ينتظر أن تدشن الجزائر في شهر ديسمبر المقبل مجمعًا للفقه الإسلامي، يضم علماء البلاد في مجال الفكر والدين بهدف الحفاظ على المرجعية الدينية للبلاد، والتصدي لمختلف الفتاوى التي تراها الحكومة "دخيلة" على المواطنين وتستهدف التشويش على معتقدهم الوسطي المبني على المذهب المالكي.

إيلاف من الجزائر: تخوض الجزائر في السنوات الأخيرة حملة يقودها وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى تنادي بالحفاظ على المرجعية الدينية للجزائريين.

فتاوى

وكشف الوزير محمد عيسى أن تأسيس مجمع الفقه الإسلامي بصفة رسمية سيكون قبل ديسمبر 2017، وسبق للوزير أن قدم في أكثر من مرة مواعيد بشأن هذا المجمع الذي كان سيكون سابقاً بمثابة هيئة للفتوى.

ويحاول الوزير سد فراغ عدم وجود مفتٍ للجمهورية لحل مشكل الإفتاء في البلاد، الذي يبقى مرتبطاً باجتهادات الأئمة والشيوخ، ولا يستند إلى اجتهاد جامع يطبق في جميع البلاد، بما أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لم يعيّن بعد مفتيًا للجمهورية رغم الطلبات المتكررة التي قدمت له من طرف وزراء الشؤون الدينية المتعاقبين.

وأشار عيسى إلى أن هذا المجمع سيضم في صفوفه علماء الفقه، وأكاديميين من مختلف التخصصات يقدمون بحوثهم لهيئات الفتوى المتمثلة في المجالس العلمية الولائية، والمجلس العلمي الوطني والمجلس الإسلامي الأعلى.

تشاؤم

غير أن عدة فلاحي، المستشار الاعلامي السابق بوزارة الشؤون الدينية، لا يظهر تفاؤلاً كبيرًا حول عمل هذا المجمع والدور المنتظر منه، بالنظر إلى تجارب مماثلة في دول عربية وإسلامية أخرى كان مصيرها الفشل.

وقال فلاحي لـ"إيلاف" إن "هذا المجمع في الأساس هدفه سد الفراغ الموجود في مؤسسة الفتوى، كما أن الوزير لم يرس على اسم معين، فمرة يقول مجمع فقه ومرة أخرى مركز دراسات".

وأضاف أن "الموضوع اخذ وقتًا طويلة مثل ما حدث مع مرصد مكافحة الإرهاب والتطرف، وهي تجارب فشلت في دول أخرى، فكيف ستنجح عندنا". ولم يتردد فلاحي في إبداء تخوفه من أن يستعمل هذا المجمع باسم الدين ضد بعض المعارضين مثلما تم في بعض الدول.

 حرب باردة

بالنسبة لفلاحي، فإن مساعي الوزير أساسها حرب باردة يقودها ضد أبو عبد الله غلام الله رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الذي له سلطة مرتبطة برئاسة الجمهورية تجعل نشاطه يعلو في بعض المرات على عمل الوزارة.

وأوضح أنه "كان من الأولى على محمد عيسى تفعيل المؤسسات الموجودة كالمجلس الإسلامي الأعلى، الذي له كفاءات وتاريخ، لكن يبقى للأسف عمله معطلاً اليوم". وتساءل قائلا "لماذا نبحث عن مؤسسة جديدة ونصرف الملايير، ونحن نملك المؤسسة التي قد تقوم بهذا الدور".

رهان

وتراهن الحكومة الجزائرية الجديدة التي يقودها الوزير الأول عبد المجيد تبون على حماية المرجعية الدينية في الجزائر للحفاظ على استقرار البلاد وحماية الموطنين من حملات التشيع والأحمدية والتطرف والتشدد.

وقال الوزير محمد عيسى في 19 يونيو الماضي إن مخطط عمل الحكومة الحالية يتضمن إجراءات جديدة تعزز سياسة الدولة في مجال حماية المرجعية الدينية الوطنية، التي "لا تعد إبداعًا سياسيًا بل خيارًا يستند إلى ما عرفه أجدادنا خلال الإسلام الأول مع مراعاة الخصوصيات الداخلية للجزائر، وكذا المنطقة التي تنتمي إليها، أي شمال أفريقيا". 

وأوضح الوزير أن تحقيق الحصانة وتقوية المناعة الداخلية للبلاد "لا يعتمدان على رصد النحل والطوائف أو صدها، بل التركيز في المقام الأول على تعزيز المرجعية الدينية الوطنية". 

وحذر الوزير في أكثر من مرة من مغبة الخروج عن الوسطية الذي يعني "الميل حتمًا نحو الإفراط أو التفريط مع كل ما يمثله ذلك من أزمات وانحرافات".

وبسبب فتاوى التطرف والتشدد، عرفت الجزائر سقوط أكثر من 200 ألف شخص في أحداث العنف التي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي.