( تعمدت الانتظار إسبوعين بعد انتهاء المؤتمر لكتابة هذه المقالة، لغرض رصد ما سيكتب عنه وتوضيح ما سوف تتضمنه تلك الكتابات )

انعقد في مدينة زيوريخ السويسرية بين الرابع والعشرين والسادس والعشرين من شهر مارس 2007، المؤتمر الرابع لممثلي والمهتمين بشؤون الأقليات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، برعاية مؤسسة الأقباط لحقوق الإنسان ( الأقباط متحدون ) التي أسسها ويرئسها المهندس عدلي أبادير، وقد شارك في المؤتمر حوالي ستين من الناشطين في مجال حقوق الإنسان، وممثلين للعديد من الأقليات كالأقباط المصريين، والسريان في لبنان والشرق الأوسط، والمندائيين الصابئة والأكراد في العراق وسورية، والأمازيغ في ليبيا وشمال أفريقيا، وقد كان الحضور متميزا ومتنوعا حيث شهد تمثيل أقليات من النادر أن نسمع بالظلم والتمييز المفروض عليها، كأمازيغ شمال أفريقيا وأكراد تركيا ومندائيي العراق، وقد كانت المعلومات التي قدمها ممثلو هذه الأقليات مذهلة في العنصرية والظلم الواقع عليها في كافة المجالات، وتحديدا ألأكراد في تركيا والأمازيغ في جمهورية العقيد القذافي الخضراء العظمى في قمعها وتسلطها ومصادرتها لأبسط حقوق الإنسان الليبي عربيا كان أم أمازيغيا،وهذه نقطة ذات أهمية خاصة في الذاكرة والثقافة الشعبية العربية المتوارثة، وهي محاولة تعريب الآخر رغم أنفه، كما يحدث مع أكراد العراق وسريان الشرق وأمازيغ الشمال الأفريقي، فما زال بيننا من ينكر على هذه الأقليات ثقافتها ولغتها وقوميتها المختلفة عن العرب وإن تكلموا اللغة العربية. شهد المؤتمر نقاشات مفيدة وساخنة أحيانا حول العديد من الموضوعات والنقاط منها:

أولا: هل المرأة العربية أقلية؟

خلال النقاشات التي سبقت افتتاح المؤتمر وخلاله، دار نقاش واسع حول هذه المسألة كي تضاف المرأة لاهتمامات المؤتمر والمؤتمرين على اعتبار أن نوع وحجم الاضطهاد والتهميش الواقع على المرأة العربية لا يقل عن الاضطهاد والتمييز الواقع على الأقليات القومية والدينية في الوطن الموصوف ب ( العربي ). هناك من أيد هذا التوجه وهناك من اعترض على اعتبار أن المرأة العربية التي تشكل أكثر من نصف المجتمعات العربية عددا لا يمكن اعتبارها أقلية، وهذا لا ينفي وجود الاضطهاد والذل والتهميش في حد ذاته، مما جعل توصية الكاتب والمفكر العفيف الأخضر تلقى تجاوبا وحماسا من ( لوبي المرأة ) في المؤتمر، فيفرض توجهه مدعوما من راعي المؤتمر المهندس عدلي أباديروغالبية الحضور بما فيهم كاتب هذه السطور، لأن حجم التمييز والتفرقة العنصرية ضد المرأة العربية مما لا يمكن تصوره في غالبية المجتمعات، فمنذ سنوات وصلت المرأة في دول آسيوية كالهند والباكستان وبينغلاديش والفيلبين لرئاسة الدولة، في حين أن هذا المنصب محظور على المرأة العربية بسبب لوبي الفقهاء والدعاة الذين يفسرون الدين كما يتناسب مع مصالحهم ونظرتهم الدونية للمرأة، رغم أنهم يصدّعون رؤوسنا بقولهم (الجنة تحت أقدام الأمهات ) ويرفضون رئاستها للدولة وتوليها لمنصب القضاء وقيادتها للسيارة ومشاركتها للانتخابات في بعض الدول، وبالتالي هل العلماء والشيوخ والفقهاء في باكستان خارجون عن الملة لأنهم سمحوا للمرأة بتولي تلك المناصب منذ عشرات السنين؟. وهذا يعني أن الانتصار للمرأة العربية في مؤتمر الأقليات المذكور يعتبر مسألة ايجابية وليس نقطة سلبية في سير أعمال المؤتمر، لذلك سيصبح اسم المنظمة التي انبثقت عنه منذ الآن (منظمة الدفاع عن الأقليات والمرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - ميموا).

