quot;فلتنهضي اليوم... بيروت
كعنقاء فينيقٍ.....تسامت فوق رمادهاquot;
لطالما تحاشيت الخوض ولو من بعيد في أتون المَكْلَمَة والمَكْذَبَة السياسية اللبنانية، وتعاميت عن قصد عن تناول الاحوال اللبنانية المحتدمة طيلة السنوات الثلاثة المنصرمة، لا سيما وأن وسائل الاعلام العربية وحتى العالمية تعاني تخمة من محللي السياسية اللبنانيين، فالساسة والكتاب اللبنانيون أكثر من أن يُحصوا وهم يطلّون علينا يوميًّا عبرالفضائيات والجرائد بمقالات وتحليلات، أقل ما يقال فيها أنّها في معظمها بعيدة عن الموضوعية ومضللة للرأي العام، كما ساهمت في كثير من الأحيان في تعميق الشرخ بين ابناء الشعب اللبناني الواحد عبر الشحن الطائفي والاصطفافات السياسية، الأمر أدخل الشعب اللبناني في دوامة المجهول.
ومؤخرًا وفيما بيروت غارقة بدموعها و آلآمها، تكثفت مراسلات احبائي من القراء ومن الأصدقاء تطالبني بالتعليق ولو برسالة قصيرة على الاوضاع اللبنانية كوني لبنانية أولا، وبيروتية عتيقة ثانية تدحرجت في ازقتها، من quot;عائشة بكارquot; الى quot;أرض جلولquot; مرورًا بكورنيش المزرعة وصولا لزاروب quot;الطمليسquot;، وإنسانة عايشت أقصى الظروف وعانت ويلات الحرب بجحيمها وألمها، وممن تعرضوا للتمييز الطائفي والاضطهاد في بعض الاحيان، لا لكونها مواطنة غير صالحة بل لانها لم تَشأ يومًا ان تكون بوقًا لطرفٍ سياسي بحال من الأحوال، و لم ترضى يومًا ان تكون رقما مذهبيًّا على مائدةِ أحدٍ منَ الزُّعماء و أتباعهم مِمن يزعمون ليل نَهار أنهم أنصاف آلهة وانهم يكافحون المذهبية البغيضة.
لا شك في ان التحليلات السياسية بأغلبيتها اليوم، لن تكون محايدة او موضوعية عند جميع الفرقاء لأنها إنفعالية، ولا يُبنى وطن ولا يولد فكر في ظل دوامة الصراع والتفكير الانفعالي والعنف المسلح.... أكتب اليوم وفاءً لبيروت، بحرقة وانا أسعى جاهدة أن أكون هادئة محايدة، فالحروب الدامية والصراعات المسلحة تقف عصا عنيدة في دولاب الفكر الانساني؛ في الفكر الباحث عن اي منظومة اصلاحية او ولادة أفق تغييري أو تطويري وهو ما كنا نحلم به ونسعى لإرساءه...
خوفنا الشديد كبقية قليلة من العقلاء الأحرار من التبعية، ممن لا ندعي وصلا بأحد ولم نكن يوما نؤيد طرفًا او جزء من وطننا على جزء آخر، ان نبحث عن مخرج ساعة تقضي الأحداث المتفجرة على أعيننا فتفقدنا كل قدرة على تبصر الأمور بحكمة ووعي وبصيرة!!
فما هو الذي ننتظره نحن اللبنانيون أن ينبثق عن اقتتال أهلي؟؟اي نظام نسعى اليه ذلك الذي يتولد عن حرب أهلية مذهبية كانت ام سياسية؟؟؟
فلبنان لم يخرج من حالة حرب منذ استقلاله وحتى الان، لاننا كلبنانيين نعيش حالة حرب مستمرة صنعناها بأيدينا ونعيد انتاجها كل يوم...
اننا نقترف الآثام بحق وطننا دون وعي، ونحن نعيد انتخاب من انتج الحرب! وننتخبه من جديد بأصواتنا؟!
التجارب الأليمة المتعاقبة في لبنان أثبتت فيما لا يقبل للشك أن الخاسر الوحيد هو الانسان؛ فالزعماء كانوا وما زالوا عقب كل نزاع يتصالحون، وبدماء شهدائنا يتاجرون، ومع بعضهم البعض على جثث المواطنين يجلسون، وفي كل مرة quot;الجبنة الطائفية quot;يتقاسمون!! و بالتراضي انتاج مجتمع طائفي مذهبي يُعيدون!!
أليسوا هم انفسهم بأسمائهم، ملوك الطوائف الحاليين أمراء الحروب الاهلية السابقة؟؟؟ أليسوا هم انفسهم من صنع اتفاق الطائف لاقتسام المغانم ثم عاد وتقاعس وتحايل عليها لان المغانم لم تعد تناسبه؟؟
ولننظر قليلا، فعبر تحليل آلية انفجار الحروب عبر التاريخ سواء كانت داخلية أم خارجية، نجد أنها تنشأ عندما يعجز نظام ما عن تأمين الحاجات الضرورية لمجتمع ما، سواء كانت هذه الحاجات داخلية ومطالب شعبوية أم كانت فشل خارجي في حماية السيادة او الحدود فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية.
