محمد الحمامصي من القاهرة: لا تزال نظرية داروين النشوء والارتقاء مثار خلافات كبيرة بين علماء المسلمين ما بين قلة لا ترى تعارضا بين ما جاء به القرآن الكريم وبين ما قال به داروين، وغالبية ترى تعارضا واضحا وجليا ومسا بصلب العقيدة الإسلامية، لكني وعبر اتصالات متعددة بمشايخ وعلماء ورجال دين مسلمين تكشف لي أن هناك جهلا واضحا بالنظرية وما قالت به، الغالبية لم تقرأ واكتفت بماأذيع من أخبار وتحليلات، وهكذا نحن عربيا لا نستقصي الحقائق بالرجوع للمصدر وقراءته ومن ثم التعامل معه من منطلق الفهم والإدراك والوعي، وما حدث من رفض لنظرية داروين يحدث يوميا مع البحث العلمي في عالمنا العربي دون فهم وإنما بتعصب للدين وللعقيدة، على الرغم من أن الدين الإسلامي وكتابه الله المنزل على رسوله الكريم وأحاديث الرسول العظيم تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أهمية بل ضرورة التأمل في ما خلق الله ودراسته وتحليله باعتبار أن ذلك يدعم الإيمان ويؤكد القدرة الإلهية على الخلق والعطاء والإعجاز.
إننا بحاجة ونحن نحتفل بمرور مائة وخمسين عاما على ظهور نظرية داروين وهي نظرية علمية تحتمل نتائجها الصواب والخطأ مثلها مثل عشرات النظريات العلمية التي اجتهد العلماء فيها، نحتاج إلى أن نكون أكثر فهما لديننا الحنيف ودعواته للعلم وأكثر انفتاحا على البحث العلمي العالمي، لكن الرفض المطلق لبحوث العلم حتى وإن اختلفنا مع نتائجها أمر غير طبيعي ولا يؤدي إلا إلى المزيد من الخسارة للحضارة العربية الإسلامية التي قامت بالعلم وانهارت وتنهار الآن جراء رفضها للتقدم العلمي..إننا في هذا التحقيق نحاول التعرف إلى آراء بعض من علمائنا في هذه النظرية لنرى هل آراؤهم اختلفت عن آراء السلف.
إننا بحاجة ونحن نحتفل بمرور مائة وخمسين عاما على ظهور نظرية داروين وهي نظرية علمية تحتمل نتائجها الصواب والخطأ مثلها مثل عشرات النظريات العلمية التي اجتهد العلماء فيها، نحتاج إلى أن نكون أكثر فهما لديننا الحنيف ودعواته للعلم وأكثر انفتاحا على البحث العلمي العالمي، لكن الرفض المطلق لبحوث العلم حتى وإن اختلفنا مع نتائجها أمر غير طبيعي ولا يؤدي إلا إلى المزيد من الخسارة للحضارة العربية الإسلامية التي قامت بالعلم وانهارت وتنهار الآن جراء رفضها للتقدم العلمي..إننا في هذا التحقيق نحاول التعرف إلى آراء بعض من علمائنا في هذه النظرية لنرى هل آراؤهم اختلفت عن آراء السلف.
