عبد الجبار العتابي من بغداد: احتفل الفنانون العراقيون بيوم الرقص العالمي، الذي صادف يوم الجمعة29 من شهر نيسان/ابريل، وهي المرة الاولى، التي يحتفل العراق بهذه المناسبة.

جاءت الاحتفالية لتعلن عن تأسيس أول فرقة تقدم الرقص الدرامي تحمل اسم quot;فن الخشبة المعاصرquot;، والتي قدمت في أمسية بغدادية مميزة عرضًا مميزًا ألهب حماس الجمهور الكبير، الذي ملأ قاعة المسرح الوطني في بغداد، وكان العرض بعنوان quot;ندى المطرquot; للفنان المخرج طلعت السماوي عن نصوص لشاكر السماوي، ولطفية الدليمي، وسحر خليفة وأحلام مستغانمي، وجمع فيه موسيقى أصوات الطوارق ومنغوليا وإيقاع المعبد الهندي وميكائيل تاون ونصير شمة وكاهن الكرامور وكيتارا، ساعده الدراما تورج الفنان قاسم السومري، وأدى الادوار التمثيلية الناطقة الممثلون ميلاد سري، وحقي الشوك، وعمر ضياء الدين، إضافة الى مجموعة من الشباب الذين تتقدمهم الفنانة الشابة شيماء جعفر.

طلعت السماوي قال عن العمل إنه quot;يقدم المرأة وعواطفها ما بين الأمنية واليأس،عندما نريد أن نرى جريمة الثقافة الذكورية في المرأة الضحية، والمرأة الحالمة، والمرأة المؤجلة كينونتها)، وأضاف حول تأسيس الفرقة ناطقًا كلمات سيرددها العراقيون كثيرًا مثل (بعدين، انتظر شوية، مو يمي، ما عدنه، اصبر شوية، والله حقكم، الله كريم)، هذا ما صادفنا في طريقنا الذي نسعى فيه الى تأسيس نموذج جديد للفن (فن الخشبة المعاصر) في ثقافتنا العراقية.

وأوضح أنquot;ندى المطرquot; هو باكورة نتاج ورشة بما يقارب شهرين ونصف شهر، أي (350 ساعة تدريب) في الرقص الدرامي، هذه خطوة بدأنا فيها لانجاز مفاهيم معاصرة للمشروع الثقافي، وسنستمر فيه بالمنهج التطبيقي من خلال ورشات التكوين للفنانين الشباب.

العرض كان مميزًا في معظم أجزائه، ولابد من الاشارة الى الحضور الجماهيري الكبير الذي غصّت به قاعة المسرح الوطني، الذي كان جمهورهايصفق بحرارة لكل ما يعجبه، وما اكثر ما كان ذلك، خاصة ان المهارات قدمها الشباب في توظيف الجسد بحركات مؤثرة مذهلة، شدت الابصار اليها، وان كان للبعض ملاحظات حول وجود التمثيل المسرحي داخل العرض، الا ان الصور الآخاذة للوحات الفنية التي قدمها الشباب كانت في غاية الروعة والابداع، كما كان للتقنيات دور في اضافة لمسات ساحرة على العرض.

فيما تمت قراءة البيان التأسيسي لهذه الفرقة، التي تحمل اسم quot;مجموعة الرقص الدرامي العراقيةquot;، وجاء فيها: quot;كان حلمًا، ليكون سعيًاإلى تأسيس مجموعة الرقص الدرامي العراقي، بالرغم من حداثة تجربة الرقص الدرامي عراقيًا، إذ قاربت العشرة أعوام، لكنها كانت كثيفة بإنتاجاتها، ومتفاعلة مع شبابها مع الفنانين، ومتواصلة مع فضاءات الثقافة العراقية، وإن مشروع تأسيس هذه المجموعة رسميًا هو ريادة عراقية في الدول العربية وإضافة ثقافية متميزة في العراق لحاجتنا الدائمة الى التجدد والتنوع، ووعيا منّا لأهمية الثقافة في تطوير طرق الحياة لمجتمعنا وأهمية التكوين والانتاج الابداعي الفني عراقيًا للتواصل مع أحدث ما تقدمه المسارح المعاصرة عالميًا، لاننا منذ بداية مشوارنا ادركنا اهمية التطوير التقني للجسد والحركة والتشكيل عند المؤدّي، ومن خلال الورشات المسبقة لتحضير تأسيس مجموعتنا او مجموعتكم quot;مجموعة الرقص الدرامي العراقيةquot;، تم التدريب على الاسس العلمية العالمية، مثل الرقص الحديث والجاز والاكروباتيك والكابويرا والارتجال الحركي والمايم واليوغا، باعتبار ان الجسد مشترك بشموليته الإنسانية، وهو لغة عالمية، تستطيع ان تلتقي البشرية من خلالها في الكثير من النقاط المشتركة.

واضاف البيان: اننا نرى ان اهمال الجسد، هذا البعد الثالث للانسان والحاضر والمثري دومًا على الصعيد الاجتماعي والنفسي وكذلك الابداعي في عصرنا، سيجعلنا بعيدين عن التطور الاجتماعي المدني الحديث، وللجسد دور محوري ضمن تداخلات المجتمع الحديث وتنوع وتجدد الثقافات في العالم الآن لسهولة التلاقي والتبادل بين الشعوب، مما يجعل للجسد بعد يمثل خصوصيته الثقافية ونقطة البدء في التلاقي الانساني.

