فعل الخيانة تتكون اوصافه في البديهيات المتفاضلة، وتلك منقصة تحرم اللغة من براءتها وكل المفاضلات كذلك لانها تصادر خيارات المتلقي وتنوب عن ذوقه.. في حقل الاستخدام اللغوي، تصبح بعض الخيانات الادبية والفعلية ماثرة، وهنا التوصيف بتقاليده الدارجة يقدم لغة متخلفين، لا ترتق الى التجريد، وفيها من النزعات الشعبية ما لا يحص، ناهيك عن ميلها للتريّف والفرقية القروية، التي تخلو من الاشارة السيميائية، فتصبح تصويرية همجية، وان قنعت البلاغة والبيان مضهرها الطفحي.. والاتجاه المضمّر هنا حسب السياق الطبغرافي لا يعني مفاضلة مثالب الخيانة بطباق نقيض، يقابله الوفاء وكلاسيكيات النوايا والاماني المتخلفة، في الباده اليومي، الذي اكتسب المفاضلة قبل المعنى. وتلك تؤدي الى حزمة اشكالية يزيد تلبسها، كلما زادته سابقاتها، ليصبح هيكل الوظيفة اللغوية الا وهي الافتراضات.
القوة الصامتة امتن للحقيقة من الطاقة المتصوتة، ومع انها لا تفي بالغرض الا ان ثلاثة ارباع بحوث الحقيقة يرتكز على لعبة اللغة والبلاغة وتاريخ الكلمات فنشاطها المدون والمدور!.
ولشرح واحد ككلمة خيانة، سنحتاج لعشرات الصفحات، ويهمنا هنا تعقيم الكلمات من لزومياتها الغبية الساذجة، التي تصبح حواشيها وهوامشها، اهم من متونها ومضامينها، وهي تقع في مساحة الاختصارات اليومية الاكثر شعبية!
ثمة بكتيريا اسمها المفاضلة، وهي باب ارعن لتسلل العهر اللغوي وموت البراءة، ومن العهر يجد الاستبداد شرعياته وتغطيته اللغوية فالبلاغية، ليكون باده تربوي، لا يهمه التدقيق بفضل او رذل امنين المعنى، في قصدهما، بل يخضهما لاسقاط يندرج في الشائع والمشيع، حيث في الغالب يموت التمييز في الخطا والصح عند شائع وشهير، فيصبح الاسقاط الموازي هو المعنى وليس دلالة الكلمة، بما لا يجعل اللغة تستحق ان تكون مترجما للانفعال العملي والخيالي، بصيغة الحياد بل بصيغة مؤجل الدلالة فيكون الاسقاط فيه اكثر مما يستدِل، بل كله: اسقاط ونوايا وافتراضات ودعاية تعبوية، تكرس تاريخية، لا ترض تزمينها فتؤبدها، ولا تتمكن وظيفتها الثباتية حماية اوثانها من الهدم الواقعي، فيصار الى تقلب الاوثان الثبوتية وتبادل الهدم، فلا يتخلص الاستمرار من فرضية الوثن ولا واقعية الهدم.. وهكذا تدور لعبة الدعابة اللغوية.. اذ لا يمكن ونحن نستشرف الحقيقة ان يسمح لنا الانتماء اليها، ونحن عناصر عدة ناقصة، من غير المسموح كمالها الا في عدم.