د.عبد المعطي بيومي أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة:
من اليمين إلى اليسار: آمنة نصير، عبد الصبور شاهين، جمال البنا، الشيخ محمود عاشور، وعبد المعطي بيومي في الوسط |
أنا أرى نظرية داروين سواء صحت أو لم تصح لا تخدش الدين ولا تتعارض معه، لأني قرأت أصل الأنواع على ضخامة حجمه بترجمة د.إسماعيل مظهر رحمه الله ووجدت أن داروين نفسه يقول بتطور الكائنات لا من ذاتها ولا بفعل طبيعتها وإنما بفعل الخالق سبحانه وتعالى، وله عبارة أوردها د.إسماعيل مظهر وهي عبارة جميلة يقول فيها: إن العصافير وهي تغرد على أشجارها ومظاهر الجمال الأخرى في الكون إنما هي بفعل الخالق، وبالتالي لا يتعارض هذا الكلام مع أي دين خاصة الدين الإسلامي، بل إننا إذا عرضنا هذا الكلام على فلاسفة الإسلام نجد التطابق بين ما يقوله الإمام الفيلسوف ابن رشد: إن الله أودع في كل شيء فعلا يخصه، فأودع في النار خاصية الإحراق وفي الماء خاصية الإرواء بحيث تفعل هذه العناصر بعضها في بعض وتتأثر بعضها في بعض بفعل قانون السببية الذي أوضعه الله سبحانه وتعالي في العناصر وجعلها حاكمة لتصرفاتها، هذه هي نظرية داروين، وقد تجلت في أوروبا بتأثيرات الحضارة الإسلامية ولها بذورها في الحضارة الإسلامية عند ابن مسكويه وابن رشد كما نرى. لكن يبدو أن العيب عندما عرضت هذه النظرية حاملة رأي شراحها مثل هاكسلي، هؤلاء الشراح هم الذين أبرزوا الجانب المادي في النظرية في عصر كان العلم فيه في أوروبا وقتئذ يروج للإلحاد ويتحدى الدين، كما أن الدين الذي عرف في أوروبا وقتئذ دين الإقطاع الكنسي والكهنوت الضغط على العقول، والذي يقيم الحجر عليها باسم الدين، فاستخدمت النظرية بهذه الجوانب المادية سلاحا ضد الدين. والحقيقة أن داروين لم يستبعد الدين ولم يصرح بإنكار الدين وربما قوله عندما سئل في مسائل دينية غيبية: لا أدري، لأنه لم يكن (لا أدريا) بالفعل، عندما يسأل عن تفاصيل الدين الكنسي في ذلك الوقت. ويجب أن نفهمه في ضوء عبارته التي أشرنا إليها عند د.إسماعيل مظهر في ترجمة كتابه أصل الأنواع الذي يعد المرجع الأول لنظرية داروين.
د.آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية في جامعة الأزهر:
قضية كل ما هو جديد في البحث العلمي غالبا ما تواجه بنوع من الزوبعة والشعور بالقلق وهذا ما حدث مع نظرية داروين، وعند تحليل هذا الأمر يتطابق مع طبيعة النفس البشرية التي تعتاد نظرية ما على عقيدة ما وعندما يأتي رأي مصادم لها خصوصا إذا مس الدين هنا تقوم الدنيا ولا تقعد، ولذا واجه كثير من علماء المسلمين هذه النظرية بكثير من الهجوم اللاذع ومن الرفض التام لها وكأنها اخترقت الدين وهدمته.. لماذا ؟ لأن الخلق في الإسلام خلق يعود إلى الخالق بكل أبجدياته، خلق كل شيء، وخلقه في أحسن تقويم، هذه القواعد الدينية للخلق، وعندما تأتي هذه النظرية وتتكلم عن تطور خلقة الإنسان فبمفرداتها مست عدة قواعد عقدية:
أولا تصادمت مع قوة الخالق في ما خلق في أحسن تقويم.
د.آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية في جامعة الأزهر:
قضية كل ما هو جديد في البحث العلمي غالبا ما تواجه بنوع من الزوبعة والشعور بالقلق وهذا ما حدث مع نظرية داروين، وعند تحليل هذا الأمر يتطابق مع طبيعة النفس البشرية التي تعتاد نظرية ما على عقيدة ما وعندما يأتي رأي مصادم لها خصوصا إذا مس الدين هنا تقوم الدنيا ولا تقعد، ولذا واجه كثير من علماء المسلمين هذه النظرية بكثير من الهجوم اللاذع ومن الرفض التام لها وكأنها اخترقت الدين وهدمته.. لماذا ؟ لأن الخلق في الإسلام خلق يعود إلى الخالق بكل أبجدياته، خلق كل شيء، وخلقه في أحسن تقويم، هذه القواعد الدينية للخلق، وعندما تأتي هذه النظرية وتتكلم عن تطور خلقة الإنسان فبمفرداتها مست عدة قواعد عقدية:
أولا تصادمت مع قوة الخالق في ما خلق في أحسن تقويم.
