إيلاف من الجزائر: تعالت الأصوات في الجزائر من جديد للمطالبة باستعمال اللغة العربية في جميع الوثائق الإدارية مثلما يلزم القانون، والتخلي عن استعمال لغة المستعمر الفرنسية التي تظل تهيمن على معاملات عدة قطاعات في البلاد.

وينص الدستور الجزائري على أن العربية والامازيغية لغتان وطنيتان ورسميتان، غير أن البلاد التي استقلت في 5 يوليو 1962 لم تتخلص إلى اليوم من استعمال اللغة الفرنسية في المعاملات الإدارية وفي خطاب المسؤولين رغم تراجع التحدث بها عالميا.

قرارات 

وعاد الحديث عن تعريب الإدارة الجزائرية، خاصة في قطاع الاقتصاد والمال بعد القرار المتخذ من طرف وزارة البريد وتكنولوجيا الإعلام والاتصال ومؤسسة "سونلغاز" الطاقوية، والقاضي بالشروع في استعمال اللغة العربية في فواتير الكهرباء والغاز وإلغاء الفرنسية من وثائق قطاع البريد.

في 5 يونيو الماضي، قررت وزيرة البريد وتكنولوجيا الإعلام والاتصال هدى إيمان فرعون أثناء ترؤسها اجتماع مجلس إدارة بريد الجزائر إلغاء استعمال الفرنسية من جميع الوثائق الصادرة عن الشركة، وشددت على أن تكون اللغة الوطنية هي أداة التحرير الإداري في المؤسسة.

غير أن القرار يبقى لحد اليوم غير مطبق في جميع فروع المؤسسة، ما يعكس بحسب مراقبين سيطرة اللوبي الفرانكفوني على الإدارة، خاصة وأن الوزيرة سبق لها وأن اتخذت قرارا مماثلا في شهر إبريل الماضي، لكنه بقي حبرا على ورق ودون تنفيذ.

ولا يبدي محمد لهوازي الكاتب الصحافي بموقع "الشروق أون لاين" تفاؤلا كبيرا بنجاح هذه الخطوة وتخلص الإدارة الجزائرية من لغة فولتير.

وقال لهوازي لـ"إيلاف" إن " ملف تعريب الإدارة الجزائرية سياسي بحت، والحملة التي تم الإعلان عنها مؤخرا لتعريب الوثائق في بعض الإدارات العمومية منها مؤسسة البريد وشركة الكهرباء والغاز "سونلغاز" تدخل في سياق تحريك المشهد العام، وتدخل في إطار صراع عام بين العديد من التيارات والنخب السياسية في أعلى هرم السلطة."

وأضاف " الأمر لا يتجاوز كونه ذرا للرماد في العيون، بالنظر إلى فشل كل المحاولات السابقة ومنذ استقلال الجزائر في فرض استعمال اللغة العربية في الإدارات العمومية والخاصة على حد سواء".

حملة إلكترونية

في الأسبوع الماضي، عرفت مواقع التواصل الاجتماعي تداولا واسعا لوسم #لا_للفرنسية_في_الوثائق_الرسمية المدعم لقرار وزارة البريد وشركة سونلغاز، خاصة وأنه جاء بعد أيام فقط من احتفال الجزائريين بذكرى يوم الاستقلال المصادف لـ5 يوليو من كل عام.

وبرأي الكاتب الصحفي محمد لهوازي، فإن جعل هذه الحملات واقعا مرتبط بتفعيل عمل المؤسسات المعنية بترقية اللغة العربية وحمايتها، وكذا مدى التزام الإدارة باحترام بالقوانين.

وقال لهوازي " صحيح أن الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي ستزيد الضغط على صانعي القرار بخصوص ملف التعريب وترسل لهم مدخلات يفهمون من خلالها الواقع، لكن أعتقد أنه لتحقيق الهدف المنشود يجب تفعيل دور المجلس الأعلى للغة العربية الذي أصبح هيكلا بلا روح، رغم التجديد الذي شمل منصب رئيسه مؤخرا، ونزع عنه صفة الإستشارية ومنحه مزيدا من الصلاحيات لتنفيذ قرار التعريب، طبعا مع مراعاة مكونات الهوية الوطنية الأخرى"

وأوضح لهوازي في حديثه مع "إيلاف" أن "تخلي الإدارات العمومية والخاصة عن استعمال اللغة الفرنسية يحتاج إلى قرار سياسي حازم، بعد التشاور مع جميع الأطراف والتيارات في المجتمع والسلطة، على أن يكون تنفيذه بشكل تدريجي حتى لا تحدث الصدمة".

لا التزام

رغم صدور قانون تعميم اللغة العربية في الإدارة عام 1991، إلا أن تنفيذه بقي إلى اليوم مقتصرا على قطاعات معدودات كالشرطة والجيش والعدالة والإدارة المحلية إلى حد ما، ما يطرح في كل مرة تساؤلات حول مدى جدية الحكومة في احترام الإجراءات التي تصدرها خاصة ما تعلق بجوانب ذي صلة بالهوية الوطنية.

وأرجع محمد لهوازي عدم تطبيق قانون التعريب إلى السلوك الفردي للمسؤولين، وقال لـ"إيلاف" إن "الأمر يتعلق ببساطة بالمسؤولين على القطاعات العمومية، فحين نجد مسؤولا أو وزيرا يتحدث إلى المواطنين باللغة الفرنسية في خطاب رسمي، فلا ننتظر من هيئته استعمال غير اللغة الفرنسية في خطاباتها المكتوبة، وكما هو معروف، فإن العديد من المواقع الإلكترونية للوزارات لا تملك نسخا باللغة العربية لمحتواها وكأنها وزارات لدولة أجنبية!".

وأردف قائلا "والواقع، أنه في ظل نظام المركزية الإدارية الذي تعتمده الجزائر، يجب أن ينزل قرار التعريب من أعلى هرم السلطة ليتم تطبيقه على الإدارات والهيئات الدنيا".