شيراك يسعى إلى ختام ولايته بإنجاز لبناني
الإجراءات تكتمل لإنشاء المحكمة الدولية
إيلي الحاج من بيروت: اكتملت إجراءات اخراج ملف المحكمة ذات الطابع الدولي من لبنان ووضعه كلياً في عهدة مجلس الأمن الذي بات قادراً على مباشرة اجراءات تشكيل المحكمة بعد اقرار نظامها تحت الفصلين السادس والسابع معا، فيكون اللجوء الى السابع عندما تقتضي الضرورة او عندما يتمنع أي فريق عن استجابة المحكمة والامتثال لما تقرره.
وكانت هيمنت على الحياة السياسية في لبنان في الساعات الماضية الرسالة التي وجهها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى الأمين العام للأمم المتحدة متضمنة طلبا رسميا إلى مجلس الأمن ليبحث إقرار المحكمة وفق ميثاق المنظمة الدولية، نظرا إلى الصعوبات التي تحول دون إقرارها في جلسة لمجلس النواب. وقد أرفق رسالته، التي يتطابق مضمونها مع مضمون الرسالتين اللتين سبق ان أرسلهما الى نيويورك، بنص العريضة النيابية التي وقعها 70 نائبا قبل أسبوع وأرسلت الى بان كي- مون.
وتضمنت رسالة السنيورة عرضا تفصيليا للواقع الحالي في لبنان والمأزق الذي وصلت اليه آلية اقرار المحكمة في البرلمان ونصت على احالة الحكومة الأمر إلى الأمانة العامة quot; انطلاقا من شعورها بأنه لا بد لمجلس الأمن من ان يتحمّل مسؤوليته في صدد اقامة المحكمة quot;. ولم يقترح في رسالته صيغة محددة على الأمين العام تاركا الحرية لمجلس الأمن في اتخاذ الموقف المناسب.وتدفع فرنسا بقوة في اتجاه انشاء المحكمة ويشكل تحركها الداعم رأس حربة في هذا المجال .
ويعود الاهتمام الفرنسي الاستثنائي بموضوع المحكمة وتسريع وتيرة تشكيلها بعد quot; سحبها quot; من لبنان واحالتها مجددا إلى مجلس الأمن إلى أربعة أسباب. أولها رغبة الرئيس الفرنسي جاك شيراك الشديدة في انجاز موضوع المحكمة الدولية او على الأقل وضعها على سكة التنفيذ قبل مغادرته قصر الاليزيه، وتحديداً خلال الأسابيع المعدودة التي تفصل عن موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية مطلع شهر أيار/ مايو المقبل . وينبع هذا التصميم لدى شيراك من اهتمامه المفرط بلبنان الذي شكل ملفا أساسيا في عهده، ومن تعهده لعائلة صديقه الرئيس رفيق الحريري بالسعي الى كشف قتلته ومحاكمتهم . ويخوض الرئيس الفرنسي حالياً آخر معاركه الدبلوماسية حول لبنان التي نسقها مع الاميركيين، من القرار1559 حتى قرار مجلس الأمن الجديد الذي سينشئ المحكمة .
وثاني الأسباب الاعتقاد الفرنسي الراسخ بأن انشاء المحكمة الدولية يشكل ضماناً لاستقرار لبنان من خلال وقف مسلسل الاغتيالات السياسية، وكذلك لاستقلاله وسيادته، وان التراجع عنها يعني عودة الوضع في لبنان الى الوراء واعادة وضع يد سورية عليه .وثالثها تأكد باريس ان انشاء المحكمة الدولية في لبنان، وهذا ما كانت تفضله، بتوافق أطرافه وفي اطار مؤسساته الدستورية، بات متعذرا . وبعد تعذر دعوة مجلس النواب الى الانعقاد للموافقة على مشروع نظام المحكمة، جاء خطاب الأمين العام لquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله الأحد الماضي ليؤكد ان لا أمل ولا جدوى من التفاوض والحديث مع رئيس مجلس النواب وحركة quot;أملquot; نبيه بري في ظل وجود قرار رفض المحكمة عند حزب الله .
أما رابع الأسباب فهو توافر معطيات ومعلومات لباريس تفيد ان رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتز- الذي التقى مسؤولين كباراً في فرنسا خلال اليومين الماضيين- اقترب كثيرا من تكوين صورة عن كل مراحل جريمة اغتيال الرئيس الحريري، قرارا وتحريضا وتخطيطا وتنفيذا، وان تقريره في حزيران/ يونيو المقبل سيكون مختلفا في عناصره ووقائعه الاتهامية، الأمر الذي يجعل انشاء المحكمة ضروريا لتقدم التحقيق واكتماله وكشف ما توصل اليه .
ويتولى الرئيس شيراك شخصيا ادارة quot; معركة دبلوماسية quot; في مجلس الأمن عبر اتصالات مركزة موزعة في ثلاثة اتجاهات أساسية : أولها في اتجاه روسيا لتبديد تحفظها بشأن اقرار المحكمة في مجلس الأمن وتحت الفصل السابع . ولا يتوخى شيراك الحصول على تأييد موسكو وصوتها في مجلس الأمن ، انما أقصى ما يطلبه هو عدم اعتراضها وعدم ممارستها حق النقض quot; الفيتو quot; ضد مشروع القرار وامتناعها عن التصويت . ويبدو ان باريس حققت تقدما في هذا المجال.
وتتجه باريس في الوقت نفسه نحو الدول العربية الفاعلة وفي مقدمها المملكة العربية السعودية ومصر . وفي موازاة اتصالات مفتوحة بين الرياض وباريس التي زارها المسؤول عن جهاز الأمن الوطني الأمير بندر بن سلطان، يستعد شيراك للقاء الرئيس المصري حسني مبارك الاثنين المقبل بعد لقاء اليوم مع العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني الذي اتصل به السنيورة أمس . وهذه الزيارات العربية الوداعية والتكريمية للرئيس الفرنسي سيكون الوضع اللبناني، وفي أساسه المحكمة الدولية، بندا رئيسا فيها. كذلك تتحرك باريس في اتجاه جنوب افريقيا التي تتولى رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر ، وسيلتقي شيراك رئيس جنوب افريقيا غدا الخميس.
وواضح إن نقل ملف المحكمة الى مجلس الأمن قطع الطريق على أي تعديلات لبنانية على نظامها يمكن ان تفرغه من مضمونه، وحرر المحكمة من مشاريع المقايضة السياسية الداخلية . ولكن هذه الخطوة تحمل في طياتها ما يمكن ان يتحول أخطاراً وتداعيات كان لبنان في غنى عنها، وقد لا يقوى على تحملها ، خصوصاً أنها قطعت الطريق نهائيا على الحوار المتعثر أصلا بين فريقي الغالبية النيابية والحكومية من جهة ، وquot;حزب اللهquot; وحلفائه من الجهة المقابلة.
التعليقات