ربما سيصح ان ندفع الكلمات للبراءة، حتى لو امتلات بالعهر التعبوي الهمجي.. هذا مكلف وباهظ ثمنه عدوان متعدد الوجوه يتاخى فيه الرحمان والشيطان ويصبح فيهما الخير والشر جبهة واحدة ضدنا، حيث ننهي نشاط العناصر المتضادة في اللغة واستطرادا الوقائع، وهذا يفرض عمليات تعقيم هائلة، لا تجعل سلوك الغرائز، محورا للنشاط اللغوي بل الشخصي المستمزج توازنه بفعل ما.. لان الافعال لم تفطر سليقتها على المثليات والمثاليات اللغوية، وهذا يتطلب عدم الثقة الاولية في الكلمات القادمة، من الحافظة المثالية المركزية، التي هي الخزين المسرحي في احالة التخيل لاعمال او مقاربة افعال.. لذا لا تلزم عناصر التوصيف ما تفرضه من مواقف، وبهذا نضطر لتعقيم الوصف من مفاضلته ومواقفه، لنضعه في مكانة التجريد، حتى لو احاطه الموت ودنسته الحواس بالحياة، فلا خيار للغة غير الموت في الدلالة، والتجريد يخلو من الميول والنوايا والاماني والاسقاط والافتراض فالتاويل/ التعزيم والتبرير والتعليل ndash; من علة- والتوصيف بعقل تصويري، ثم التندير فالانتقاء والكهانة والرطانة /النص المصمّت والمصوّت التعبوي الزمني والابدي/ التدوين الشفاهي الحكواتي.. الخ. مع ان اللغة، وحتى بلسان الهة لا تستطع تخطي هذه الوقعات غير البريئة.. لكن المنطق والواقع والحقيقة يفرضون ظلالهم فوق ظلالنا.. وحينها لم تعد المرآة تعكس صورنا، اذ ما نشاهده هي الظلال.
يبقى على المتلقي التفريط او عدم التفريط بعقوده مع المنتج، ولعل اكثر ما نراه ونتفحصه يدل على النزعات اللغوية اكثر من العملية، حيث يفضل الاستنواب عنه، ويتعرف على الحرية، في بيئة لغوية مقيدة، اكثر مما هي منتج واقعي، مستمرئة، حضور نقضها معها، في سرها، كي تصبح لغوية لا اكثر، تبتلعها عناصر الامنيات والنوايا المؤجلة، فيخشى وقوعها عند غياب كوابحها النقيضة اي القمع، وعليه يحدث فقدان التوازن وعدم القدرة في التصرف، وحين تخرج الحرية من اللغة الى الوقائع حيث تجده دائم الهرب والتعزيم حيثما تصبح الحرية ذاكرة تشترط وجود مستبد، تلك الذاكرة، تلزمها الانظمة اللغوية التي اكتسبها الاستمرار في حضور النقيض، حتى في حال غيابه ونهايته، وانعدم جدواه العملية يبقى حاجة لغوية فائرة، فهو لا يقدر على التنفيذ، فيمارس ذاكرة تراجيدية، تكرسها النوبات اللغوية، تمنع عنه الاقلاع عن عبوديته وصراخه الاستنجادي، ونكرر بانه يفهم الوقائع من تراكمها اللغوي ولا يفهم اللغة من تراكمها العملي والتنفيذي.. وكي يحافظ على استمرار عبوديته الادبية، سيبحث حتما عن متربص اخر وعدو اخر وشيطان اخر لاجل البقاء في اللغة، وعدم استخدامها كوسيط الى الافعال بل الافعال وسيط للكلمات.. وهكذا تصبح الحرية اسوء عبء على الكائن حين يودع بيئة حضنت خوفه ومقموعاته طويلا، واثرت حتى بطبيعة امراضه وذوقه وخياراته واحلامه، فكونت نظاما مدعوما بتوازن بيولوجي، يحتم عليه البحث عن توازن واستجاباته العضوية، وهو يكفل كراهيته للحرية لانها لا تعطيه استجابة على خوف وقمع حتى لو انتهى وصار وهما سيبقى في اللغة / تضعه الحرية خاليا من التبريرات السهلة وعقلية الرجم وصناعة اسباب الفشل فتبرير العنف والعجز والهزيمة، ليكون امام ذات، لا يجيد استخدامها، بعد ان تراكم توكيدها على تنويب سلطة خارجية، تآلفت مع مفاهيم غاية في الماساة، تقوم على تعطيل الطاقة المبتكرة للعقل، لتحل بديلها الولاء والاخصاء الذاتي والاستنواب، حتى عن الرغبة، وتكييف الشعور بالامن في صيغة تعايشة بالخوف، ونقله الى عالم الحرية بتوليفة مخوافة، اكتسبت مفهوم السلطة والردع كدلائل غير قانونية، بطريقة مهينة كما ثبتت تربيتها القديمة على مفهوم الردع والبطش والادانة المسبقة لاي من الصور البريئة.
