رواية جذلة، ووحشية أحيانًا، تتكلم عن تماسك عائلة أميركية عندما انهار اقتصاد البلاد، إذ وثقوا بالله وحده.

إيلاف: كُتب الكثير من الروايات المثيرة عن نهاية العالم، لكن ليونيل شرايفر تجسّد هذا الخراب في روايتها الثالثة عشرة بمصائر أفراد آل ماندبل، الذين أفلسوا في الأزمة المالية في عام 2009.

آل ماندبل... أو الاقتصاد في رواية

تصل تداعيات الأزمة في رواية شرايفر "آل ماندبل:عائلة، 2029 ـ 2047" The Mandibles: A Family, 2029-2047(400 صفحة؛ منشورات هاربر، 27.99 دولارًا؛ منشورات بورو برس، 16.99 جنيهًا إسترلينيًا) إلى حد تدمير الاقتصاد الأميركي، ونزوح الأميركيين أفواجًا إلى المكسيك.

على الأثرياء السابقين الذين استقروا في فرنسا أن يعودوا الآن إلى بلدهم، لأن الدولار الجبّار انهار، ولم يعد يساوي شيئًا، بل حل محله "البنكور"، وهي عملةً دولية. ومن الجائز أن نُصاب بالدوار، لأن دواخل عالم المال أعقد وأشد هولًا من التراشق بالأسلحة النووية، أو اصطدام الأرض بكويكبات مدمرة. 

لكن شرايفر تتمكن من إيصال رسالتها، وهي تتابع حظوظ شخصياتها ومعاناتهم. وفحوى الرسالة أن الحضارة شبكة هشة، وأن ما نملكه ثمين، حتى إذا كان زوج جوارب.

شخوص مختلفة
آل ماندبل عائلة فائقة الثراء من مانهاتن. ولشيخ العائلة ثروة من النمط القديم، حققها في قطاع الصناعة التحويلية، وابنته إينولا كاتبة معروفة، وصهره لويل اقتصادي في جامعة جورج-تاون. حفيدته فلورنس وحدها التي لم تنجح في الحياة. فهي تعمل في مأوى للمشرّدين، وتعيش مع إيستبان الذي يعمل في دار للمسنين.

جاريد ابن عم صعب المراس، مزارع في ريف الولاية. أما الشخصية الأقرب إلى أن يكون بطل شرايفر فهو ويلنغ ابن فلورنس ذو الثلاثة عشر عامًا، حين تبدأ حوادث الرواية في عام 2029. فهو مراهق سليط اللسان ومعلق لمّاح على هجمة المصائب التي حلت بالأثرياء في آن، وحسن الطوية، لكنه مستعد لانتهاك القانون، إذا اضطر إلى ذلك، ويضطربالفعل إلى ذلك.

مع انهيار الدولار، تتحول الاستثنائية الأميركية إلى بلد يعمّه انعدام القانون واليأس، على الرغم من استمرار مواطنيه في استخدام الهاتف الذكي والانترنت.

تستحضر شرايفر العالم الذي يتعيّن على آل ماندبل أن يتعاملوا معه بكل تفصيلاته: ماذا يستطيعون شراءه؟، كيف يُطعمون أنفسهم؟، ماذا يجب الاستغناء عنه؟، إلى جانب فقدانهم كل ممتلكاتهم إلى أن اختُزل ثراؤهم السابق بمجموعة من الأواني الفضية التي يأخذونها معهم حين يتعيّن عليهم الهروب مشيًا على الأقدام من البيت الذي تجمعوا فيه لأغراض لا تمت بصلة إلى لمّ الشمل.

خيار جائز
تكتب شرايفر عن ويلنغ: "يلتقط ورقة من فئة 100 دولار، لكنها صغيرة، بحيث لا يستطيع النفّ فيها، ولا تكفي قابليتها على الامتصاص لتنظيف نظارته بها... إنها بلا قيمة، لكن ملمسها والعبارات المطبوعة عليها، أثارت فيه حنينًا غير متوقع، فدسها في جيبه".

آل ماندبل يشاركون الكاتبة شرايفر طاقتها، وهم أذكياء، أقوياء، وعلى الرغم من أن فكرة الانتحار قد تخطر ببال القارئ على أنها خيار جائز، بسبب عذاباتهم، فان آل ماندبل يصرّون على مواصلة الصراع من أجل البقاء. 

لا يعني هذا أنهم بذلك يكسبون عطف القارئ. فشرايفر تصوّر آل ماندبل بشرًا حقيقيين، لكنهم أشبه بأصدقاء الأصدقاء، الذي يفضل المرء ألا يراهم إلا في المناسبات الكبيرة. هم في البداية آمنون قانعون بأنفسهم، ينتمون إلى شريحة الواحد في المئة الأكثر ثراء. ثم تنزل عليهم الصاعقة حين يعلن الرئيس الفارادو، الذي يلقي خطاباته بالإسبانية أولًا، ثم بالإنكليزية، تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها وتنفيذ التزاماتها المالية، ويقرر تأميم حيازات الأميركيين من الذهب، بما في ذلك خواتم الزواج.

وفي هذا النصف من الرواية يجد آل ماندبل، الذين مُحيت ثروتهم، نتيجة الإعلان، أنفسهم محشورين في بيت فلورنس المزدحم أصلًا في بروكلين، يتخاصمون وينظّرون بشأن سقوط العائلة والبلد.

عاليه سافله
النصف الثاني من الرواية يأخذنا إلى المستقبل، حيث نتابع العائلة ترحل عن نيويورك، وتحاول إعادة ترتيب أوضاعها في عالم انقلب عاليه سافله. وهنا ترينا شرايفر العالم بدلًا من أن تترك شخصياتها ترينا إياه.

يكتسب الصوت السردي قوة وثقة حين تقول: "لا أحد إكترث بالكريسماس، وفي عيد ميلاد ويلنغ السادس عشر، صنعت له أمّه كعكة من الورق المقوّى". 

تنتهي الرواية بصورة حيّة لأميركا، وقد أُعيد بناؤها في ظل مراقبة مهووسة برصد تحركات المواطنين. ويتضافر ذكاء المؤلفة مع فكاهتها السوداء، وقفزات مخيلتها الشرسة، لجعل هذا الكتاب رواية مقلقة، بقدر ما هي مسلّية في تصويرها الانهيار الكارثي للحلم الأميركي.