سيرن يعلن استئنافه لتجربة الإنفجار الكوني العظيم في سبتمبر
نظرية داروين تتفق مع الإنجيل لكن لا اعتذار له |
ثانيا: تصادمت مع مسلسل الخلق منذ أن خلق الله أبانا آدم عليه السلام، وفي خلقه لآدم من صلصال من حم مسنون حتى يتطابق ويتصالح ويتتوأم مع نوع الأرض التي سيعمرها، هذه كلها محطات عقدية، ثم الأمر المهم في إبداع الخالق بعدما خلق آدم بهذه الصورة الطينية، نفخ فيه من روحه العلية، ولذلك تأتي المقولة الجميلة أن هناك نسبا بين الإنسان وبين السماء لخصوصية النفخ، والتي نقول عنها الروح، وبهذه الروح وبهذا الارتقاء بالإنسان جعل التكريم بأن طلب من الملائكة أن تسجد له.
ثالثا تحميله الأمانة وكم هي عظيمة حتى خافت الملائكة والأرض والجبال عندما عرضها الخالق عليهم، ثم بعد ذلك كرمه بالعلم quot;وعلم آدم الأسماء كلهاquot;.
رابعا هذه المراحل لخلق الإنسان بهذه المفردات وهذا التكريم وإعداده للاستخلاف في الأرض محطات ومراحل عقدية عظيمة جدا، عندما جاء داروين بنظريته تصادم معها تصادما كاملا ومازال إلى الآن الكثير من علماء الدين يتصادم مع هذه النظرية.
ودعني أذكر هنا بقيمة وتأثير هذه النظرية بغض النظر عن المصادمات التي جرت معها، إنها تتطابق مع تطور الخليقة من وقت إلى آخر في التنوع، في تحسن الفصائل أو في تراجعها، أعني أن صيرورة وديمومة الحياة سواء في تقدمها أو تراجعها جزء جيد عندما ننظر إلى النظرية في هذا الحجم وهذا الإبداع.
وفي النهاية ليتنا نعطي للنظريات المعاصرة شيئا من الوقت وتقدم البحث قبل أن نضع أمامها السدود والعراقيل مثلما حدث في الآونة الأخيرة في قضية الرحم البديل وغيرها من القضايا التي ما زلنا نناقشها في أروقة المجالس البحثية في الأزهر، وكما قلت: الخشية من المصادمة مع الدين يجعلنا في كثير من الأحيان وفي أمور شتى مالية واقتصادية وعلمية نتراجع عن مواصلة الأبحاث العلمية التي ربما تعطينا محصلة تتصالح مع الدين.
د.عبد الصبور شاهين (من أشهر الدعاة في مصر والعالم الإسلامي. خطيب مسجد جامع عمرو بن العاص أكبر وأقدم مساجد مصر سابقا):
نظرية داروين محاولة لتفسير الوجود الإنساني بطريقة تتناسب مع معطيات العصر الذي كان وما زلنا نعيش فيه، وكان لها نصيب من الذيوع والانتشار، لكن هذا الذيوع والانتشار وجد معارضة من كثيرين من الذين لم يعجبهم رأي داروين، وقد انتهى الزمن الذي ذاعت فيه هذه النظرية وظهرت آراء أخرى ولسوف تظهر نظريات جديدة أخرى وأخرى.
ومما لا شك فيه أن الإنسانية سوف تظل تتناقش حول ظهور الإنسان وتفسير هذا الظهور بطريقة أو بأخرى، ولا شك أن الجانب الغيبي في الوجود الإنساني سوف يظل غامضا لأنه من خصوصيات الغيب.
أيضا لا شك أن في كل اجتهاد نصيبا من الخطأ ونصيبا من الصواب، ومن رأيي أن داروين لا يستند إلى أي دليل علمي في نظريته، وأن الكائنات إنما خلقت مستقلة الأنواع، إستقلالاً تاماً، فمنها الإنسان الذي يمشي على رجليه، ومنها الدواب التي تمشي على أربع، ومنها الزواحف التي تمشي على بطونها.لقد حاول داروين تفسير أمر غيبي والغيب غير قابل للتفسير لأنه سر من أسرار الخالق سبحانه وتعالى.
لا أرى أن هناك تصادما بين العلم والدين، فلكل منهما اتجاهه، للدين منطقه واتجاهه وللعلم منطقه واتجاهه ولكنها اختلافات في وجهات النظر، وفي كل جانب هناك جانب من الصواب وجانب من الاختلاف.