ثانيا: دعوة الكاتب الإسرائيلي مردخاي نسيم

ليس سرا القول أن غالبية حضور المؤتمر بمن فيهم أنا كعضو للجنة التحضيرية التي أعدت ووجهت الدعوات، فوجئوا في ساعة افتتاح المؤتمر بوجود وحضور الكاتب الإسرائيلي اليميني المتطرف مردخاي نسيم، وكان من الممكن التجاوز عن مسألة حضوره لولا الكلمة التي ألقاها في أعمال اليوم الثاني للمؤتمر، وكانت صدمة لجميع الحضور أقباطا ومسلمين وصابئة مندائيين وعربا وكردا ونوبيين وأمازيغ، لأنه حاول في سياق منطقه اليميني تقديم دولة إسرائيل بكل إرهابها ومصادرتها لأبسط حقوق الشعب الفلسطيني، وكأنها أقلية مضطهدة وسط الملايين من العرب، ومكررا بدون أدنى حد من الخجل أفكار اليمين الإسرائيلي المتطرف الرافضة لحق الفلسطينيين في العودة التي نصت عليها قرارات الأمم المتحدة، وغير ذلك من افتراءات وأكاذيب.....فماذا وكيف كانت ردود الحاضرين عليه؟. لقد مارس الحضور حقهم الطبيعي في الرد عليه، فهناك من انسحب احتجاجا ومن بينهم العديد من الأقباط المصريين الرافضين جملة وتفصيلا لمقولاته، وهناك من تجمّل بالصبر لحين انتهائه من كلمته وردّ عليه، ومن بينهم أنا كمقرر للمؤتمر، وقد قلت في ردي حرفيا كما نشرته ( إيلاف ) في نفس اليوم:

( إن ما سمعناه من مردخاي نسيم ليس مكانه هذا المؤتمر، ولا يمكن سماعه إلا من إذاعة وتلفزيون الدولة الإسرائيلية، لأن كل ما قاله مجرد أكاذيب وافتراءات وتزوير للحقائق، لأن منظمة التحرير الفلسطينية اعترفت بدولة إسرائيل من طرف واحد عام 1988 في المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في العاصمة الجزائرية، عندما أعلن المجلس قيام الدولة الفلسطينية من طرف واحد ضمن حدود عام 1967، ثم وقعت السلطة الوطنية الفلسطينية العديد من الاتفاقيات مع الدولة الإسرائيلية، ولو أوفت دولة إسرائيل بالتزاماتها لقامت الدولة الفلسطينية في نهاية عام 2005، وغالبية العرب وحكوماتهم ليس ضد دولة إسرائيل ولكن ضد الظلم والإرهاب الذي تمارسه على الشعب الفلسطيني، لذلك سنشطب من أوراق هذا المؤتمر كل الأكاذيب التي نطق بها مردخاي نسيم )، وهذا ما كان وسط مقاطعة الجميع له بعد مداخلته سلاما وكلاما!!.