كما تمت قراءة كلمة لمناسبة يوم الرقص العالمي، قرأها الفنان محمد طعمة التميمي، جاء فيها: يعتبر الرقص من الفنون القديمة جدًا بتاريخها من خلال الطقوس والشعائر الدينية والاحتفالات الاجتماعية والمرتبطة بالطبيعة وما فوق الطبيعة، ولكن أخذ بعدًا آخر منذ اكثر من 200 عام من التطوير العلمي والتقني للجسد والحركة، يوم الرقص العالمي 29 / 4 مناسبة وتقليد عالمي غير متعارف عليه عراقًيا وعربيًا ومشرقيًا، لاننا ننطلق في علاقتنا مع الفنون والثقافة من دهاليز الماضي والآتي، لذلك نقف في الخطوة السابقة، فالجسد، والحركة، والفضاء، والتشكيل والرقص بتنوع نماذجه من الفلكلورية والاستعراضية والتجريبية تحتاج البحث العلمي والمنهاج التطبيقي لتطوير هذا الفن عراقيًا وعربيًا.
وفي نهاية العرض استطلعنا عدد من الآراء حوله:
قال مخرج (البانتومايم) انس عبد الصمد: الاجمل في هذا العرض هو حضور الجمهور وتفاعله مع العرض. اما المستوى الفني فهو جيد، بدأ العرض بمستوى جيد جدا، لكنه فقد عذريته عندما بدأ الحوار المنطوق، فقاد المشاهدين الى عرض مسرحي اعتيادي.

وهذا خلق جوًا فاصلاً بين الجمهور وبين العرض، وكان بالامكان، وهذا ما كنت اتمناه على طلعت السماوي، ان يضع الفنانة (ميلاد سري) مع المجموعة وليست بعيدة عنها، لكان العرض عالمياً، لكن هناك بعض الزوائد، وهذه وجهة نظري الشخصية، بوجود بعض الشخصيات، وهذه اثّرت على ايقاع العرض الذي كان جميلاً جدًا في البداية، وانا كنت مشدودًا إليه.

لكن حدث قليل من الترهل بسبب الممثلين، الذين كانت حركتهم بطيئة بدون سبب، وأنا معجب جدًا بالمجموعة، وهم ابطال فعلا، ونمّ عن أن هناك تمرينًا وهناك رؤية اخراجية، ومن ايجابيات العرض انه خلق علاقة حميمية مع الجمهور في البداية، لكن ظهور الصور التي بدتكأنها محددة بزمن معين، إذ لم تكن في كل الأزمان، فظهرت كأنها تعبوية.

فيما قال الكاتب والروائي ناصيف فلك: تخيل.. أن هذا التشكيل الجميل أبكاني، للمرة الأولى انا ابكي على المسرح وابكي من خلال الجمال، انه جمال فادح، بحيث جعلني افرح، وارجع الى طفولتي، العب بتماثيل الطين، واجعلها ترقص وتغني، واذا بي ارجع طفلاً من جديد، من خلال هذا العرض الجميل، فأنا سعيد جدًا بما شاهدت.

واضاف: الفكرة تحدثت عن كل ما يدور في العراق، ولكن بشكل مرمز، واشارات واستعارات، وقد وصلت الفكرة إلى الكثيرين بالإيحاء، وليس بالافصاح، وهذا هو الفن، وكان الجمال طاغيًا من خلال نحت الاجساد بهذا الشكل الرائع.

وقالت الفنانة نبراس خضر: إنه عمل مشرف فعلاً، ونحن نستحق مثل هذا العمل، وأنا حضرت هذا العرض الرائع واستمتعت به، فكان المخرج رائعًا، والراقصون رائعين جدًا، ولديهم لياقة غير طبيعية، وكذلك الممثلون، فعلاً العرض مشرف، كما إن فكرة العمل جميلة جدًا، ومزج المخرج بين الماضي والحاضر، ومعظم الاشكال التي شاهدناها من عصور مختلفة، لذلك لا أجد أن اقول إلا أنه عرض جميل جدًا.

اما الناقد المسرحي والممثل سعد عزيز عبد الصاحب فقال: المسرحية كيروغراف مهمة، مسرحية تمثل عذابات ومعاناة المرأة العراقية بشكل درامي راقص مع حضور حشد هائل من الجمهور، الذي كان سبب فرحتي الكبيرة، هذا الجمهور هدية اللحظة هذه. عن العرض فقد اعجبتني لوحتين فقط، هما لوحة الشموع ولوحة الطبول، أنا برأيي أن العمل ما زال بحاجة الى استثمار، والىعمل مضاعف.

وقال الاعلامي علي السومري: هذا جهد يحسب لطلعت السماوي، وخصوصًا جهد الممثلين الشباب الراقصين، فقد تمكن، رغم ادخاله انساق مختلفة كالصوت والحركة والحوار الدرامي، في النهاية بعمل جميل وأسعد الحضور، مؤكدًا أنالعراق بلد نابض بالحياة، خصوصًا العراق الجديد، والثقافة في العالم عمومًا وفي العراق خاصة، تنشؤها جهود فردية، والاحتفال بالرقص العالمي هو جهد فردي لكل فناني العراق، وهذا الاحتفال رسالته واضحة جدًا، وهي ان الرقص والغناء والخمر والدين والصلاة كلها موجودة في بوتقة العراق.

يمكن الاشارة الى ان العديد من الذين حضروا العرض كانوا يطالبون بإعادة عرضه أكثر من مرة، وبثّه من خلال الفضائيات للجماليات العالية التي فيه.