لا أتصور أنني في كتابي (أبي آدم) قد اعتقدت ما يعتقد به داروين لأن عقيدتي قائمة على التسليم بما جانب من عند الله، وليس من السهل أن نستبدل بعقيدتنا فكرة أخرى بشرية.. في كتابي كانت هناك إشارات نقدية للنظرية ولكن ليست على سبيل تبني النظرية والاعتراف بها، لقد قلت في كتابي: إن كل ما سجله العلم من مراحل الحياة على الأرض هو ومن دونشك من معطيات البحث والسير فيها، فهي خطوات في الطريق الصحيحة، تهدي الإنسان إلى أصله ومنشئه، عبر تلك الآماد السحيقة.. لقد كانت تلك الآماد - ولاشك - مقدمات لخلق الإنسان quot; فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ quot; - سورة التين، أي: إن خلق الإنسان كان إرادة سابقة أزلاً على وجود الأرض ذاتها، قبل مليارات السنين، ثم كانت الأرض، وكان ما مر بها من عهود سحيقة يعجز العقل عن تصورها - هو التمهيد الإلهي الباهر لظهور السلالات البشرية، الذي تضاربت الآراء في توقيته، فليس من هذه العهود ما يعتبر حقيقة مطلقة.. بل هي جميعاً آراء نسبية، تتفق في الحد الجامع بينها، وتختلف في العهود والحقب، ولا سبيل حتى الآن إلى معرفة متى كانت بالضبط بدايتها ونهايتها.
وإذا كان سياق الداروينية يقرر أن القردة خلقت هكذا مستقلة عن الأنواع الأخرى قبلها، فما الذي يجعلها أصلاً لنوع الإنسان في فرضية داروين، في حين أن الأقرب للمنطق هو أن القدرة التي خلقت نوع القردة التي تمشي على أربع - قد خلقت نوعاً آخر يمشي منتصباً على رجلين، وهو الإنسان، وهي القدرة التي أوجدت ملايين الأنواع من المخلوقات المتحركة، لكل نوع عالمه وقدراته، وبدايته ونهايته، فالكل صادر عن قدرة مطلقة واحدة، تماما كما حدث القرآن عن وحدة الأصل وإختلاف الشكل - في قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ـ سورة النور.
وغني عن البيان أن كل الجهود العلمية حتى الآن تنصب على معارضة داروين في ما ذهب إليه، وأن ما قدمناه لم يكن سوى بعض العينات التي جهد فيها العلماء ليدحضوا مذهب النشوء والإرتقاء.. حتى إننا نستطيع أن نقول: إن نظرية داروين قد ثارت لكثرة ما تعرضت له من نقد - مجرد مقولة هشة.. لا تعني شيئاً في مجال البحث عن أصل الإنسان، وإن قدمت الكثير في مجال (البيولوجيا) أو علم الإنسان.
لقد سقطت إذن فكرة (التطور الخالق)، ونقول: (فكرة)، ولا نقول: (نظرية)، ورغم أن الناس فتنوا بهذه النظرية لعدة عقود من الزمان... سقطت بكل ما ارتبط بها من أفكار أخرى. وانتصرت حقيقة (الخلق المستقل) التي قررها الدين، كما أكدها العلم، فما كان الإنسان إلا بشراً منذ كان، وما كان القرد إلا قرداً. هذا باختصار لكن الأمر واضح وجلي في كل فصول الكتاب أنني لا أعتقد في ما يعتقد داروين.
المفكر الإسلامي جمال البنا:
العلم يجب ألا يوضع أمامه أي قيد أو شرط فإذا أصاب فهذا هو المطلوب، وإذا أخطأ فإنه مارس إعمال العقل وهذا هو المطلوب من الناس، وليس شرطا أن يتفقوا في النتيجة، ولا شك أن فكرة داروين قدمت جديدا في فهم التطور والتقدم البشري، وجاء بعدها من اكتشف جديدا، تلاه أخر اكتشف أيضا جديدا، بما يعني أن عملية نقاش وبحث عن الحقيقة يمكن أن يساهم فيها أكثر من فرد لاستكمال الأبعاد المختلفة والوصول إلى حقيقة ما.
