهم إلى الرشيد.وقد سيطرت الخيزران على عقل المهدي حتى اعتقها وتزوجها، وسيطرت على مقاليد الأمور في عهده، ثم حاول ابنها الهادي تقييد سلطتها فقتلته شابا ثم ظلت تسيطر على ابنها هارون الرشيد والدولة العباسية إلى أن ماتت في خلافة ابنها الرشيد.
وعلى دربها سارت جواري أخريات، كل منهن سيطرت على الخليفة ndash; باستثناء قلة قليلة من الخلفاء ndash; وأشهرهن قبيحة محظية الخليفة المتوكل التي تسببت في موته حين جعلته يقدم ابنها المعتز على أخيه المنتصر فدفعت المنتصر إلى قتل أبيه المتوكل. ثم قتل المنتصر وتولي المعتز بن قبيحة، فسيطرت عليه إلى أن أوردته مورد التهلكة.ومنهن (شغب) أم الخليفة المقتدر التي سيطرت عليه وعلى الدولة العباسية الى درجة انها جعلت وصيفتها تتولي منصب قاضى القضاة.
وهناك عشرات الجواري والمحظيات الأخريات اللاتي مارسن نفوذهن القوى من وراء ستار، ثم فقدن نفوذهن بعد ممارسة سياسية طالت أم قصرت، ولكن كن في موقع التأثير لفترات طويلة أو قصيرة. كل ما هنالك أن نفوذهن كان مستورا، لم يتضح أثره علنا في الشارع، بحيث أن الوفود لم تكن تأتي إليهن تطلب الوسطات والشفاعات كما كان يحدث في عصر الخيزران أو أم المقتدر، فتلك النوعية من الجواري المحظيات كن يمارسن النفوذ من خلال الغرف المغلقة وقاعات الحريم.. ولم يكن مسموحا لأسماع التاريخ أن تتسلل وتتنصت في تلك المناطق المحرمة.وإن كان في أمكان الباحث التاريخي أن يتلمس أثرهن في ضعف شخصية الخليفة العباسي ndash; مثلا- منذ القرن الثالث الهجري، ويمكن أن نأخذ مثالا محزنا لهذا الضعف في نهاية آخر الخلفاء حين جيء به إلى هولاكو، ورغم أن الخليفة المستعصم كان مشهورا بالبخل وحب المال إلا أنه أرشد هولاكو إلى نهر مطمور في القصر من الذهب المتجمد، ومع ذلك فانه بكي حين أخذ هولاكو يستعرض جواري الخليفة الحسان وعددهن (700) زوجة وسرية وألف خادمة، وأخذ الخليفة يتضرع إلى هولاكو قائلا quot; منّ على بأهل حرمي اللائي لم تطلع عليهن الشمس والقمر quot;.
إن الرجل حين أهان المرأة وجعلها جارية للمتعة فقط وتناسى أن لها عقلا وكيانا إنسانيا فأنه في نفس الوقت أتاح لها الفرصة لكي تتحكم فيه. والتاريخ العباسي خير شاهد على هذا وإن لم يكن التاريخ الوحيد في هذا الشأن. وجدير بالذكر أن الخليفة السفاح تمسك بزوجة واحدة ولم يكن له غيرها من النساء الحرائر أو الجواري، والخليفة المنصور ظل بزوجة واحدة إلى أن ماتت ولم يسمح بأي نفوذ في عهده لأي إنسان ذكر أو أنثى..وقد قام توطيد الدولة العباسية على يد السفاح والمنصور، وبعدها أصبح الفراغ كبيرا أمام الخلفاء اللاحقين، وقامت الجواري الحسان بقضاء وقت الفراغ للخلفاء، وبقدر ذلك الفراغ كان نفوذهن الذي تقاصرت الروايات التاريخية عن توضيحه.
(ب)
ولكن كان للقصص القرآني اتجاه مختلف. لا أدل على مكانة المرأة في القصص القرآني وعلى دورها المؤثر في التاريخ الإنساني من قوله تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)(التحريم آية 10: 12).
أي أن الله تعالى يجعل المثل السيىء للكافرين الرجال والإناث امرأتين، امرأة نوح وامرأة لوط.. ويجعل المثل الحسن للذين آمنوا رجالا ونساء امرأتين، امرأة فرعون والسيدة مريم..وهذا يعني أن المرأة فاعل أساسي وشديد التأثير في التاريخ الإنساني وهذا ما يشير إليه القصص القرآني حتى في تاريخ الأنبياء نوح ولوط وموسى وعيسى عليهم السلام.