وهنا تنقلب القيم والعناصر فتدخل اللغة طورها الاخطر بعد ان جعلت الجريمة والجناية في شرعية فضيلة وثواب، الى حدود هتك الذات، في مشاع ارعن هو الولاء.
لاجييال عدة سوف لا تستطع مجتمعات الانظمة التوتاليتارية وقف، اضطرابها الاجتماعي وتكيفها مع الاستحقاق المسئول، في مواجهة الحرية. ولعلها من الصعب تقبل هذا العبء وتبديل انظمة البهجة والرفاه البيولوجي بعيدا عن التيه والضياع والولائية الجديدة، فهي تصنع نظام الخوف كي تمارس متعة الوظائف اللغوية المكتسبة.
يبقى الصمت والتفكير بصوت منخفض، من شانه تعطيل الرفاه باهدافه العدوانية، وكان تصميت الغضب والعدوان هو الهدف، حيث يتطلب عدم الثقة في بيئة لغوية، تتعاضد جميعها كي تمد طاغية بشرعية بلاغية، حيث لا ينجح مشروع الرحمان الا بوقف نظام الرجم، عندها يصبح الشيطان عاطلا عن العمل وحين يكون كذلك توقف اللغة طرائقها لفهم الفضيلة كي لا يصبح ما تقدمه من مواعظ يزيد من شهوة النقيض في مضامين السرية المضمرة.
تبقى اللغة محكومة بالمحاذرة، وهي تتعرض لمكابح العرفان، كي لا تقع بفخ ما انهت عنه ويصبح quot;انخداعها خداعها ndash; معاوية -quot;.. وهكذا نعتبر ان معظم النقد يقع بفخ التطهير القرباني، وهو في سلم الاماني اللغوية التي كونت شرائعها الكلامية بما يغطي الجرائم الفعلية! مما يشرطه الحال، الى امكان مماررسة الفراغ الاخلاقي/ والايثار المصمّت، لافساح المجال للمتلقي ان نورطه، في التشريك بل وفرض الاخلاق التعاقدية معه، وابطال بداهة الاستنواب والخطبائية، التي اكتسبها وجعلته صامتا، ذا شخصية محفوظاتية ملقمة، وتلك يقال عنها! التربية الحميدة، وهنيئا للعبودية وهي تستغفل الافعال بمنحها هبات واعطيات لغوية هدفها تحضير الجراح للخدر او معانقة السكين.. هميئا لها وقد قطعت شوطا طويلا جعل النشاط البيولوجي يجلس على مجموعة انقلابات، وتكييف الرفاه في الالم، الى نوع من البهجات انعاش الغرائز الاستباقية التي يفترض، ان يكون النظام الانساني قوضها، ولكن ذروات الخوف وتطور العبودية الى مساحة تفوق سلوك الحيوان، ازداد انعاش تلك الغرائز، بل واضيف لها وطرا متقدما تفرضه الزامات البقاء.. وتلك مهمة طبية قبل ان تكون نقدية تنحصر بالتقنية اللغوية، فهي بحاجة لعقاقير وليس دروس / بحاجة لانقلابات فسيولوجية وليس مواعظ / تحتاج لفهم المضمرات الانقلابية في اللغة اكثر من الطفح الدعوي، والاستظهار اللدلالي حيث يمكن قول النقيض لتكريس مضاده، في خطاب الافعال التي لا تملك لغة او نص / بحاجة لصدمات منظمة وصعقات مبرمجة فتفريغ، لاجل دفع الكائن لامتحان خياراته وتجرع مرارة الحرية، عبر الاثمان الباهظة والزلازل الفوضوية، وهي تغسل اثار الاستبداد في الذات بكلفة باهظة الثمن.