وباعتبار أن فكرة داروين ثمرة لبحث وعقل، وهذا المبدأ نفسه يرفض أن نأخذها كمسلمة غير قابلة للنقاش، لأن (غير قابلة للنقاش) جملة مرفوضة عقلا، فالمفروض ألا نضيق ذرعا بأي اجتهاد يصل إليه العقل البشري والفكر في إطار البحث عن الحقيقة.
إن رفض الفكرة من ناحية الفكر والحرية لا يعد أمرا سيئا، هو تقديم الرأي والرأي الآخر، ويمكن أن يكشف الرفض عن ضعف في الموضوع المعروض للنقاش، ولكن ما نستبعده التعصب المقيت، أي الإيمان بفكرة وأنها غير قابلة للنقاش، وأن علينا أن نسلم بها دون أي تفكير.
الدين والعلم يلتقيان باستمرار ولكن ليس شرطا أن نوفق لمعرفة ذلك، لكن لابد أن يتفق الدين مع العلم، وعدم التوفيق هذا له أسبابه المتعلقة بسوء فهم الدين بنسبة أمور إليه ليس فيه أو بسوء فهم العلم باستخدام وسائل غير علمية، ولكن أؤكد ضرورة الاتفاق.
اتفق مع نظرية داروين في التطور، وهي ليست بعيدة عن الفكر العربي، فهناك مثلا ابن خلدون في مقدمته يشير إلى التطور: الجماد، النبات، الحيوان وما يتميز به كل منها، وأخيرا الإنسان، إذن هناك في الفكر العربي وأيضا في القرآن الكريم ما يتفق مع فكرة داروين في التطور.
الشيح محمود عاشور وكيل الأزهر السابق:
إن الإسلام يعتمد على أمرين أساسيين هما العقل والعلم والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تؤكد ذلك، والدعوة إلى العلم هي أول ما نزل من القرآن الذي تحدث عن العلوم الكونية كلها، وبالتالي ما خالف ما جاء به الإسلام لا ينبغي أن يكون، لأن النظريات تختلف وتتبدل وتتغير بتغير الزمان والمكان، أما الحقائق الدينية فهي ثابتة لا تتغير.
فإذن نظرية داروين تتعارض وتتناقض مع ما جاء به الدين، وكل ما يناقض الدين لا نؤمن به ولا نعترف به، وداروين رجل اجتهد وله أجر على اجتهاده كما قال سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم quot;من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجرquot; فهو له أجر على ما اجتهد فيه ولكنه أخطأ في اجتهاده فله جزء المجتهد.
ثالثا تحميله الأمانة وكم هي عظيمة حتى خافت الملائكة والأرض والجبال عندما عرضها الخالق عليهم، ثم بعد ذلك كرمه بالعلم quot;وعلم آدم الأسماء كلهاquot;.
رابعا هذه المراحل لخلق الإنسان بهذه المفردات وهذا التكريم وإعداده للاستخلاف في الأرض محطات ومراحل عقدية عظيمة جدا، عندما جاء داروين بنظريته تصادم معها تصادما كاملا ومازال إلى الآن الكثير من علماء الدين يتصادم مع هذه النظرية.
ودعني أذكر هنا بقيمة وتأثير هذه النظرية بغض النظر عن المصادمات التي جرت معها، إنها تتطابق مع تطور الخليقة من وقت إلى آخر في التنوع، في تحسن الفصائل أو في تراجعها، أعني أن صيرورة وديمومة الحياة سواء في تقدمها أو تراجعها جزء جيد عندما ننظر إلى النظرية في هذا الحجم وهذا الإبداع.
وفي النهاية ليتنا نعطي للنظريات المعاصرة شيئا من الوقت وتقدم البحث قبل أن نضع أمامها السدود والعراقيل مثلما حدث في الآونة الأخيرة في قضية الرحم البديل وغيرها من القضايا التي ما زلنا نناقشها في أروقة المجالس البحثية في الأزهر، وكما قلت: الخشية من المصادمة مع الدين يجعلنا في كثير من الأحيان وفي أمور شتى مالية واقتصادية وعلمية نتراجع عن مواصلة الأبحاث العلمية التي ربما تعطينا محصلة تتصالح مع الدين.
