علق الأستاذ عبد المنعم سعيد في quot;الشرق الأوسطquot; على استطلاعات أميركية تظهر انحسارا في شعبية أوباما بين الشعب الأميركي. الكاتب الفاضل ينسب جزءا كبيرا من الظاهرة للموضوع الاقتصادي والمالي- أي استمرار معدلات البطالة ازديادا مروعا، فضلا عن استمرار فقدان البيوت والشقق.
بادئ ذي بدء، نرى أن قسطا وافرا من quot;سحرquot; أو quot;كاريزماquot; أوباما يعود - وعدا حملة الدعاية التي كلفت مئات الملايين - إلى عمليات أبلسة بوش على أوسع نطاق، داخل أميركا وفي العالم، وربما لو كانت هيلاري هي الرئيسة، لكانت لها هي الأخرى كاريزما خاص بها، كأول امرأة تقود الدولة العظمى.
لعل مسئولية أوباما في الموضوع الاقتصادي ndash; المالي هي الأدنى، سوى تفاؤله المبالغ به: فالأزمة عميقة جدا، وتتطلب الوقت والصبر للخروج من نهاية النفق تماما.
إن معضلة اوباما الحقيقية هي ضياع البوصلة في السياسة الخارجية، وأوهامه بالقدرة على حل مشاكل العالم بسحر المنطق، وقوة البلاغة، ولغة الإقناع- أي سحر الدبلوماسية الرقيقة.
هذا الضياع يتجلى بوجه مركّز في الموقف من إيران، وإصرار أوباما على ترك الوقت لتستغله إيران في الطريق نحو القنبلة. إن نظام خامنئي ndash; نجاد ndash; باسداران لم يستجب قيد شعرة ليد اوباما الممدودة، بل اعتبرها ضعفا واستجداء دولة هي في أزمة عميقة. إن سياسة اوباما الإيرانية سوف تنتهي أخيرا بالقنبلة، ما لم يجرِ تعديلها جذريا. وللعلم، فإن لمستشاري الرئيس الأميركي ما يسمونها الخطة [ب]، أي السماح لإيران بمواصلة التخصيب بشرط وعودها بعدم صنع القنبلة, مع أن المواصلة هي طريق القنبلة. وربما حينئذ سيريدون quot;ضماناتquot; إيرانية بعدم استعمال قنبلتها!! بعبارة أخرى، احتمال التأقلم مع قنبلة إيران بشروط!
ومن أوهام أوباما الإيرانية، [وهنا تشاركه فرنسا]، الوهم بإمكان فك التحالف الإيراني السوري، بتقديم التنازلات والمغريات لنظام الأسد. هذا مجرد وهم خطير آخر، [ ربما سنعود لتناوله في مقال خاص]. ونذكر هنا فقط بأن أوباما ومسئولين آخرين اعترفوا بأنه لا تزال هناك quot;جوانبquot; في سياسة دمشق غير مرضية، والقيادات العسكرية الأميركية تؤكد أن quot;المقاتلينquot; [أي الإرهابيين]، لا يزالون يتسللون للعراق من سوريا، وقد أكد ذلك للتو مقتدى الصدر بزيارته لدمشق، ومقابلة الأسد، وتصريحات مساعديه بأن الغرض هو الاتصال بquot;المقاومة العراقيةquot; للتنسيق ضد quot;الاحتلالquot; ndash; بالطبع هو تنسيق سوري ndash; إيراني.
مشكلة روسيا هي الأخرى تحيِّر اوباما، وهي نقطة أشار لها الأستاذ عبد المنعم سعيد. إن ما حصل من توتر مع روسيا لم يكن سببه بوش، بل غزو جورجيا، والتوتر حصل أيضا مع الاتحاد الأوروبي. إن روسيا لن تقبل بغير تخلي أميركا عن مشروع الدرع، الموجه لحماية الأمن من الدول الخارجة عن القانون والراعية للإرهاب، وكذلك من منظمات الإرهاب كالقاعدة، وليس ضد روسيا. وروسيا تعتبر زيادة تقرب الجمهوريات السابقة مع أميركا والأطلسي تهديدا مباشرا لها. كما لا نعتقد أنها ستكف عن تزويد إيران بالسلاح والتقنيات النووية.
أما في موضوع السلام في الشرق الأوسط،، فقد ركز أوباما على موضوع المستوطنات، الذي تقدم عنه إسرائيل رواية أخرى بالحديث عن تعهدات أميركية سابقة في أنابوليس. لا نعرف الحقيقة، ولكن موضوع المستوطنات، برغم أهميته الكبيرة، لا يجب أن يحل محل المطالبة، قبل كل شيء، بحل عادل شامل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، مما يستدعي الضغط المتواصل على كل الأطراف في وقت واحد، علما بأن رفض الحل الشامل العادل لا يأتي فقط من جانب المتطرفين الإسرائيليين، بل أيضا من حماس والجهاد وحزب الله، ومن وراء هذه الأطراف إيران وسوريا، وإيران بوجه أخص. لقد أعاد أوباما انتقاد إسرائيل أمام المؤتمر اليهودي الأميركي، ولكنه في الوقت نفسه تحدث عن quot;عدم شجاعة العربquot; في قضية السلام، وعن quot;فقدان الفلسطينيين للقيادةquot;. ونسمح لأنفسنا أن نقول معه، وبكل ألم، كيف يسهل الوصول لحل عادل وحماس تواصل تخريب كل محاولة للمصالحة، التي طال انتظارها وربما سيطول، وهو موقف يذكّرنا بتعطيل حزب الله اللبناني لتشكيل حكومة لبنان بعد الانتخابات وحتى اليوم؟!! ونشير لمدلول الإدانات العربية لمقال ولي العهد البحريني في quot;واشنطن بوستquot;، والتي قال فيها:quot; نحن العرب لم نفعل ما فيه الكفاية للتواصل مباشرة مع الشعب الإسرائيلي.quot;
أجل، معضلة أوباما هي الحيرة بين تعدد الاجتهادات، وتجاذب المواقف بين مستشاريه لحد محاولة تهميش هيلاري كلينتون، التي لديها رؤية أكثر صفاء وواقعية تجاه مشكلة إيران والمشاكل الدولية عموما. وقد علقنا مرارا على مجاملات الرئيس الأميركي مع قوى وأنظمة التطرف من غير نتيجة غير زيادة إصرارها على مواصلة نهجها في التوتير والهدم. كما استعرضنا مقالات أميركية تتهم الرئيس الأميركي بممارسة سياسة بهدلة مركز الولايات المتحدة العالمي؛ وقد كتب أحد كتاب quot;الواشنطن بوستquot; مقالا عنوانه: quot; إنها بلادك أيضا، سيدي الرئيسquot;!
ألا إن لكل سحر حدودا !

22 تموز 2009