خيرالله خيرالله


يفترض في اللبنانيين التوقف طويلاً عند كل كلمة وردت في توصية الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالتمديد للقوة الدولية في جنوب لبنان عاماً إضافيا. فقد أوصى بان كي مون السلطات اللبنانية بضرورة التنبه إلى أن عليها واجبات محددة لا تستطيع التهرب منها... بموجب القرار الرقم 1701. فالأمين العام للأمم المتحدة يعرف قبل غيره أن ليس في استطاعة لبنان تجاوز أزمته الحالية من دون النظر إلى الأمور بطريقة واقعية بعيداً عن الشعارات الرنانة والمزايدات التي لا طائل منها. لا مفرّ من الاستفادة من دروس الماضي القريب والتعلم منها. ولا مفرّ خصوصاً من تسمية الأشياء باسمائها. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، لا يمكن أن تتحوّل الهزيمة إلى انتصار بين ليلة وضحاها من دون سابق انذار للجمهور اللبناني الذي ذاق طعم الهزيمة ويدرك جيداً معنى أنه لا تزال هناك بيوت مهدمة منذ صيف العام 2006 لم تجد من يتولى بناءها.
لا مجال للمكابرة. استطاع لبنان الدفاع عن نفسه في حرب صيف العام 2006 بفضل حكومته التي كانت برئاسة فؤاد السنيورة وبفضل النقاط السبع التي طرحتها الحكومة واستجاب لها المجتمع الدولي. في النهاية، توصل لبنان إلى الحصول على القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بفضل دعم عربي ودولي في الوقت ذاته. ليس سرّاً أن دولة قطر، التي كانت عضواً في مجلس الأمن والتي مثلها وقتذاك الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية، لعبت دوراً محورياً في صياغة القرار الذي أوقف العمليات العسكرية التي كان يمكن أن تؤدي إلى تدمير البنية التحتية اللبنانية بشكل كامل، وتهجير مزيد من اللبنانيين من قراهم وبلداتهم.
لا يزال هذا القرار أفضل وسيلة، بل الطريق الأقصر لحماية لبنان. من واجب لبنان احترام القرار 1701، في حال كان يريد بالفعل حماية حدوده وأمنه بدل أن يحول نفسه الجبهة الوحيدة المفتوحة مع إسرائيل. لا مانع من فتح جبهة الجنوب في حال كان هناك قرار عربي بشن حرب على إسرائيل. ولكن أن تبقى جبهة الجولان والجبهات العربية الأخرى مغلقة في وقت هناك من ينادي بـ laquo;المقاومةraquo;، فذلك ذروة التكاذب بين العرب انفسهم وبين اللبنانيين الذين لا يعرفون لماذا هناك من يريد شن حروب على حسابهم. الأهمّ من ذلك، أنهم لا يعرفون لماذا هناك من يريد استخدامهم وقوداً في معارك لا علاقة لهم بها، بما في ذلك معركة إيران مع المجتمع الدولي من أجل الوصول إلى امتلاك القنبلة النووية.
من حق لبنان الدفاع عن مصالحه. ولذلك عليه قبل كل شيء احترام القرار الرقم 1701 وقواعد الاشتباك التي حددها القرار وذلك بغض النظر عما إذا كانت إسرائيل تخرق القرار أم لا. وحده القرار 1701 يحمي جنوب لبنان ويحول دون أي عدوان إسرائيلي من أي نوع كان. هذا الكلام يجب أن يقال من دون خوف أو وجل بعيداً عن أي عقد. لابدّ من الاعتراف بأنّ الهم الإسرائيلي محصور في المرحلة الراهنة بابتلاع القدس الشرقية وجزء من الضفة الغربية ومنع قيام دولة فلسطينية laquo;قابلة للحياةraquo;. هذا ما تسعى إليه إسرائيل في هذه الأيّام. معركة إسرائيل ليست مع لبنان وليست مع مصر أو الأردن أو سورية. أنها تستغل ما تسميه الخطر المتمثل في صواريخ laquo;حزب اللهraquo; أو laquo;حماسraquo; من أجل تفادي الدخول في مفاوضات جدية مع الجانب الفلسطيني استناداً إلى مرجعية واضحة هي خطوط الرابع من يونيو 1967.
يفترض في اللبنانيين إدراك هذا الواقع وتفادي الدخول في متاهات من نوع مباشرة حملة من أجل تسليح الجيش. قبل كل شيء، لا وجود للبناني يرفض أن يكون جيشه الوطني قوياً يمتلك أفضل أنواع الأسلحة. ولكن لا يوجد لبناني يمتلك ذرة من العقل لا يعرف أن هذا شيء ومحاربة إسرائيل والتصدي لها بنجاح شيء آخر. لا يوجد لبناني لا يعرف أن لا شيء يحمي لبنان في المرحلة الراهنة غير القرار الرقم 1701 الذي أعاد الهدوء إلى جنوب لبنان بفضل القوة الدولية المعززة.
كل ما تبقى كلام بكلام وبطولات تستند إلى انتصارات وهمية في حروب مفتعلة لا هدف لها سوى تكريس لبنان laquo;ساحةraquo; لتغطية البرنامج النووي الإيراني أحياناً والهرب من المحكمة الدولية التي تنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الأخرى في أحيان أخرى.
اللبنانيون ليسوا أغبياء، على الرغم من أنهم يبدون أحياناً مغلوبين على أمرهم، خصوصاً بعدما تبيّن أن سلاح laquo;حزب اللهraquo; موجه إلى صدورهم العارية وأن لا هدف لهذا السلاح سوى اخضاع الوطن الصغير وضرب المقاومة اللبنانية المتمسكة بثقافة الحياة بديلاً من ثقافة الموت.
آن اوان وقف المزايدات والاعتراف بأن لا شيء يحمي لبنان غير استراتيجية لبنانية تقوم على احترام القرار 1701 أولاً وحصر السلاح بالجيش اللبناني وقوى الأمن ثانياً وأخيراً. كل ما تبقى متاجرة بلبنان واللبنانيين لا أكثر ولا أقلّ. كل ما تبقى هروب إلى أمام ورفض للاعتراف بأن لا حاجة إلى شراء أسلحة وأن المطلوب صرف الأموال التي تدخل على الخزينة على عملية التنمية وعلى بناء مدارس وتحسين مستوى التعليم والخدمات في البلد، واستكمال انشاء البنية التحتية التي سعت إسرائيل دائماً إلى تدميرها.
مرة أخرى، لبنان في حاجة إلى جيش قوي. ولكن يبقى دائماً السؤال الأساسي المرتبط بالحاجة إلى استراتيجية دفاعية متكاملة لا تخرج عن الموقف العربي العام من جهة، وتؤكد أن الجيش لن يستخدم في حروب لا علاقة له بها من جهة أخرى...
هل من يريد أن يسمع؟ هل هناك من يريد التعاطي مع الموازين العسكرية في المنطقة والعالم على حقيقتها، أم المطلوب بقاء جنوب لبنان وأهله مجرد رمز للعجز العربي عن الذهاب إلى الحرب... وعن قول كلمة حق تركز على ضرورة وقف المتاجرة بلبنان واللبنانيين من أجل تحقيق انتصارات وهمية لا تصب سوى في خدمة إسرائيل!