ايلاف من جنيف:&في خلال الجلسة السنوية التي يعقدها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في شهر سبتمبر من كل عام، ألقى الأمير الأردني زيد بن رعد الحسين، المفوض السامي لحقوق الانسان في الأمم المتحدة كلمةً كشف فيها أن عددًا متزايدًا من الحكومات حول العالم تضيّق على مراقبي الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وتمنعهم من مزاولة عملهم بحجة رفضها التدخل في شؤونها الداخلية. من بين هذه الدول تركيا والصين والفلبين التي تعيق أعمال المراقبة المستقلة التي تؤديها مفوضية حقوق الانسان الأممية، أو حتى تمنعها تمامًا.

لا تشكيك

أضاف الأمير زيد في افتتاح أعمال الدورة 33 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف الثلاثاء: "ربما يصل الأمر في هذه الدول إلى إغلاق مكاتبنا، لكنها لن تستطيع أن تخرسنا، بل على عكس ذلك، يثير الجهد المبذول لتجنب التدقيق المشروع في مهماتنا أو رفضه سؤالًا واضحًا: ماذا تريدون أن تخفوا عنا؟".

وأعرب الأمير زيد عن قلقه البالغ من مظاهر التشكيك داخل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان في صدقية التقارير التي يصدرها في شأن حقوق الانسان في العالم، بالزعم أنها منحازة أو مضللة أو غير مسؤولة أو مبنية على أسس باطلة أو كاذبة.&

قال: "تهدف تقارير المفوضية في المقام الأول الى المساعدة في الارتقاء بحقوق الانسان والمساعدة في أعمال القانون، وهذا ليس تدخلًا في شؤون الدول الداخلية، إذ تتم وفق معايير الامم المتحدة وميثاقها والاتفاقات الدولية التي صادقت عليها دول العالم علانية.

وشدد الحسين في كلمته على أهمية حماية حقوق الإنسان في الصراعات التي يطول أمدها، وفي الأراضي غير المعترف بها قانونًا، أو المتنازع عليها والتي يعيش فيها ملايين الناس، تكتسيهم حال من التشكك وعدم اليقين.

انتقادات بالجملة

انتقد الأمير زيد في كلمته الحكومة التركية التي ترفض مهمات المراقبة الأممية في الأقاليم الكردية المضطربة، وكشف أن الحكومة الصينية بحثت مع المفوضية السامية لحقوق الانسان في المهمة التي تؤديها المفوضية، وذلك طوال أحد عشر عامًا ماضيًا.

وقال المفوض السامي: "على الرغم من التعاون المستمر مع الحكومة التركية، فإنها لم تسمح للمفوضية والمراقبين بالنفاذ إلى هذا جنوب شرق تركيا للوقوف على الانتهاكات التي تحدث هناك، فمفوضية حقوق الإنسان أنشأت آلية موقتة للرصد في جنيف وسوف تتابع مراقبة الوضع في تركيا على هذا الصعيد".

وانتقد الأمير زيد الحكومة الإيرانية، وقال إن مكتبه لم يحظَ بتعاون إيراني منذ عام 2013، كما أن نداءات المفوضية السامية لحقوق الإنسان والخبراء في شأن إعدام أعداد كبيرة من الأشخاص في إيران، بينهم قصّر، لم تلقَ استجابة، معربًا عن أسفه من ذلك ومسلطًا الضوء على التقارير التي تتلقاها المفوضية عن المشكلات الأساس في نظام العدالة الجنائية، ومزاعم التمييز، وملاحقة الأقليات الدينية والإثنية، والقيود المفروضة على المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والمحامين، والتمييز الحاد ضد المرأة.

وطلب المفوض الأممي السامي لحقوق الانسان من الحكومة الفلبينية أن تتيح فرصة العمل الأممي في بلادها، حيث تعرض مئات من المشتبه بهم في تجارة المخدرات للقتل، في إطار حرب ضروس يشنها الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي على المخدرات.

استياء أممي

أعرب المفوض السامي عن استياء أممي من رفض حكومة الولايات المتحدة الأميركية المستمر دخول المقرر الخاص للمفوضية المعني بالتعذيب إلى معتقل غوانتنامو، وإجراء مقابلات سرية هناك، على الرغم من وجود انتهاكات خطرة مبلغ عنها تجاه المعتقلين منذ فترة طويلة. وقال: "الولايات المتحدة تستخدم تكتيكات للمراوغة ولمنع نفاذ الخبير الأممي إلى المعتقل لرصد ما يجرى فيه".

وانتقد الأمير زيد أيضًا رفض الحكومة الهندية زيارة موظفي المفوضية الجزء الذي تُديره من إقليم كشمير، على الرغم من وجود تقارير عديدة في شأن استخدام السلطات الهندية هناك القوة المفرطة ضد السكان، ووقوع عدد كبير من القتلى والجرحى، قائلًا: "أنا مقتنع أن وجود بعثة محايدة ومستقلة أمر مهم وضروري لتفنيد مزاعم الاتهامات المتبادلة بين الهند وباكستان في هذا الموضوع، وأدعو حكومتي البلدين إلى السماح بنفاذ غير مشروط لموظفي المفوضية إلى المنطقة"، لافتًا إلى أن باكستان دعت من جانبها إلى زيارة الجزء الذي تديره من كشمير.

وتناول الحسين أيضًا رفض سلطة الأمر الواقع في شبه جزيرة القرم في أوكرانيا فتح مكتب لبعثة من المفوضية هناك، وقال إنه سيواصل رصد الوضع في القرم لمعرفة حقيقة ما يجري. كما انتقد لجوء السلطات في البحرين الى قمع الاحتجاجات الجماهيرية طوال الأعوام الماضية. وقال: "اثبتت السنوات الماضية بكل وضوح أن النتائج كارثية عندما تحاول الحكومات قمع شعبها بدلًا من الاستماع إليه".

قاتل شعبه

في كلمته نفسها، دان مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الممارسات الهمجية التي ينتهجها &نظام الأسد في سوريا، وقال: "سوريا دولة يقودها طبيب، لكن يعتقد أنه استخدم الغاز ضد شعبه، وهاجم المستشفيات، وقصف المناطق السكنية بشكل عشوائي، ويحتجز عشرات الآلاف من المعتقلين في ظروف غير إنسانية، وأنا لا أجد الكلمات الكافية لإدانة مثل هذا".

وأكد الأمير زيد أن المفوضية ترفض هذا الوضع، وتتهم النظام في سوريا بأنه مسؤول عن بعض أخطر الانتهاكات في تاريخ مجلس حقوق الإنسان.

وأشار الأمير زيد إلى أن إخفاق مجلس الأمن الدولي في إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية مثال على "أكثر أشكال الواقعية السياسية خزيًا"، مضيفًا: "في عقول كثيرين، القوى العالمية الكبرى بالفعل متواطئة في التضحية بمئات الآلاف من البشر وتشريد الملايين، ولا يوجد حاليًا ما يُجبر أيًا من مجرمي الحرب الكثيرين في سوريا إلى التوقف عن المشاركة في دوامة القتل التي تبتلع البلاد".

وفي ما يخص اليمن، أكد المفوض السامي لحقوق الانسان أن لمكتبه نفاذاً كاملاً وواسع النطاق في اليمن، لكن الجهة الوطنية اليمنية التي تولت التحقيق كانت عاجزة عن تقديم تحقيق محايد للانتهاكات الخطيرة، وأوصى المفوض بتحقيق شامل تجريه هيئة دولية مستقلة.