ولعلها الطريق الاكثر خسارة من القمع والخوف والطغيان، حيث يجد المواطن نفسه ليس مواطن دولة، بل مواطن فوضى، لا يؤمن بقانون ولا يفرق بين مركز امن سري او مشفى، لان القوانين لم تورطه، بشراكة العاقد والمعقود، فتعود الغياب وتعود تفريغ حضوره للاستنواب القهري.
عدم الاجابة على الاسئلة هي نزعة اخلاقية تفرض لغتها العادلة، وذلك في التشريك الشرطي للمتلقي، حين يرفض المنتج انتخاب ذوق الاخر ورايه بتعميم ذوقه ورايه.. تلك عدالة يرفضها المظلوم قبل الظالم ويرفضها المتلقي قبل طغيان المنتِج، يرفضها من تدافع عنهم قبل ان يرفضها من تهاجمهم، وثواب الفضيلة وعظمتها في تاييد خصومها لها لا تصفيق المستفيدين من عطاياها/ ثواب الفضل في فضل التسامح، ولا يصح تسامح الا مع خصم ولا عداوة الا مع صديق. ذلك الشر الواقعي والعرفان في خبائث هو اللغة التي تقطر الزمن كما يقطر الجريح دمه لتثبت في دمه وثيقة السكين.. لكن مرارة المنطق الذي لا تستطع الاكثرية تجرع مرارته يجعل اللغة تعمد، الى لغة الاماني وبناء الاراء على الافتراضات فالتعبوية الهستيرية والاحتفالية اللاعقلانية هي من يقوم بتضليل الوظيفة اللغوية ثم تقوم اللغة بالباقي من التضليل، تكثر من حجابها كي تلبس الحقيقة قناعا من زجاج!! اذن جميعها تقدم الشروط الممتثلة الممسرحة على خلاف الفطرة، لتنتج الحل، فاللغة تمتنع وترفض تعشير طاقتها مع الوقائع الصلفة والمفاعلات الوقحة على التحجب، فلا تجعلها غواية المفاضلة تفرط بالعناصر الترضوية لمصلحة الوقائع الشريرة.
اعطت اللغة ارثا متسعا من العبودية ودهاء، اتقنت تغليفها بالمقدسات والمخلصيات، والمخارج المرصعة بالبلاغةوخداع العقل، بل جعلت العقل اداة خداع وجعلت نفسها، اي اللغة، وسيط تضليل، والمشكلة لا يصبح التضليل متفاضلا اسوة بعبارة، كلمة تضليل، بل جعله طموحا لغويا وفضلا اخلاقيا فتقوى وورع وحجاب حشمة وضمير اثرة..
وهكذا لا تصلح القواميس للبحث في جوامد الكلمة، وقد تناولها التعبويون، حتى جعلوها فضل في موضع ومنكر في اخر وكلا الوجهين يطوقان الوعي بفخاخ متفاضلة تشكل جل الماساة حيث النفاذ منهما يوحد الضدين لمواجة عالم ما بعد الاضداد، وهنا تنتهي لعبة التضاد بين الشر والخير فتصبح ذاكرة لغوية لا تتحملها معادلات الكون العصي على انظمة الهندسة والبرمجة..
لذا اضطررنا امام حاجتنا البدائية للعيش الامن، وليس حاجتنا المعرفية او التعليمية، ان ندقق في الطبغرافيا والهندسة اللغوية، لنعرف القصد والا فعشرات الاحتمالات توقع مفردات الترميز بعدد من المعاني لكلمة واحدة.
بهذا السياق تبدو حضارتنا، نحن البشر، لا تتسع لها لغة، ولا تستوف اية لغة لها، لما للجهل مساحة تفوق الجزء، الذي تمثلت وقائعه في اللغة، وحتى هذا الجزء لا زال متمردا في دلالته على اللغة.
