فهد الشقيران: من أهم البحوث التي تتحدث عن فلسفة نيتشه باللغة العربية كتاب محمد أندلسي، quot;نيتشه، وسياسة الفلسفةquot; فهو كتاب عميق وفك الكثير من العقد والأفهام التي شابت فلسفة فريدريك نيتشه، ولعل الكتاب أضخم من أن يتم عرضه في مقالة سريعة، لكن الذي لفت نظري في الكتاب بعد التجاوز الذي قام به نيتشه حيث ساهم في نقل الفلسفة من سمار جامد إلى مسارات وفضاءات أخرى، ولعل من أبرز إنجازات نيتشه المعرفية افتتاح عهد التمييز بين quot;الوعي، واللاوعيquot;، وعبر هذا التمييز يقوم نيتشه بدراسة quot;الحقدquot; دراسة علمية معرفية خارج كل التناولات التي سبقتْه في تناول الحقد، ولعلي هنا أختصر شرح محمد أندلسي لرؤية نيتشه حول quot;الحقد، الوعي الشقيquot;، وذلك عبر المحاور الآتية:
1-سبق نيتشه سيغموند فرويد في التفريق بين الوعي واللاوعي في دراسة الجهاز النفسي للإنسان، حيث تتحدد منظومة اللاوعي بالآثار الذاكرية الدائمة، فاللاوعي عبارة عن حالة القيام باجترار الآثار المتلقاة، وإلى جانب هذه المنظومة التي تهيمن عليها الذاكرة توجد منظومة أخرى للقوى يكفّ فيها رد الفعل عن أن يكون رد فعلٍ على الأثار، ليصبح رد فعلٍ على الإثارة الراهنة وصور الأشياء المباشرة. وذلك يعني أن ضعف ملَكة النسيان يجعل الإثارة تختلط بأثرها في اللاوعي مما يجعل رد الفعل على الآثار يكتسح الوعي فيصبح شيئاً محسوساً. ويكف رد الفعل على الإثارة عن أن يكون مفعولاً به ومن ثم لا تعود القوى الفاعلة قادرة على الفعل فتعجز عن ممارسة نشاطها ويجري فصلها عما تستطيعه. النتيجة إذن هي: أن القوى الارتكاسية تتغلب على القوى الفاعلة حين يحل الأثر محل الإثارة داخل الجهاز النفسي، ويحل ردّ الفعل محل الفعل ويتغلب عليه، وهذا هو معنى الحقد. إنه ردّ فعل يصير محسوساً ويكف في الوقت ذاته أن يكون مفعولاً به، بل إن هذا الحقد هو الذي يحدد في تصور نيتشه المرض بصفة عامة. الحقد إذن هو: اكتساح اللاوعي للوعي، وصعود الذاكرة الأثرية إلى الوعي، بالذات.
2-يعني ما مضى، أن هناك ذاكرتين: ذاكرة اللاوعي، هي ذاكرة الحقد وعرَضها الأساسي هو العجز عن النسيان الذي هو ملَكة ارتكاسية، بينما الذاكرة الثانية، هي ذاكرة الوعي تتجلى كملَكة للوعد تقوم على الكلام. إذن هناك ترابط قوي بين الروح الإنتقامية وبين ذاكرة الأثر الشبيهة بعقدة quot;السادية الشرجيةquot; Sadique anal عند فرويد، حيث يصوّر نيتشه هذه الذاكرة على أنها هضم لا ينتهي، ويعتبر إنسان الحقد على أنه quot;إنساناً شرجياًquot; يقول نيتشه: (إن الروح الألمانية، هي عسر هضم، إنها لا تتوصل لإنهاء شيء، كل الأفكار المسبقة تأتي من الأمعاء لقد سبق أن قلت إن المؤخرة الثقيلة هي الخطيئة الحقيقية ضد الروح القدس) تلك الذاكرة السامة والمعوية وهي التي يرمز لها نيتشه بالعنكبوت وتعني روح الإنتقام. وإذا كان النموذج الفاعل (نموذج السيد) يتحدد بملكة النسيان، وبالقدرة على تفعيل ردود الفعل؛ فإن النموذج الإرتكاسي (نموذج العبد) يتحدد بتضخم الذاكرة وبقوة الحقد وهو يتسم بعدة خصائص:
أ:العجز عن التقدير والمحبة، فالذاكرة الآثارية حاقدة بحدّ ذاتها، وإنسان الحقد يضمر الحقد والكراهية لكل ما يشعر الناس بأنه مدعاة للمحبة، ويعمل على تصغير الأشياء بواسطة تأويلات دنيئة، وهو أيضاً متشائم لا يني يرى الأفخاخ مزروعة في كل الأشياء. فهو خبيث ولديه نيئة الإيذاء.