على أن ذلك التأثير للمرأة قد أشارت إليه نفس السورة في بدايتها، وقد نزل فيها العتاب للنبي الخاتم عليه السلام (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ولنا أن نتدبر في مغزى هذا العتاب للرسول محمد عليه السلام، وقوله تعالى له (تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ) ثم نقرأ إشارة للموضوع في قوله تعالى (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) (التحريم آيات 1-4).لو كان تأثير المرأة سطحيا لما نزلت فيه هذه الآيات ولما قال تعالى لاثنين من أمهات المؤمنين (وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) (التحريم آيات 1-4).
(ج)
ومبلغ علمنا بالقصص القرآني أنه يعطي الشخصية في القصة حقها حسب تأثيرها ودورها سواء كانت تلك الشخصية لأحد الملوك أو أحد الخدم، ونقارن في ذلك بين دور الملك في قصة يوسف ودور صاحبي السجن، وبنفس المقياس أخذت المرأة حقها في القصص القرآني حسب دورها في كل قصة، وجاء ذلك متناغما مع دورها الحقيقي، ليس في الأحداث التاريخية للقصص القرآني فحسب وإنما مع دورها في الحياة الواقعية في كل عصر.
وقد يقول قائل أن أكبر دليل على تأثير المرأة هو خطيئة حواء حين أكلت من الشجرة. ومع أننا نهتم بإثبات تأثير المرأة في تاريخ الإنسان وقصور الروايات التاريخية عن تجلية هذا الدور إلا أننا نلتزم بالنص القرآني فقط، وليس في القصص القرآني أن حواء كانت هي المسؤولة وحدها عن خروج آدم من الجنة. لقد كان آدم معها فى كل شىء؛ جاءت لهما الأوامر معا وعصيا الأوامر معا (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ) (البقرة 25- 26) فالشيطان أزلهما معا وأخرجهما معا.
وفي توضيح أكثر يقول رب العزة عنهما معا (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)(الأعراف -20)جاء التعبير بالمثنى لآدم وحواء معا (لهما، عنهما، نهاكما، ربكما، تكونا، ملكين، وقاسمهما، لكما فدلاهما، ذاقا، سوءاتهما، طفقا، يخصفان، عليهما، ناداهما، ربهما،أنهكما، قالا، ظلمنا، أنفسنا، لنا، ترحمنا).
صحيح أن حواء ليست المسؤولة وحدها عن خروج آدم من الجنة، ولكنها تتحمل معه المسؤولية مناصفة. وفي هذا عدل وإنصاف، وفيه أيضا تبيان لدور المرأة في صنع أحداث التاريخ باعتبارها الأم والزوجة والأخت والبنت، وصاحبة القلب الرحيم أو صاحبة الانتقام الأليم، هي نصف البشرية ورحم الوجود الإنساني، وإذا كان الرجل قد تجاهلها مؤرخا فأن الله تعالى قد أعطاها حقها حتى في تاريخ الأنبياء وهم أعظم البشر عليهم جميعا السلام.
*في قصة عيسى عليه السلام بدأ القرآن بقصة جدته امرأة عمران ثم نشأة أمه مريم في سورتين حملتا اسمي quot; آل عمران quot; و quot; مريم quot;
*وفي قصة يوسف عليه السلام نري نموذج الأم ونموذجا آخر للمرأة شديد الإنسانية والواقعية تمثله امرأة العزيز والنسوة المترفات من أهل المدينة اللائي انكرن على امرأة العزيز حبها ليوسف ثم عذرنها حين شاهدن جماله، ثم اعترفن أمام الملك ببراءة يوسف وطهارته.
*وفي قصة موسى عليه السلام نماذج إنسانية متعددة للمرأة وقد صحبته هذه النماذج منذ ولادته إلى بعثته.
وتبدأ قصة موسى بأم موسى والوحي يأتيها بأنها إذا خافت عليه فلا تلقيه في أحضانها ولكن في أحضان النيل لتكلأه عناية الرحمن حيث تتلقفه أحضان أم بديلة في قصر فرعون الذي سخره الله تعالى ليحنو على موسى، وتكون تلك المرأة المؤمنة خير بديل لأم موسى، ولكن أم موسى يكاد يقتلها القلق على وحيدها. وهنا يظهر دور الأخت التي تترصد أخبار أخيها الرضيع وتعرف أنه يعرض عن المرضعات، فتأتي الأخت وتدلهم على مرضعة جديدة هي أم موسى نفسها، وبذلك يعود موسى لأحضان أمه متمتعا برعاية فرعون نفسه.