السؤال الاكثر ايلاما هو اذا كان عالم الحيوان الى هذه الدرجة من الخلاعة هل تكون الحرية ردة بشرية ويكون القهر تطورا بيولوجيا؟ لا نعرف الجواب الحق.. لكننا نعرف ان الحقيقة هي صناعة وقدرات مركبة لا تقع في نظام الفطرة والا لاصبحت الحيوانات النبيلة الارقى عفافا من التكوين البشري هي فلاسفتنا وقادتنا في ادارة الوجود.. ولكن الحق والحقيقة صناعة مهرة وليس رهبان وفلاسفة والنبياء هي ككل الصناعات المحلية، لا تتحمل اللغة الوطنية والقومية جعلها عابرة للحدود، ما خلا قدرتها على ان تتجسد بدون لغة.
حتى تهلك او تنجو حضارتنا وحينها يصبح السؤال والجواب من عدمهما على حق.. من يدري؟
القوة الصامتة امتن للحقيقة من الطاقة المتصوتة، ومع انها لا تفي بالغرض الا ان ثلاثة ارباع بحوث الحقيقة يرتكز على لعبة اللغة والبلاغة وتاريخ الكلمات فنشاطها المدون والمدور!.
ولشرح واحد ككلمة خيانة، سنحتاج لعشرات الصفحات، ويهمنا هنا تعقيم الكلمات من لزومياتها الغبية الساذجة، التي تصبح حواشيها وهوامشها، اهم من متونها ومضامينها، وهي تقع في مساحة الاختصارات اليومية الاكثر شعبية!
ثمة بكتيريا اسمها المفاضلة، وهي باب ارعن لتسلل العهر اللغوي وموت البراءة، ومن العهر يجد الاستبداد شرعياته وتغطيته اللغوية فالبلاغية، ليكون باده تربوي، لا يهمه التدقيق بفضل او رذل امنين المعنى، في قصدهما، بل يخضهما لاسقاط يندرج في الشائع والمشيع، حيث في الغالب يموت التمييز في الخطا والصح عند شائع وشهير، فيصبح الاسقاط الموازي هو المعنى وليس دلالة الكلمة، بما لا يجعل اللغة تستحق ان تكون مترجما للانفعال العملي والخيالي، بصيغة الحياد بل بصيغة مؤجل الدلالة فيكون الاسقاط فيه اكثر مما يستدِل، بل كله: اسقاط ونوايا وافتراضات ودعاية تعبوية، تكرس تاريخية، لا ترض تزمينها فتؤبدها، ولا تتمكن وظيفتها الثباتية حماية اوثانها من الهدم الواقعي، فيصار الى تقلب الاوثان الثبوتية وتبادل الهدم، فلا يتخلص الاستمرار من فرضية الوثن ولا واقعية الهدم.. وهكذا تدور لعبة الدعابة اللغوية.. اذ لا يمكن ونحن نستشرف الحقيقة ان يسمح لنا الانتماء اليها، ونحن عناصر عدة ناقصة، من غير المسموح كمالها الا في عدم.
ربما سيصح ان ندفع الكلمات للبراءة، حتى لو امتلات بالعهر التعبوي الهمجي.. هذا مكلف وباهظ ثمنه عدوان متعدد الوجوه يتاخى فيه الرحمان والشيطان ويصبح فيهما الخير والشر جبهة واحدة ضدنا، حيث ننهي نشاط العناصر المتضادة في اللغة واستطرادا الوقائع، وهذا يفرض عمليات تعقيم هائلة، لا تجعل سلوك الغرائز، محورا للنشاط اللغوي بل الشخصي المستمزج توازنه بفعل ما.. لان الافعال لم تفطر سليقتها على المثليات والمثاليات اللغوية، وهذا يتطلب عدم الثقة الاولية في الكلمات القادمة، من الحافظة المثالية المركزية، التي هي الخزين المسرحي في احالة التخيل لاعمال او مقاربة افعال.. لذا لا تلزم عناصر التوصيف ما تفرضه من مواقف، وبهذا نضطر لتعقيم الوصف من مفاضلته ومواقفه، لنضعه في مكانة التجريد، حتى لو احاطه الموت ودنسته الحواس بالحياة، فلا خيار للغة غير الموت في الدلالة، والتجريد يخلو من الميول والنوايا والاماني والاسقاط والافتراض فالتاويل/ التعزيم والتبرير والتعليل ndash; من علة- والتوصيف بعقل تصويري، ثم التندير فالانتقاء والكهانة والرطانة /النص المصمّت والمصوّت التعبوي الزمني والابدي/ التدوين الشفاهي الحكواتي.. الخ. مع ان اللغة، وحتى بلسان الهة لا تستطع تخطي هذه الوقعات غير البريئة.. لكن المنطق والواقع والحقيقة يفرضون ظلالهم فوق ظلالنا.. وحينها لم تعد المرآة تعكس صورنا، اذ ما نشاهده هي الظلال.
