مرة اخرى يثير السياسيون الكورد مسألة استقلال اقليم كوردستان العراق واعلان الدولة على امل تحقيق الحلم الذي طالما راود ابناء هذا الشعب في الاجزاء الاربعة من موطنهم المقسم وان كان الواقع السياسي الداخلي والاقتصادي والعسكري والموقف الاقليمي والدولي يقول خلاف ذلك ويؤشر الى صعوبة رؤية ذلك الحلم النور قريبا في خضم التطورات والمتغيرات السريعة التي تعصف بالمنطقة.

وتزامنت اثارة الموضوع هذه المرة مع احياء الاقليم ليوم علم كوردستان الذي يصادف السابع عشر من كانون الاول (ديسمبر) من كل عام كما سبقه بأيام مؤتمر في الجامعة الامريكية في دهوك والذي شهد بحث "استقلال كوردستان" من قبل مسؤولين كبار وسياسيين واكاديمين محليين واجانب.

الحدثان اعادا الجدل حول ضرورة الاستقلال وكيفية انجاز هذا الاستحقاق القوميوتوقيته الى الواجهة واصبحت المسالة مفتوحة للنقاش في الشارع الكوردي الذي يكاد يجمع على انه حق لابد من نيله عاجلا ام آجلا، ولكن وفق وآلية وتوقيت تضمن التوافق والوفاق الداخلي. 

ومن الملاحظ ان هناك تباعدا بين توجه الاغلبية الساحقة التي ترى ان الاولوية يجب ان تكون لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين وتأمين رواتب الموظفين واصلاح ذات البين وبناء اقتصاد وطني قوي وجيش ومؤسسات امن كوردية موحدة وسيادة القانون ومحاربة الفساد واتباع الشفافية في الواردات وتأمين بنى تحتية متينة وبين آراء النخبة سياسية التي تتسم بالتفاؤل بقرب الوصول الى الهدف المرجو دون ايلاء الاهتمام للمقومات التي ستتركز عليها الدولة المنشودة والاسباب التي تضمن صمودها.

ولعل التوقيت يمثل نقطة الخلاف الرئيسة بين التوجهين السائدين، اذ ان هناك اتفاقا مطلقا على احقية الشعب الكوردي في الاستقلال مثله مثل باقي الشعوب على وجه البسيطة، وما يتبقى هو تحديد الفرصة السانحة للاقدام على الخطوة التي سيشكل اهمالها تحديا يهدد بعرقلة الخطوات نحو تحقيق الحلم، فداخليا لا تزال الفرقة والتشنج والتباعد والخلافات الحادة بين الاطراف السياسية سيدة الموقف وقد تجاوز تعطيل البرلمان وهو رأس السلطة التشريعية في الاقليم ورمزه الديمقراطي اكثر من عام كما تبدو حكومة القاعدة العريضة (دون اربعة وزراء لحركة التغيير) عاجزة عن ايجاد حل جذري ودائم للوضع الاقتصادي المتدهور وسط خلافاتها القائمة مع المركز حول الميزانية وكيفية بيع النفط وتصديره بشكل مستقل، فيما يمر المواطنون بأسوأ حالاتهم المعيشية بسبب عدم تسلم رواتبهم وتأخرها لشهور فضلا عن اتباع نظام الادخار المفروض عليهم والمثير للجدل.

اصحاب التوجه الاول يرون ان الظروف غير مواتية لقيام الدولة التي ستكون غالبا ضعيفة ومفتقرة لعناصر الديمومة في حال اعلانها الان والاقليم يمر بمشاكل لايحسد عليها وستكون احتمالات وقوفها على قدميها ضعيفة جدا، ومن هذا المنطلق يعتبرون الالحاح غير المبرر على مسألة الاستقلال ولاسيما في الظروف الراهنة انما هو الهاء للناس وصرف للانظار عن المشاكل الاساسية وتهرب من الواقع وتملص من المسؤوليةتجاه الازمات الآنية المستفحلة.

فيما يشدد الفريق المقابل ومعظم مؤيديه هم من الساسة، على ان الوقت لاقامة الدولة افضل من اي وقت مضى معتبرين الدعم الدولي الذي تحظى به قوات البيشمركة في حربها ضد تنظيم داعش وزيارات المسؤولين الكبار في الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد الارهاب الى اربيل بمثابة الضوء الاخضر للمضي قدما في اقامة الدولة،غير مكترثين أو آبهين بالشأن الداخلي الذي سيمثل مصدر قوة رئيسية في تعزيز الموقف الكوردي فيما يعتقل بالأجراءات التي ستسبق الاعلان، وغير آخذين في الاعتبار عدم افصاح أية جهة دولية حتى الان رسميا عن دعمدها لمثل تلك الدولة المحتملة.

هذا بالاضافة الى تصريح السياسيين في الاقليم عن ان الاستقلال ان حدث لابد وان يكون سلميا وعبر الحوار والتفاهم مع الحكومة الاتحادية في العراق وبموافقتها، الامر الذي يشكل عائقا زمنيا آخر، فالعلاقات بين الجانبين شهدت توترا شديدا خلال الاعوام الماضية ولا تزال غير مستقرة حتى الان على الرغم من الزيارات المتبادلة بين وفود الجانبين وبالتالي فان الاعتماد على كسب دعم بغداد او على الاقل عدم ممانعتها لاعلان الدولة ولاسيما في هذه الظروف مستبعد بكل المقاييس ومنافي للمنطق من جميع اوجهه.

ان الامثلة على قيام الدول كثيرة ومتعددة وقد لعب التوقيت في ولادة معظمها الدور الحاسم، لذلك فأن الجمع بين الظروف الذاتية والموضوعية وتهيئة الارضية المناسبة بكل تفاصيلها للقيام بخطوة اعلان الدولة من الامور الحيوية التي لايمكن تجاهلها ولابد من التنبه اليها واخذها في الاعتبار. اما في الحالة الكوردية فأنه على الرغم من وجود الرغبة والارادة الكبيرتين فالظهار حتى الان يوحي بعدم اكتمال الاستعدادات هذا اذا كانت قد اتخذت اصلا وخصوصا على المستوى الداخلي، وعليه فان الحديث عن قرب تحقيق الهدف واعلان قيام الدولة يعتبر امرا سابقا لأوانه واقرب الى كونه مجرد حديث سياسي لا اكثر، فخطوة كهذه تتطلب اكثر من الحديث وبحاجة الى خطوات عملية على ارض الواقع يمكن للمواطن العادي تلمسها بسهولة. وحتى ذلك الحين يبقى موعد قيام الدولة المرتقبة غير معروف ومن التخبط التنبؤ به.

*صحفي من كوردستان العراق