ب: السلبية في الحقد، حيث تظهر السعادة على صورة مخدر وعطالة واسترخاء للروح والجسد؛ أي باختصار تظهر في صورةٍ سلبية، والسلبية هنا هي انتصار لرد الفعل على الفعل في اللحظة التي يصبح فيها ضغينة، فالإنسان الواقع تحت الحقد لا يحب، ولكنه يريد أن يكون محبوباً، فهو يقدر كل شيء تبعاً للفائدة والمكسب، وعلى حد وصف نيتشه: quot;يمتدح القريب النزاهة، لأنه يحصل منها على مغنمهquot;.
جـ: إلحاق الأخطاء بالآخرين، وتوزيع المسؤوليات والاتهام الدائم للغير، وهذه السمة تحل محل العدوانية، فما إن يخذل الحقد توقعات إنسانٍ حتى يفجّر اتهامات قاسية، فإنسان الحقد: لا يشعر أنه طيب إلا إذا شعر بأن الآخرين خبثاء. فصيغته الأساسية، هي أنت خبيث إذن أنا طيب. وهي صيغة تلخص ما هو جوهري في الحقد بكل سماته السابقة وتدرجه في إطار النموذج الإرتكاسي. يكتب نيتشه في هذا: (ليس الحقد سوى قلب للرؤية التثمينية، فأخلاق العبيد تحتاج دائماً إلى عالم معاكس، وخارجي لكي تظهر).
أ:العجز عن التقدير والمحبة، فالذاكرة الآثارية حاقدة بحدّ ذاتها، وإنسان الحقد يضمر الحقد والكراهية لكل ما يشعر الناس بأنه مدعاة للمحبة، ويعمل على تصغير الأشياء بواسطة تأويلات دنيئة، وهو أيضاً متشائم لا يني يرى الأفخاخ مزروعة في كل الأشياء. فهو خبيث ولديه نيئة الإيذاء.
ب: السلبية في الحقد، حيث تظهر السعادة على صورة مخدر وعطالة واسترخاء للروح والجسد؛ أي باختصار تظهر في صورةٍ سلبية، والسلبية هنا هي انتصار لرد الفعل على الفعل في اللحظة التي يصبح فيها ضغينة، فالإنسان الواقع تحت الحقد لا يحب، ولكنه يريد أن يكون محبوباً، فهو يقدر كل شيء تبعاً للفائدة والمكسب، وعلى حد وصف نيتشه: quot;يمتدح القريب النزاهة، لأنه يحصل منها على مغنمهquot;.
جـ: إلحاق الأخطاء بالآخرين، وتوزيع المسؤوليات والاتهام الدائم للغير، وهذه السمة تحل محل العدوانية، فما إن يخذل الحقد توقعات إنسانٍ حتى يفجّر اتهامات قاسية، فإنسان الحقد: لا يشعر أنه طيب إلا إذا شعر بأن الآخرين خبثاء. فصيغته الأساسية، هي أنت خبيث إذن أنا طيب. وهي صيغة تلخص ما هو جوهري في الحقد بكل سماته السابقة وتدرجه في إطار النموذج الإرتكاسي. يكتب نيتشه في هذا: (ليس الحقد سوى قلب للرؤية التثمينية، فأخلاق العبيد تحتاج دائماً إلى عالم معاكس، وخارجي لكي تظهر).
3-إذا كان الحقد اجتياح اللاوعي لمنطقة الوعي، حيث تصير الآثار الذاكرية صنفاً نموذجياً تتقمص الروح الإنتقامية، وتقوم بعملية اتهام دائم فإن القوى الارتكاسية في الحقد لا تحسم الإنتصار لصالحها إلا بواسطة فصل القوى الفاعلى عما تستطيعه وذلك بتوظيف آلية الوهم والتضليل، لكن الحقد يظلّ مستعصياً على الفهم الشمولي، إذا لم تتم معرفة الكيفية التي تنتج بها القوى الارتكاسية ذلك الوهم وتحت أي تأثير يتم ذلك. إن الوهم هو الذي يكون وراء نمو الحقد لأنه علة التضليل الناتج عن فصل القوة الفاعلة عما تستطيعه وعلة التبخيس المتمثل في الاتهام الذاتي والشعور بالإثم.
تلك كانت خلاصة شرح محمد أندلسي الهام في كتابه المشار إليه وذلك في الصفحات (113-119) وهو شرح لأفكار نيتشه الرئيسية في معنى quot;الحقدquot; الذي قام نيتشه ببحثه مستنداً على التمييز بين الوعي، واللاوعي. وهو شرح أوضح من الشرح الذي خصصه جيل دلوز في دراسته الصلبة عن نيتشه في كتابه (نيتشه والفلسفة)، ولعلي في مناسبة قادمة، أتطرق لشرح دلوز للحقد، أو quot;الاضطغانquot; ndash;حسب مترجم دلوز أسامة الحاج- وأحاول إيضاح التمايزات بين الشرحين.
كاتب سعودي
[email protected]
[email protected]
التعليقات