يبقى على المتلقي التفريط او عدم التفريط بعقوده مع المنتج، ولعل اكثر ما نراه ونتفحصه يدل على النزعات اللغوية اكثر من العملية، حيث يفضل الاستنواب عنه، ويتعرف على الحرية، في بيئة لغوية مقيدة، اكثر مما هي منتج واقعي، مستمرئة، حضور نقضها معها، في سرها، كي تصبح لغوية لا اكثر، تبتلعها عناصر الامنيات والنوايا المؤجلة، فيخشى وقوعها عند غياب كوابحها النقيضة اي القمع، وعليه يحدث فقدان التوازن وعدم القدرة في التصرف، وحين تخرج الحرية من اللغة الى الوقائع حيث تجده دائم الهرب والتعزيم حيثما تصبح الحرية ذاكرة تشترط وجود مستبد، تلك الذاكرة، تلزمها الانظمة اللغوية التي اكتسبها الاستمرار في حضور النقيض، حتى في حال غيابه ونهايته، وانعدم جدواه العملية يبقى حاجة لغوية فائرة، فهو لا يقدر على التنفيذ، فيمارس ذاكرة تراجيدية، تكرسها النوبات اللغوية، تمنع عنه الاقلاع عن عبوديته وصراخه الاستنجادي، ونكرر بانه يفهم الوقائع من تراكمها اللغوي ولا يفهم اللغة من تراكمها العملي والتنفيذي.. وكي يحافظ على استمرار عبوديته الادبية، سيبحث حتما عن متربص اخر وعدو اخر وشيطان اخر لاجل البقاء في اللغة، وعدم استخدامها كوسيط الى الافعال بل الافعال وسيط للكلمات.. وهكذا تصبح الحرية اسوء عبء على الكائن حين يودع بيئة حضنت خوفه ومقموعاته طويلا، واثرت حتى بطبيعة امراضه وذوقه وخياراته واحلامه، فكونت نظاما مدعوما بتوازن بيولوجي، يحتم عليه البحث عن توازن واستجاباته العضوية، وهو يكفل كراهيته للحرية لانها لا تعطيه استجابة على خوف وقمع حتى لو انتهى وصار وهما سيبقى في اللغة / تضعه الحرية خاليا من التبريرات السهلة وعقلية الرجم وصناعة اسباب الفشل فتبرير العنف والعجز والهزيمة، ليكون امام ذات، لا يجيد استخدامها، بعد ان تراكم توكيدها على تنويب سلطة خارجية، تآلفت مع مفاهيم غاية في الماساة، تقوم على تعطيل الطاقة المبتكرة للعقل، لتحل بديلها الولاء والاخصاء الذاتي والاستنواب، حتى عن الرغبة، وتكييف الشعور بالامن في صيغة تعايشة بالخوف، ونقله الى عالم الحرية بتوليفة مخوافة، اكتسبت مفهوم السلطة والردع كدلائل غير قانونية، بطريقة مهينة كما ثبتت تربيتها القديمة على مفهوم الردع والبطش والادانة المسبقة لاي من الصور البريئة.
وهنا تنقلب القيم والعناصر فتدخل اللغة طورها الاخطر بعد ان جعلت الجريمة والجناية في شرعية فضيلة وثواب، الى حدود هتك الذات، في مشاع ارعن هو الولاء.