فكيف بنظام لم يتمكن من الوفاء لحاجاته الداخلية وحاجة ابنائه للعيش الكريم كما فشل في منع الايدي الدولية الخارجية من التدخل في شؤونه؟!!
إن بنية النظام السياسي التي تركَّب عليها لبنان منذ قيامه وحتى الآن، تكرس المزرعة الطائفية، التي تُعدُّ المنتج المحرض للحروب الأهلية داخليا، الامر الذي حوله خارجيًّا الى ساحة دولية مفتوحة، فدول العالم تتعامل معه بوصفه حقل تجارب واختبار، وسكانه اشبه ما يكونون بكائنات مخبرية.
ففي ظل العوامل الداخلية القاهرة التي لا مجال لسردها، ومنها الفساد المستشري، والفقر، والغلاء، وقلة التنمية، و هجرة العقول، علاوة على التعبئة الأيديولوجية التحرضية من قبل رجال الدين، و تقاعس دور المؤسسات التربوية الرسمية عن ارساء رؤية تربوية تعزز الوحدة الوطنية، وفي ظل التجاذبات الدولية الخارجية، قدرنا ان نكون جيران لاسرائيل في المنطقة، كل تلك الاخطار مجتمعة حولت معها الشارع اللبناني الى قنبلة غير موقوتة وحسب، بل عنقودية متفجرة، فما نشهده هو مجموعة حروب وليس حربا واحدة.
إننا اليوم كلبنانيين مطالبين واكثر من اي وقت مضى، ان نقول لكافة الزعماء والساسة دون استثناء لأي جهة انتموا او لم ينتموا، quot;كفى..لا تقترفوا الآثام باسمناquot;...quot; quot;لا للحربquot;، quot; لا للعنف quot; , quot;لا للطائفيةquot;، quot;لا للفسادquot;...
لقد آن الأوان ان ننزع الشرعية عن هؤلاء ونعري اكاذيبهم، فقد بلغنا رشدنا الحضاري والانساني، ورسالة لبنان الى محيطه الاقليمي العربي والغير عربي، بناء مجتمع واحد موحد متعدد الثقافات متنوع العناصر عصري الرؤية...إنساني النزعة يحترم الانسان ويقدس كينونته الربانية وحرية روحه، فمن حقنا العيش بكرامة وحرية كاملة من نظام يحمي الحريات ويحترم الكرامات.
ولتضميد جروح المجروحين، الانطلاقة تكون بquot;لحظة تأملquot; وهدوء ودقيقة صمت، احترامًا لدموع الثكالى، فتبادل الاتهامات والتخوين بين المواطنين لن يزيد الا الامورإلا سوءًا وتعقيدًا، فلنسامح بعضنا بعضا أخوة متحابين ونتحد، فبيروت لا تحتاج الى جعجة الساسة ولا الى تحليل الحالة، بل الى همسة توقظ ضمائرنا نحن اللبنانيون، نقولها بحب كبير وقلب منفتح على الوجود، وبرغم جُروح الجراح وألم المعاناة، بحكمة عقل و وعي انسان حرّ و لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد:
فلنتحرر اليوم من سلاسل أحقادنا واسر اصطفافاتنا... فلنطلق عِقال عقولنا من زنازين الطوائف والمذاهب... ولنحرر أرواحنا من سجالات السياسين ورجال الدين..... فلنكسر قيد طاعة الزعماء كلهم أجمعين، ونقول لهم كفى كفانا: لا لانحمل السلاح ابدًا...لا لن تمثلونا بعد اليوم... و وطننا لن يكون حقلا لتجارب احد و لا شقة مفروشة للايجار....ولن يكون مشروعًا تجاريًّا يصب في جيوبكم... لنخرج الآن من مسرح الزعماء الدامي فلن نكون كومبارس في سيناريو جرائمهم ولن نكون صندوق صدقات سرقاتهم...
سنكتنز طاقة الالم الدفين وننتجه املا مبينًا.....فلنتعاهد ونقلب طاقة الاقتتال الى وحدة ومحبة وسلام...ولتولد اليوم من قلب المعاناة حياة
فطاقة الهدم سنحولها بجراحنا الى نماءٍ و بناء...
ولنُحكم عقول قلوبنا، ولنكن صُنّاع سلام لنفوسنا ومحبين لجميع اجزائنا...
فلن نقطن بعد اليوم قبور المذهبية...لأننا دون شكٍّ أبناء حياة.
وما دمنا نسمة من روح الله فلننهض اليوم من تحت الركام!

[email protected]
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com
هامش

[1] - من ديوان معابر الروح للكاتبة