وبعد حادثة القتل يهرب موسى إلى مدين وعند بئر مدين يساعد فتاتين في السقيا، وتعود أحداهما إليه تدعوه إلى أبيها ليجزيه أجر شهامته، ويعرض عليه الأب الصالح أن يزوجه احدي ابنتيه بعد أن قالت إحداهن لأبيها:(يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (القصص 26). ويتزوج إحداهن، وبعد أن دفع مهرها عملا لدى أبيها يعود بها إلى مصر وفي سيناء تحتاج زوجته إلى نار للتدفئة، ويري نارا بجانب شجرة فيذهب إليها في البقعة المباركة من الشجرة ويسمع كلام الله تعالى له وتكليفه له بالرسالة.
أذن لدينا في قصة موسى نماذج مختلفة للمرأة، الأم والأخت والزوجة وامرأة فرعون والمراضع وأخت الزوجة، وكلهن نماذج سامية وأعلاهن في السمو امرأة فرعون. ومع ذلك السمو فهن جميعا نماذج إنسانية واقعية، فيهن حب الأم وعطف الأخت ورقة الملكة وحنانها، فيهن التي تعمل ملكة لمصر والتي تعمل مرضعة والتي تعمل كالولد لخدمة أبيها الشيخ الكبير، وكل واحدة منهن قامت بدروها الواقعى الذي ذكره القرآن فلما انتهى دورها في القصة الحقيقية انتهى أيضا في القصة القرآنية.
والقرآن تحدث عن ملكة مصر في ذلك الوقت ووصفها بدقة حين قال quot; امرأة فرعون quot; أي كانت مجرد زوجة لحاكم مستبد بلغ به الاستبداد إلى درجة ادعاء الألوهية، وواضح من حديث القرآن عنه أنه كان قائدا للجند ومالكا للثروة ومتحكما في السلطة، ومثل هذه الشخصية لا تسمح بأي نفوذ للحريم إلى جانبها، لذلك كانت زوجته مجرد quot; امرأة فرعونquot; التي كانت تتستر منه وتدعو الله من أن ينجيها من شره وشر عصابته (وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
على أن القصص القرآني يتحفنا بنموذج آخر للملكة هى ملكة سبأ التي تملك وتحكم ولا تخلو من الحكمة والاستنارة مع كونها امرأة، وحديث القرآن عنها يوضح حصافتها، فهي تقول للملأ حين جاءتها رسالة سليمان عليه السلام (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ) وقرأته عليهم (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ثم استشارتهم (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ) تقرأ الرسالة وتطلب المشورة، ولكن الرجال أهل الشورى يفوضونها في التصرف، وهم يقولون لها اعترافا بحنكتها: (نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) أى عرضت عليهم اقتراحا بإرسال هدية والانتظار لما تسفر عنه تلك البعثة الودية، أي أنها تفضل السلام وحل الموضوع بالطرق الدبلوماسية الهادئة واستكشاف الأمر لأنها تعرف أن الملوك الرجال إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك كانوا يفعلون في عصرها.. لم تغتر بالمستشارين أولي القوة والبأس الشديد وإنما قدرت العواقب، (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ. وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) فضلت جس النبض أولا.. مما يدل على استحقاقها للملك، وربما لو كان هناك رجل في مكانها لأخذته الحمية وأشعل حربا بلا داع، وربما أضاع ملكه وشعبه.. والقرآن الكريم لم ينكر وجودها ملكة وإنما أنكر سجودهم للشمس. ثم أوضح في نهاية القصة أن الملكة استجابت للحق وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.
وهكذا نجد القصص القرآني قد غطى النوعيات المختلفة للمرأة في سيرة الأنبياء؛ من الخادمة المرضعة إلى الملكة المسيطرة، ومن الزوجة الملكية المقهورة أمام زوجها الكافر إلى الزوجة الكافرة المتمردة على زوجها النبي المؤمن، من الزوجة العاقر التي تلد بعد سن اليأس (زوجة إبراهيم وزوجة زكريا) إلى الزوجة الولود (زوجات يعقوب) ومن أم إسماعيل المؤمنة التي تركها زوجها إبراهيم في واد غير ذي زرع عند البيت المحرم إلى أم جميل امرأة أبي لهب التى سيكون في جيدها حبل من مسد..
تنوع هائل وواقعي في القصص القرآني لا نجد مثيلا له في الروايات التاريخية.
التعليقات