لاجييال عدة سوف لا تستطع مجتمعات الانظمة التوتاليتارية وقف، اضطرابها الاجتماعي وتكيفها مع الاستحقاق المسئول، في مواجهة الحرية. ولعلها من الصعب تقبل هذا العبء وتبديل انظمة البهجة والرفاه البيولوجي بعيدا عن التيه والضياع والولائية الجديدة، فهي تصنع نظام الخوف كي تمارس متعة الوظائف اللغوية المكتسبة.
يبقى الصمت والتفكير بصوت منخفض، من شانه تعطيل الرفاه باهدافه العدوانية، وكان تصميت الغضب والعدوان هو الهدف، حيث يتطلب عدم الثقة في بيئة لغوية، تتعاضد جميعها كي تمد طاغية بشرعية بلاغية، حيث لا ينجح مشروع الرحمان الا بوقف نظام الرجم، عندها يصبح الشيطان عاطلا عن العمل وحين يكون كذلك توقف اللغة طرائقها لفهم الفضيلة كي لا يصبح ما تقدمه من مواعظ يزيد من شهوة النقيض في مضامين السرية المضمرة.
تبقى اللغة محكومة بالمحاذرة، وهي تتعرض لمكابح العرفان، كي لا تقع بفخ ما انهت عنه ويصبح quot;انخداعها خداعها ndash; معاوية -quot;.. وهكذا نعتبر ان معظم النقد يقع بفخ التطهير القرباني، وهو في سلم الاماني اللغوية التي كونت شرائعها الكلامية بما يغطي الجرائم الفعلية! مما يشرطه الحال، الى امكان مماررسة الفراغ الاخلاقي/ والايثار المصمّت، لافساح المجال للمتلقي ان نورطه، في التشريك بل وفرض الاخلاق التعاقدية معه، وابطال بداهة الاستنواب والخطبائية، التي اكتسبها وجعلته صامتا، ذا شخصية محفوظاتية ملقمة، وتلك يقال عنها! التربية الحميدة، وهنيئا للعبودية وهي تستغفل الافعال بمنحها هبات واعطيات لغوية هدفها تحضير الجراح للخدر او معانقة السكين.. هميئا لها وقد قطعت شوطا طويلا جعل النشاط البيولوجي يجلس على مجموعة انقلابات، وتكييف الرفاه في الالم، الى نوع من البهجات انعاش الغرائز الاستباقية التي يفترض، ان يكون النظام الانساني قوضها، ولكن ذروات الخوف وتطور العبودية الى مساحة تفوق سلوك الحيوان، ازداد انعاش تلك الغرائز، بل واضيف لها وطرا متقدما تفرضه الزامات البقاء.. وتلك مهمة طبية قبل ان تكون نقدية تنحصر بالتقنية اللغوية، فهي بحاجة لعقاقير وليس دروس / بحاجة لانقلابات فسيولوجية وليس مواعظ / تحتاج لفهم المضمرات الانقلابية في اللغة اكثر من الطفح الدعوي، والاستظهار اللدلالي حيث يمكن قول النقيض لتكريس مضاده، في خطاب الافعال التي لا تملك لغة او نص / بحاجة لصدمات منظمة وصعقات مبرمجة فتفريغ، لاجل دفع الكائن لامتحان خياراته وتجرع مرارة الحرية، عبر الاثمان الباهظة والزلازل الفوضوية، وهي تغسل اثار الاستبداد في الذات بكلفة باهظة الثمن.
ولعلها الطريق الاكثر خسارة من القمع والخوف والطغيان، حيث يجد المواطن نفسه ليس مواطن دولة، بل مواطن فوضى، لا يؤمن بقانون ولا يفرق بين مركز امن سري او مشفى، لان القوانين لم تورطه، بشراكة العاقد والمعقود، فتعود الغياب وتعود تفريغ حضوره للاستنواب القهري.