لذلك فإن محاولة البعض تشويه سمعة وهدف المؤتمر النبيل من خلال حضور مردخاي نسيم، هي محاولة لا تخدم سوى استمرار الاضطهاد والتمييز والعنف ضد العديد من الأقليات، حيث استمع الحضور لمعلومات عن وضع هذه الأقليات هي بحد ذاتها الفضيحة الكبرى وليس مشاركة مردخاي نسيم خاصة بعد أن تم الرد عليه بوضوح وبدون أية مواربة أو مجاملة، والمؤسف والمحزن هو ازدواجية البعض وكيلهم بمليون مكيال، فمنهم من انتقد مشاركة مردخاي نسيم في المؤتمر وهذا من حقه، لأنه بدون النقد البناء لا نصل إلى الصحيح والحقيقة، ولكن هذا البعض يسكت سكوت الجبناء على علاقات حكوماتهم العربية العلنية والسرية مع دولة إسرائيل التي أنتجت مردخاي نسيم، ويتناسون المعاهدات والاتفاقيات المعقودة بين حكوماتهم ودولة إسرائيل، ومن لم يوقع منهم بعد يشحذ السلام المجاني معها حتى في أثناء حرب تموز بينها وبين حزب الله. ونفس الأبواق انتقدت توزيع كتاب مردخاي حول ( الأقليات في الشرق الأوسط ) الصادر باللغة الإنجليزية، والأكاذيب التي طرحها أمام المؤتمر هي تلخيص لنفس الأكاذيب الواردة في الفصل الأخير من الكتاب، وما العيب في توزيع الكتاب أو ترجمته مستقبلا، فالمكتبة العربية عرفت ترجمة مئات الكتب لقيادات يمينية إسرائيلية متطرفة مثل مذكرات ميناحيم بيجن و بن جوريون وبينامين نينياهو وموشيه دايان بكل ما فيها من افتراءات وتشويه للحقائق، فلماذا لم نقرأ كلمة واحدة ضد كل هذه الترجمات التي وزعت بمئات الآلآف من النسخ في كافة الأقطار العربية، بينما صحا ضمير البعض غير الموجود أساسا أمام ثلاثين نسخة من كتاب مردخاي نسيم؟؟ وكيف سوف تتعامل مع خصومك إن لم تقرأ أطروحاتهم ومقولاتهم؟. وأعتقد أن حضور مردخاي نسيم كان إيجابيا كي يسمع ما سمعه من ردود واحتجاجات وانسحابات على افتراءاته وأكاذيبه، كي ينقل لليمينيين في دولته حجم ما ووجهت به أكاذيبهم تلك، وأن لا سلام حقيقي بدون الحل العادل الشامل الذي يحافظ على الحقوق الفلسطينية المشروعة كما أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني والسلطة الوطنية الفلسطينية، والانسحاب غير المشروط من كافة الأراضي العربية المحتلة بما فيها مزارع شبعا اللبنانية والجولان السوري. ويتذكر كل الحضور أنني قلت له في ردي حرفيا ( لايقبل بالسكوت على أكاذيبك يا مردخاي إلا عملاء إسرائيل )، و الحضور للمؤتمر كانوا من خيرة مفكري وكتاب وإعلاميي الأقطار العربية وشمال أفريقيا وكلهم بدون استثناء مع حرية أقطارهم والعدالة والمساواة لشعوبهم.

النتيجة

إن هذا المؤتمر بصفتي مشاركا فيه ومقررا له وممن حضّروا له، لا نقصد منه سوى خير هذا الوطن، وهذا الخير يجب أن يعم كافة أبنائه بدون تفريق وتمييز وتهميش، فنحن لم نجتمع في المؤتمرات الأربعة الماضية واللاحقة قريبا،إلا من أجل نشر المساواة والعدالة بين كل أبناء هذا الوطن بدون النظر إلى أصولهم ودياناتهم وطوائفهم. وهذا سيكون من مهمات المنظمة الجديدة التي انبثقت عن هذا المؤتمر ( منظمة الدفاع عن الأقليات والمرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ) التي سوف يرمز لها اختصارا ب ( ميموا ) استنادا لترجمة اسمها باللغة الإنجليزية.
لذلك فلتتضافر كل الجهود لتخليص أقطارنا من الظلم والتمييز، كي تكون شعوبنا قادرة على مواجهة التحديات التي تواجهها، بعيدا عن منطق التخوين والتكفير الذي هو سلاح المطبلين والمصفقين لأنظمة القمع السائدة في بلادنا، هذه الأنظمة التي تشحذ العلاقات الطيبة مع الجميع ما عدا شعوبها. وبكل جرأة أقول: إن الجهود التي بذلتها منظمة ( الأقباط متحدون ) لإقامة تلك المؤتمرات هي الدليل الميداني على حسن نية القائمين عليها وغيرتهم على أقطارنا العربية كافة، ليكون الجميع شركاء حقيقيين في هذه الأوطان وليس مجرد متفرجين يتلقون القمع ويسكتون على الفساد والتفرقة وفي الوقت ذاته يهتفون للطغاة ( بالروح بالدم نفديك يا....).

ملاحظة وإعلان

ونحن بصدد تفعيل عمل المنظمة الجديدة للبدء بنشاطاتها، نهيب بالأصدقاء الذين حضروا المؤتمر التأسيسي الأخير في زيوريخ، أن يؤكدوا مجددا استعدادهم لمواصلة العمل ضمن المنظمة الجديدة، ونهيب كذلك بأية أقلية لم يشارك ممثلون لها في المؤتمر الأخير، وترغب المشاركة في أعمال المنظمة الجديدة أن تسمي ممثليها في المنظمة الجديدة، بما فيها الأقلية العربية في دولة إسرائيل....وذلك عبر الإيميل التالي:
[email protected]
ويمكن تلقي أية توضيحات أو تفاصيل عبر الهاتف:
004795727790

وذلك لتشكيل الهيئة الاستشارية للمنظمة الجديدة في أقرب وقت والدعوة لأول اجتماع لها.