ثمة امرأة اليوم تمسك بزمام البيت الأبيض، تسدي المشورة لدونالد ترامب بعدما قادت حملته الانتخابية إلى الفوز، لكن يبدو أن العرب يجهلونها تمامًا.
&
لكل رئيس شخص أو شخصان يكونان الأقرب إليه، يؤثران في قراراته التي تتصل بمصالح أميركية حيوية في داخل الولايات المتحدة وفي خارجها. في عهد باراك اوباما، كانت فاليري غاريت، كبيرة مستشاريه، هي صاحبة التأثير والنفوذ الأبلغ، وكانت أول من يراه الرئيس وآخر من يتحدث معه قبل اتخاذ أي قرارات كبيرة.
&
يجهلونها
لم تكن هذه المرأة المهمة معروفة على نطاق واسع للدبلوماسيين والمسؤولين العرب الذين يأتون إلى واشنطن. لكنّ الأميركيين المتحدرين من أصل ايراني كانوا يعرفونها جيدًا، ويستطيعون الوصول إليها، حتى أن كاتب خطاباتها كان في الحقيقة أميركيًا - إيرانيًا.
في عهد الرئيس المقبل دونالد ترامب، هناك ايضًا امرأة ذات نفوذ واسع انتشلت حملته المتعثرة وقادته إلى الفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. إنها كيلي آن كونواي التي سيطلب البيت الأبيض مشورتها في القرارات الكبيرة كلها. وعلى غرار غاريت، يكاد الدبلوماسيون والمسؤولون العرب يجهلونها تمامًا.
ستصبح كونواي، وهي أول مديرة حملة انتخابية تفوز بانتخابات رئاسية، "مستشارة للرئيس" في 20 يناير، يوم يصبح دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة.
وتقول من دون أي تعبير على وجهها: "هل تريد أن تسمع عن القدر؟ أنا من مواليد 20 يناير 1967 وسأبلغ الخمسين من العمر يوم تنصيب الرئيس، يوم أدائه القسم الرئاسي. وللأمانة، اعتقد أن عائلتي مرتاحة جدًا إذ سيكون عليها التفكير في إقامة حفلة على شرفي".
&
السياسة في الصغر
على الرغم من أن كونواي دخلت الآن أروقة السلطة ، فإنها تبقى وثيقة الارتباط بالأصول العمالية لعائلة ايطالية من أربع نساء تولين تربيتها بإمكانات مالية محدودة واحساس بوجود فرص غير محدودة. وجاءت إلى السياسة حين كانت في المدرسة الإعدادية وكلفتها صحيفة محلية بتغطية مؤتمري الحزبين الديمقراطي والجمهوري من خلال متابعتهما على التلفزيون. وجاءت صحوتها السياسية مع ترشّح رونالد ريغان للرئاسة. تقول: "استمعتُ إلى ريغان فكان مختلفًا، بالمعنى الحرفي للكلمة، عمره أربعة امثال عمري ومن ساحل مختلف. ومع ذلك تواصلتُ معه على الفور. كانت رسالته ملهمة ورؤيوية وايجابية، استنهاضية ومتفائلة".
بعد الجامعة، كانت كونواي ناجحة في عملها بوصفها خبيرة استطلاعات تعمل مع زبائن مثل شركة أميركان اكسبريس ومع سياسيين محافظين مثل رئيس مجلس النواب السابق نيوت غينغريتش ومايك بنس الذي كان وقتذاك عضوًا في الكونغرس عن ولاية انديانا. وتخصصت في استطلاع الآراء وتحليل الاتجاهات والاتصالات.
بدأت علاقتها بترامب قبل أكثر من 15 سنة حين ابتاعت مع زوجها، جورج تي. كونواي، شقة في برج ترامب العالمي قرب الأمم المتحدة: "كنتُ عضوًا في مجلس ادارة المبنى وهناك عرفته. فهو شديد الارتباط بأبنيته. كان يعرف انخراطيا في السياسة فكان دائمًا يسألني عن رأيي".
&
أسوأ الأيام
تحولت كونواي من خبيرة استطلاعات إلى مديرة حملة في 10 اغسطس، اليوم الذي تصفه باليوم الذي هبطت فيه حملة ترامب إلى أدنى مستوياتها. تقول: "أسوأ ايام الحملة هو اليوم الذي سبق يوم تسلمي ادارتها. كان 11 اغسطس، وكان يوم خميس، وخرجتُ في جولة مع الحاكم بنس الذي أكن له كل المودة، وكان زبونًا وصديقًا لي منذ عشر سنوات".