عدم الاجابة على الاسئلة هي نزعة اخلاقية تفرض لغتها العادلة، وذلك في التشريك الشرطي للمتلقي، حين يرفض المنتج انتخاب ذوق الاخر ورايه بتعميم ذوقه ورايه.. تلك عدالة يرفضها المظلوم قبل الظالم ويرفضها المتلقي قبل طغيان المنتِج، يرفضها من تدافع عنهم قبل ان يرفضها من تهاجمهم، وثواب الفضيلة وعظمتها في تاييد خصومها لها لا تصفيق المستفيدين من عطاياها/ ثواب الفضل في فضل التسامح، ولا يصح تسامح الا مع خصم ولا عداوة الا مع صديق. ذلك الشر الواقعي والعرفان في خبائث هو اللغة التي تقطر الزمن كما يقطر الجريح دمه لتثبت في دمه وثيقة السكين.. لكن مرارة المنطق الذي لا تستطع الاكثرية تجرع مرارته يجعل اللغة تعمد، الى لغة الاماني وبناء الاراء على الافتراضات فالتعبوية الهستيرية والاحتفالية اللاعقلانية هي من يقوم بتضليل الوظيفة اللغوية ثم تقوم اللغة بالباقي من التضليل، تكثر من حجابها كي تلبس الحقيقة قناعا من زجاج!! اذن جميعها تقدم الشروط الممتثلة الممسرحة على خلاف الفطرة، لتنتج الحل، فاللغة تمتنع وترفض تعشير طاقتها مع الوقائع الصلفة والمفاعلات الوقحة على التحجب، فلا تجعلها غواية المفاضلة تفرط بالعناصر الترضوية لمصلحة الوقائع الشريرة.
اعطت اللغة ارثا متسعا من العبودية ودهاء، اتقنت تغليفها بالمقدسات والمخلصيات، والمخارج المرصعة بالبلاغةوخداع العقل، بل جعلت العقل اداة خداع وجعلت نفسها، اي اللغة، وسيط تضليل، والمشكلة لا يصبح التضليل متفاضلا اسوة بعبارة، كلمة تضليل، بل جعله طموحا لغويا وفضلا اخلاقيا فتقوى وورع وحجاب حشمة وضمير اثرة..
وهكذا لا تصلح القواميس للبحث في جوامد الكلمة، وقد تناولها التعبويون، حتى جعلوها فضل في موضع ومنكر في اخر وكلا الوجهين يطوقان الوعي بفخاخ متفاضلة تشكل جل الماساة حيث النفاذ منهما يوحد الضدين لمواجة عالم ما بعد الاضداد، وهنا تنتهي لعبة التضاد بين الشر والخير فتصبح ذاكرة لغوية لا تتحملها معادلات الكون العصي على انظمة الهندسة والبرمجة..
لذا اضطررنا امام حاجتنا البدائية للعيش الامن، وليس حاجتنا المعرفية او التعليمية، ان ندقق في الطبغرافيا والهندسة اللغوية، لنعرف القصد والا فعشرات الاحتمالات توقع مفردات الترميز بعدد من المعاني لكلمة واحدة.
بهذا السياق تبدو حضارتنا، نحن البشر، لا تتسع لها لغة، ولا تستوف اية لغة لها، لما للجهل مساحة تفوق الجزء، الذي تمثلت وقائعه في اللغة، وحتى هذا الجزء لا زال متمردا في دلالته على اللغة.
السؤال الاكثر ايلاما هو اذا كان عالم الحيوان الى هذه الدرجة من الخلاعة هل تكون الحرية ردة بشرية ويكون القهر تطورا بيولوجيا؟ لا نعرف الجواب الحق.. لكننا نعرف ان الحقيقة هي صناعة وقدرات مركبة لا تقع في نظام الفطرة والا لاصبحت الحيوانات النبيلة الارقى عفافا من التكوين البشري هي فلاسفتنا وقادتنا في ادارة الوجود.. ولكن الحق والحقيقة صناعة مهرة وليس رهبان وفلاسفة والنبياء هي ككل الصناعات المحلية، لا تتحمل اللغة الوطنية والقومية جعلها عابرة للحدود، ما خلا قدرتها على ان تتجسد بدون لغة.
حتى تهلك او تنجو حضارتنا وحينها يصبح السؤال والجواب من عدمهما على حق.. من يدري؟
التعليقات