د.عبد الصبور شاهين (من أشهر الدعاة في مصر والعالم الإسلامي. خطيب مسجد جامع عمرو بن العاص أكبر وأقدم مساجد مصر سابقا):
نظرية داروين محاولة لتفسير الوجود الإنساني بطريقة تتناسب مع معطيات العصر الذي كان وما زلنا نعيش فيه، وكان لها نصيب من الذيوع والانتشار، لكن هذا الذيوع والانتشار وجد معارضة من كثيرين من الذين لم يعجبهم رأي داروين، وقد انتهى الزمن الذي ذاعت فيه هذه النظرية وظهرت آراء أخرى ولسوف تظهر نظريات جديدة أخرى وأخرى.
ومما لا شك فيه أن الإنسانية سوف تظل تتناقش حول ظهور الإنسان وتفسير هذا الظهور بطريقة أو بأخرى، ولا شك أن الجانب الغيبي في الوجود الإنساني سوف يظل غامضا لأنه من خصوصيات الغيب.
أيضا لا شك أن في كل اجتهاد نصيبا من الخطأ ونصيبا من الصواب، ومن رأيي أن داروين لا يستند إلى أي دليل علمي في نظريته، وأن الكائنات إنما خلقت مستقلة الأنواع، إستقلالاً تاماً، فمنها الإنسان الذي يمشي على رجليه، ومنها الدواب التي تمشي على أربع، ومنها الزواحف التي تمشي على بطونها.لقد حاول داروين تفسير أمر غيبي والغيب غير قابل للتفسير لأنه سر من أسرار الخالق سبحانه وتعالى.
لا أرى أن هناك تصادما بين العلم والدين، فلكل منهما اتجاهه، للدين منطقه واتجاهه وللعلم منطقه واتجاهه ولكنها اختلافات في وجهات النظر، وفي كل جانب هناك جانب من الصواب وجانب من الاختلاف.
لا أتصور أنني في كتابي (أبي آدم) قد اعتقدت ما يعتقد به داروين لأن عقيدتي قائمة على التسليم بما جانب من عند الله، وليس من السهل أن نستبدل بعقيدتنا فكرة أخرى بشرية.. في كتابي كانت هناك إشارات نقدية للنظرية ولكن ليست على سبيل تبني النظرية والاعتراف بها، لقد قلت في كتابي: إن كل ما سجله العلم من مراحل الحياة على الأرض هو ومن دونشك من معطيات البحث والسير فيها، فهي خطوات في الطريق الصحيحة، تهدي الإنسان إلى أصله ومنشئه، عبر تلك الآماد السحيقة.. لقد كانت تلك الآماد - ولاشك - مقدمات لخلق الإنسان quot; فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ quot; - سورة التين، أي: إن خلق الإنسان كان إرادة سابقة أزلاً على وجود الأرض ذاتها، قبل مليارات السنين، ثم كانت الأرض، وكان ما مر بها من عهود سحيقة يعجز العقل عن تصورها - هو التمهيد الإلهي الباهر لظهور السلالات البشرية، الذي تضاربت الآراء في توقيته، فليس من هذه العهود ما يعتبر حقيقة مطلقة.. بل هي جميعاً آراء نسبية، تتفق في الحد الجامع بينها، وتختلف في العهود والحقب، ولا سبيل حتى الآن إلى معرفة متى كانت بالضبط بدايتها ونهايتها.
وإذا كان سياق الداروينية يقرر أن القردة خلقت هكذا مستقلة عن الأنواع الأخرى قبلها، فما الذي يجعلها أصلاً لنوع الإنسان في فرضية داروين، في حين أن الأقرب للمنطق هو أن القدرة التي خلقت نوع القردة التي تمشي على أربع - قد خلقت نوعاً آخر يمشي منتصباً على رجلين، وهو الإنسان، وهي القدرة التي أوجدت ملايين الأنواع من المخلوقات المتحركة، لكل نوع عالمه وقدراته، وبدايته ونهايته، فالكل صادر عن قدرة مطلقة واحدة، تماما كما حدث القرآن عن وحدة الأصل وإختلاف الشكل - في قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ـ سورة النور.