تتحدث كونواي باستفاضة عن مرض تسلل في تنظيم الحملة بأكمله وكان العاملون في الحملة يتساءلون بصوت عالٍ: "هل من جدوى؟ هل نستطيع الفوز؟ من المسؤول؟"
وقتذاك، تردد أن علاقة بول مانهوف، مدير حملة ترامب الثاني بعد كوري ليفاندوفسكي، لم تكن على ما يُرام بالمرشح، وكان هناك تلميح إلى عمل سياسي قام به في أوكرانيا.
وحين ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن مانهوف ربما قبض مالًا من حزب سياسي يرتبط بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أفادت تقارير أن الأجواء في الحملة بدأت تتلبد ويدب فيها اليأس.
في اليوم التالي، عادت كونواي إلى برج ترامب لتساعد في تصوير شريط فيديو كان ترامب يقدم فيه "اعلانات ونداءات مختلفة ورسائل مسجلة على الفيديو إلى مجموعات كانت تعقد اجتماعات لا يتمكن من حضورها".&
وكانوا يعملون على ذلك منذ ساعة وعلى وشك المغادرة إلى بنسلفانيا حين طلب ترامب من الجميع أن يغادروا الغرفة باستثنائها هي. غادروا، فسألته عما يجري. وقالت له: "أنتَ تتنافس مع أكثر الأشخاص اكتئابًا في التاريخ السياسي الرئاسي، ويبدو انك لم تعد تجد في ذلك متعة".
&
تقول له "لا"
أصر على أنه ما زال يتمتع بحملته لكنه اعترف بالحنين إلى أيام الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري حين كان يتجول في انحاء البلاد ويلتقي بالناس. "قلتُ "حسنًا، هذه الأيام انتهت لأنها ليست انتخابات تمهيدية بل انتخابات عامة. ولكن انصافًا لك يا سيدي، لنجد طريقة نكرر بها ذلك ونضعها في السياق المناسب لانتخابات عامة". وحينذاك عرض ترامب عليها أن تكون مديرة حملته.
تؤدي كونواي دور قلة تعتبره ممكنًا، ناهيكم عن تطيرها من القيام به، وهو ألا تكون "تابع" ترامب. وتعتقد كونواي أن كل زعيم يحتاج إلى شخص يستطيع أن يخبره حين تكون لديه فكرة سيئة ويمكن وقفها. وتقول إن للقادة الكبار شخصا قادرا على أن يقول لهم "لا"، وكونواي تقول انها تفعل ذلك على الرغم من أن آخرين يعتقدون انها "تقوم بتجميل الأشياء لا أكثر". تقول: "حين تكون مع الرئيس عليك أن تقول له الحقيقة، سواء راقت له أو لم ترق". &
وعلى الرغم من أن كثيرين ربما يظنون أن مقاربة كونواي في قول الحقيقة يمكن أن تُغضب ترامب فهي تقول "إن العكس هو الصحيح في الواقع، واعتقد أنه بسبب علاقتنا ومدى احترامي له، يسمح لي بنقل رسالة واضحة حين أشعر أن ذلك في مصلحته. ويمكنك أن تفعل ذلك باحترام طالما يكون دقيقًا وذكيًا وفي محله". &
&
قائد جيد
كونواي مستعدة لانتقالها إلى البيت الأبيض، وهي تعتقد أن ترامب سيثبت أنه قائد جيد: "انه يحقق تلك الرغبة التي عاهد نفسه عليها بأن يرفع إلى الرئاسة شخصًا أصاب نجاحًا منقطع النظير خارج ميدان السياسة. وهو بصفته رئيسًا سيحقق ذلك الوعد للشعب برئاسة ناجحة جدًا. وأنا أتطلع إلى القيام بدوري في المساعدة على إنجاح هذه الرؤية، والنهوض بالشعب الاميركي".
باختصار، اظهر العرب انهم لا يفهمون واشنطن أو رافعات السلطة فيها، تحديدًا الكونغرس. وتبدَّى هذا باصدار قانون جاستا الذي يسمح للمواطنين الاميركيين بمقاضاة الحكومة السعودية عن هجمات 11 سبتمبر. وحري بالعرب أن يفهموا من الأشخاص الذين يؤثرون في صانعي القرار في البيت الأبيض والكونغرس. ولنتذكر أن ريغان، بحكم نفوذه وعلاقته الطيبة بالملك السعودي الراحل فهد، أوقف محاولات اسرائيل في الكونغرس لمنع بيع طائرات أواكس إلى السعودية خلال رئاسته. وإقامة علاقة قوية مع كونواي وشخصيات أخرى ذات نفوذ،مثل وزير الدفاع ووزير الخارجية والرئيس نفسه، صانع القرار الأخير، ستعود بنفع كبير على العرب وتؤثر في السياسة الاميركية في شأن الشرق الأوسط نحو الأفضل.
&
التعليقات