أمر فلاديمير بوتين جيشه بالخروج من سورية في خطوة قرأها كثيرون أنها تشي بنهاية النظام السوري والحرب التي بدأت قبل 5 أعوام، في تسهيل للمفاوضات التي تتناول الانتقال السلمي.
&
من نافل القول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رجل لا يمكن توقع مفاجآته. فلا أحد توقعه آمرًا قواته الأساسية المنشرة في سورية بالانسحاب من الميادين، وترك الأراضي السورية برمتها. ولا شك أن مستشاريه منكبون على دراسة تداعيات هذا القرار المفاجئ، وعلى صوغ الدراسات التي تبيّن أن الجيش الروسي ينسحب اليوم من سورية بعدما تمكن فعلًا من تحقيق الأهداف التي رسمها بوتين نفسه لتدخله في سوريا.
&
تحققت
حين وصلت القوة الجوية الروسية إلى سورية في أيلول (سبتمبر) الماضي، كان ثلاثة من أهداف بوتين واضحة للجميع: الأول، إنقاذ بشار الأسد من الإنهيار بعدما فر جيشه من إدلب وجسر الشغور على حدود اللاذقية؛ الثاني، إعادة الاعتبار لروسيا قوةً إقليمية ودولية عظمى لها أثرها الكبير في مسار الأزمات الشرق أوسطية خصوصًا بعد الفشل الغربي-الأميركي في مغامراتها في العراق وليبيا؛ والثالث، نية بوتين تلقين الغرب درسًا لا ينساه ثأرًا من تدخله في الأزمة الأوكرانية.
&
بعد أيام من وصولها، باشرت القوة الجوية الروسية قصف معارضي الأسد السنة في الحزام المحيط بالعاصمة السورية دمشق، وعلى حدود المنطقة الموالية للأسد في شمال غرب سورية، بدلًا من قصف مقرات تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» ومراكزه والجبهات التي ينتشر فيها، على الرغم من أن ذلك كان الهدف المعلن من التدخل الروسي في الأصل.
&
في موازاة ذلك، استخدم بوتين مفاوضات جنيف ستارًا كي يتغاضى عن مصالح مشتركة بين الأسد و«داعش». وهذا أظهر الغرب عاجزًا عن دعم المعارضين السنة، الذين دعمتهم الولايات المتحدة والسعودية وتركيا في حربهم ضد الأسد.&
&
ما الخطوة التالية؟
&
إستعاد النظام بعض المناطق التي كان خسرها، ما أدى إلى موجات جديدة من النزوح في اتجاه الأراضي التركية. كانت سياسة بوتين السورية ترفد سياسته الأوروبية الرامية إلى تفسيخ أوروبا، من خلال بذر الخلاف بين دول الاتحاد الأوروبي مستخدمًا أزمة اللاجئين سلاحًا فاعلًا في ذلك.
&
إلى ذلك، تمكن بوتين من رد الصاع صاعين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من خلال إرهاق بلاده بمزيد من اللاجئين من جهة، وبدعمه الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة ليحتلوا مناطق محاذية للحدود التركية.
&
حسنًا.. هذا كله قد تحقق، فما هي خطوة الكرملين التالية؟ يصادف الانسحاب الروسي من الميدان السوري إستئناف محادثات السلام في جنيف. وعلى الرغم من وقف النار الصامد على الجبهات السورية، تبدو هذه المفاوضات في حال سيئة، حتى لو ردد بوتين أن هدفه الأول والأخير تعبيد الطريق أمام انتقال سياسي خارج حال الحرب في سورية.
&
إيران أيضًا
&
يعرف بوتين أن الأسد لن يبقى طويلًا في رئاسة سورية، فنظامه الأقلي ارتكب مجازر جماعية بحق الأكثرية السنية في البلاد. يفكر بوتين: "لم استعداء السنة في سورية والشرق الأوسط، وحتى داخل الأراضي الروسية إذًا؟" فروسيا، شأنها شأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية، تخشى فعلًا عودة «المجاهدين الاسلاميين» من سورية والعراق إلى دولهم التي تدور في الفلك الروسي، علمًا أن أغلبية مقاتلي داعش من «المجاهدين» الآتين من خارج سورية، وبينهم كثر من الشيشان.
&
إيران، من جانبها، تفكر من المنطلق "الروسي" نفسه، وصارت ترى أن ارتباطها بنظام الأسد قد يعوق سعيها إلى أن يتقبلها الغرب والعرب السنة قوة إقليمية شرعية. ويبدو أن هذا كان محور اللقاءات التي عقدها وزراء روس وإيرانيون في طهران وموسكو في شباط (فبراير) الماضي.&
&
الفرضيات كثيرة، لكن بوتين وحده يعرف إن كانت الحرب السورية قد انتهت.​