تكتب بيغي نونان في صحيفة "وول ستريت جورنال" أن أميركا اليوم بحاجة ماسة إلى شخصية أو برنامج أو حزب يوحدها، لكن مثل هذا المنقذ لا يلوح في الأفق المرئي، وأن دونالد ترمب يُفقد إعلاميين أميركيين كبارًا رصانتهم، ولا بد من استعادة هذه الرصانة.


إيلاف من واشنطن: ما تشهده أميركا اليوم ليس انقسامًا، بل قطيعة بين مؤيدي الرئيس دونالد ترمب ومعارضيه، بين اليمين واليسار، بين الحزبين الرئيسين، بين المتدينين وغير المتدينين، بين التقدميين في الثقافة ومن لا يريدون فرض اساليب تقدمية عليهم، بل حتى بين مشاهدي التلفزيون الذين يفضلون برامج مختلفة.

تكتب بيغي نونان في صحيفة وول ستريت جورنال قائلة: "يستهين بعضنا بالبعض الآخر، ويخاف بعضنا من البعض الآخر، بل يكره بعضنا البعض الآخر بصورة متزايدة". 

لا منقذ

كانت نونان قد قالت في حديث تلفزيوني في اوائل تسعينيات القرن الماضي إن الولايات المتحدة مأهولة على نحو متزايد بسكان ليسوا متوازنين نفسيًا، لا تضحكهم الفكاهة لكنهم يجدون إثارة في العنف، وخصوصًا الشباب. فالاميركيون لا يملكون الكوابح والمحرمات المتأصلة في تكوين شعوب أرسخ وجودًا منهم في العالم. وهذا ما يجعل صور العنف خطيرة ومدمرة. فالفن هو الفن، والرقابة اعتراف بالهزيمة، والتقدير السليم والإحساس بالمسؤولية هما الحل، بحسب نانون، مشيرة إلى أن ما يحدث في أميركا اليوم هو "استثارة غير المتوازنين، لا بالصور فحسب، بل بالكلمات ايضًا، وعلى المنابر كلها، وفي المنتديات كلها". 

يلاحظ مراقبون وجود استقطاب حاد في المجتمع الأميركي اليوم، وكراهية متزايدة في واشنطن بوصفها حلبة الصراع الرئيسية بين السياسيين. وتتسم الأجواء الاعلامية والثقافية على الأخص بالشحن والتحريض، سواءً في الاخبار أم في الترفيه.

ترمب هشمني

تبدت هذه الأجواء أخيرًا في تشبيه ترمب بقيصر في عرض لمسرحية شكسبير المأساوية في حديقة سنترال بارك وسط نيويورك، فيما ظهر مقدم برنامج ديني على التلفزيون ليصف رئيس الولايات المتحدة بأنه "لطخة عار على جبين الرئاسة"، وتساءل آخر إن كان الرئيس يريد التحريض على ارتكاب هجوم إرهابي بهدف الكسب السياسي. وذهب بعض المعلقين إلى حد استخدام البذاءات على الشاشة الصغيرة.

ثمة كثيرون في وسائل الإعلام ما عادوا يحرصون على التظاهر بالموضوعية والحياد والتوازن، لأنهم يرون في ترمب خطرًا فريدًا على الولايات المتحدة، ويعتقدون أن واجبهم الوطني يحتم عليهم اتخاذ موقف معارض له، لا محايد. فهم لا يؤيدون سياساته، وبالتالي ينظرون إلى الحياد الصحفي على أنه نفاق.

بعدما نشرت الممثلة الاميركية كاثي غريفين صورة على تويتر تحمل فيها رأسًا ملطخًا بالدم يشبه رأس ترمب، ظهرت في مؤتمر صحفي لتقول باكية: "ترمب هشمني".

تكتب نونان: "هشمها ترمب حقًا لأنه سلبها إحساسها بالتروي ومراعاة الحدود في احكامها، فإننا نرى جيلًا من الاعلاميين الاميركيين الذين فقدوا رصانتهم تحت ضغط ترمب التاريخي، وآن الأوان لاستعادة هذه الرصانة". 

هو البادئ

تتهم نونان شخصيات اعلامية كبيرة، لم تذكر اسماءها، بأنها "تُظهر للشباب ما يفعله كبار محترمون تحت الضغط، وهو فقدان توازنهم وادراكهم لموقعهم بوصفهم قدوة". تقول: "بمدارة غضب جمهورهم، ينشر هؤلاء الغضب ويصورون أنفسهم شجعانًا لقيامهم بذلك"، لوقوفهم بوجه الرئيس وتحديهم له وقول الحقيقة بوجهه.

لكن أي شجاعة؟ جمهورهم يحب ما يقولونه وشعبيتهم تتزايد ويحصلون على عقود أفضل. وهذه ليست شجاعة، بحسب نونان، رافضة حجتهم بأن ترمب هو البادئ، وهو الذي جرّ السجال السياسي إلى هذا المستوى المتدني، وبالتالي هو المسؤول. 

تتساءل نونان: "هل تردُّون على شخصيته المنحطة بالحط من شخصيتكم؟" 

تختم نونان بمخاطبة هذه الشخصيات الاعلامية قائلة: "إنهم بحاجة إلى تذكيرهم بأنهم ينتمون إلى شيء هو نحن"، داعية إلى تحمل قسطهم من المسؤولية بتهدئة الأجواء بدلًا من تأجيجها.