وغني عن البيان أن كل الجهود العلمية حتى الآن تنصب على معارضة داروين في ما ذهب إليه، وأن ما قدمناه لم يكن سوى بعض العينات التي جهد فيها العلماء ليدحضوا مذهب النشوء والإرتقاء.. حتى إننا نستطيع أن نقول: إن نظرية داروين قد ثارت لكثرة ما تعرضت له من نقد - مجرد مقولة هشة.. لا تعني شيئاً في مجال البحث عن أصل الإنسان، وإن قدمت الكثير في مجال (البيولوجيا) أو علم الإنسان.
لقد سقطت إذن فكرة (التطور الخالق)، ونقول: (فكرة)، ولا نقول: (نظرية)، ورغم أن الناس فتنوا بهذه النظرية لعدة عقود من الزمان... سقطت بكل ما ارتبط بها من أفكار أخرى. وانتصرت حقيقة (الخلق المستقل) التي قررها الدين، كما أكدها العلم، فما كان الإنسان إلا بشراً منذ كان، وما كان القرد إلا قرداً. هذا باختصار لكن الأمر واضح وجلي في كل فصول الكتاب أنني لا أعتقد في ما يعتقد داروين.
المفكر الإسلامي جمال البنا:
العلم يجب ألا يوضع أمامه أي قيد أو شرط فإذا أصاب فهذا هو المطلوب، وإذا أخطأ فإنه مارس إعمال العقل وهذا هو المطلوب من الناس، وليس شرطا أن يتفقوا في النتيجة، ولا شك أن فكرة داروين قدمت جديدا في فهم التطور والتقدم البشري، وجاء بعدها من اكتشف جديدا، تلاه أخر اكتشف أيضا جديدا، بما يعني أن عملية نقاش وبحث عن الحقيقة يمكن أن يساهم فيها أكثر من فرد لاستكمال الأبعاد المختلفة والوصول إلى حقيقة ما.
وباعتبار أن فكرة داروين ثمرة لبحث وعقل، وهذا المبدأ نفسه يرفض أن نأخذها كمسلمة غير قابلة للنقاش، لأن (غير قابلة للنقاش) جملة مرفوضة عقلا، فالمفروض ألا نضيق ذرعا بأي اجتهاد يصل إليه العقل البشري والفكر في إطار البحث عن الحقيقة.
إن رفض الفكرة من ناحية الفكر والحرية لا يعد أمرا سيئا، هو تقديم الرأي والرأي الآخر، ويمكن أن يكشف الرفض عن ضعف في الموضوع المعروض للنقاش، ولكن ما نستبعده التعصب المقيت، أي الإيمان بفكرة وأنها غير قابلة للنقاش، وأن علينا أن نسلم بها دون أي تفكير.
الدين والعلم يلتقيان باستمرار ولكن ليس شرطا أن نوفق لمعرفة ذلك، لكن لابد أن يتفق الدين مع العلم، وعدم التوفيق هذا له أسبابه المتعلقة بسوء فهم الدين بنسبة أمور إليه ليس فيه أو بسوء فهم العلم باستخدام وسائل غير علمية، ولكن أؤكد ضرورة الاتفاق.
اتفق مع نظرية داروين في التطور، وهي ليست بعيدة عن الفكر العربي، فهناك مثلا ابن خلدون في مقدمته يشير إلى التطور: الجماد، النبات، الحيوان وما يتميز به كل منها، وأخيرا الإنسان، إذن هناك في الفكر العربي وأيضا في القرآن الكريم ما يتفق مع فكرة داروين في التطور.
الشيح محمود عاشور وكيل الأزهر السابق:
إن الإسلام يعتمد على أمرين أساسيين هما العقل والعلم والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تؤكد ذلك، والدعوة إلى العلم هي أول ما نزل من القرآن الذي تحدث عن العلوم الكونية كلها، وبالتالي ما خالف ما جاء به الإسلام لا ينبغي أن يكون، لأن النظريات تختلف وتتبدل وتتغير بتغير الزمان والمكان، أما الحقائق الدينية فهي ثابتة لا تتغير.
فإذن نظرية داروين تتعارض وتتناقض مع ما جاء به الدين، وكل ما يناقض الدين لا نؤمن به ولا نعترف به، وداروين رجل اجتهد وله أجر على اجتهاده كما قال سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم quot;من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجرquot; فهو له أجر على ما اجتهد فيه ولكنه أخطأ في اجتهاده فله جزء المجتهد.
التعليقات