تتوارد تصريحات يومية وعلى مدار دقائق الساعة من وسائل إعلام تابعة لحزب عشيرة بارزاني الحاكمة بإقليم كردستان حول نوايا مسعود بارزاني رئيس العشيرة بتأسيس الدولة الكردية المستقلة في غضون فترة قريبة جدا، حتى أن ممثل حكومة العشيرة في الإتحاد الأوروبي صرح في لقاء مع جريدة"الشرق الأوسط" اللندنية" أن دول الإتحاد الأوروبي تنتظر على أحر من الجمر إعلان دولة كردستان من قبل مسعود بارزاني".مضيفا"أن هناك محاولة لتوقيع إتفاق عسكري بين كردستان وحلف الناتو، بالإضافة الى إتفاق تجهيز كردستان لأوروبا بحاجاتها من الغاز الطبيعي.هذه التصريحات تتوالى منذ أن حان وقت رحيل مسعود بارزاني عن سدة رئاسة إقليم كردستان بسبب إنتهاء ولايتيه القانونيتين والولاية الممدة له لسنتين أخريين، ولعدم وجود أي مسوغ قانوني لبقائه في السلطة،لكنه كجميع الديكتاتوريين يرفض أن يترك السلطة إلا الى القبر أو الى جحر الفئران، وبذلك فقد إخترع مقربوه "وهم" تأسيس الدولة الكردية وزرعوه بمخيلة الشعب الكردي عسى ولعل يخدعونه ويلهونه لفترة ولقد نجحوا بذلك، فعلى الرغم من مررور سنة كاملة على إنتهاء ولاية بارزاني لكنه مازال مسمرا على كرسيه ولايتركه للقانون يقرر بديله.

هناك إشاعات تفيد بأن بارزاني ينوي تنظيم إستفتاء شعبي لتقرير المصير قبل بدء الإنتخابات الرئاسية الأميركية لكي يضمن تأييد شعبه لإعلان دولته المزعومة، وهذه خطوة ترفضها معظم القوى السياسية الكردستانية لعدم تناسب الظروف الحالية مع إعلان الدولة، ولا تريد هذه القوى الإستعجال في أمر قد يضطر الشعب الى دفع ثمنه غاليا في حال فشل المشروع.ولحد الآن لا أدري ما علاقة الإنتخابات الأميركية بإعلان الإستفتاء بإقليم كردستان،فنحن لسنا ولاية أميركية تريد الإنفصال عن الولايات المتحدة حتى تستبق الإنتخابات،فما علاقة تنظيم إستفتاء كردستان بالإنتخابات الأميركية،هذه والله من عجائب طروحات حكام عشيرة بارزان بكردستان؟.

بعد خمس وعشرون سنة من الحكم المشترك والفردي لحزب بارزاني في إقليم كردستان العراق، فشل هذا الحزب في تحقيق ولو الحد الأدنى من مطالب وتطلعات الشعب الكردي بالحرية والكرامة والعيش الآمن،بل زادت معاناته عما كان يعانيه أيام الدكتاتور صدام حسين بكل عنجهيته وشوفينيته وديكتاتوريته، فهذا الإقليم المؤلف من ثلاث محافظات صغيرة والتي كانت تستلم مايقرب من 15 مليار دولار سنويا من بغداد، فشل حكامه البارزانيين في تحقيق الحد الأدنى من الرفاهية للمجتمع،رغم أنهم رفعوا شعارا يقول" بأنهم سيحولون كردستان الى دبي ثانية" وإذا بهم يحولونها الى إحدى مزابل دولة الصومال، وبذلك أعلنوا فشلهم الذريع في تحقيق حتى الوعود الإنتخابية التي أطلقوها لشعبهم طوال أربع دورات إنتخابية برلمانية، واليوم لابستطيعون دفع ربع رواتب موظفي الحكومة رغم أنهم يصدرون حسب وزارة نفطهم ما يفوق 18 مليون برميل من النفط شهريا، ويستعدون لتجهيز أوروبا بالغاز الطبيعي!

حكومة الإقليم التي يديرها حزب بارزاني يفترض أن يحجر عليها،لأنها فشلت في إدارة أموالها وثرواتها، بدليل أنها أغرقت الإقليم خلال سنتين فقط بديون تفوق 30 مليار دولار يجب على الشعب أن يدفعها من قوت عياله.

إن حكومة عشيرة بارزان تعادي اليوم الحكومة المركزية ببغداد رغم أن هناك دستورا يجمع بينهما، وبالمناسبة فإن أكثر مواد الدستور الحالي بالعراق صاغتها لجنة كان مسعود بارزاني أحد أعضائها، كما أن لهذا الحزب نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا مازالا يمارسان مهامها في تلك الحكومة التي يقاطعها ويعاديها حزب بارزاني..أما العلاقة مع إيران فإنها تمر بأسوأ حالاتها. والعلاقة مع القوى السياسية بكردستان سوريا هي بدورها متأزمة ووصلت مؤخرا الى حد فرض حصار إقتصادي وغذائي ودوائي من قبل حزب بارزاني على المناطق المحررة هناك.. العلاقة الوحيدة الجيدة لحزب بارزاني هي مع تركيا التي يعرف عنها بأنها من أشد الدول الإقليمية عداءا لتأسيس الدولة الكردية، فلا أدري كيف يمكن لمسعود بارزاني أن يؤسس دولة وسط هذه الأجواء المعادية للكرد بإقليم كردستان؟؟.

لكل ذلك فإن ما يروج له حزب بارزاني لايعدو سوى مزايدة سياسية هدفها إشغال الشعب الكردي بمسألة مصيرية وحساسة كحق تقرير المصير بغية إطالة أمد رئاسة مسعود بارزاني لا أكثر.. أنا عن نفسي أقف بالضد من الدولة التي يزمع مسعود بارزاني أن يؤسسها، وليقل عني جوقة بارزاني ما يشاؤون، وليوصمونني بالخيانة العظمى، رغم أنني ناضلت ومازلت أناضل منذ 40 سنة من أجل تحقيق تطلعات شعبي في الحرية والإستقلال، ولكني لن أؤيد دولة يرأسها مسعود بارزاني وأولاده وأحفاده الى أبد الآبدين، وسوف لن أصدق بارزاني حين قال في تصريحات سابقة لموقع المونيتور بأنه سيترك السلطة بعد أن يؤسس الدولة المرتقبة، لأنه لو كان جادا لتركها اليوم نزولا عند مقتضيات القانون وإحتراما لهيبته وتأسيسا لمجتمع ديمقراطي يقوم على تداول السلطة سلميا،لا أن يفرض نفسه بالقوة الأمنية وبتعطيل البرلمان وشل الحكومة بقرارات حزبية كما فعل فور إنتهاء ولايته القانونية، فالأولى بالسيد مسعود بارزاني الذي يئن شعبه اليوم من الجوع والفاقة أن يبادر بتفعيل البرلمان والسماح لرئيسه بالعودة الى مزاولة مهامه، وإعادة الوزراء المطرودين من حكومة الإقليم الى وزاراتهم، وأن يطبع أوضاع الإقليم السياسية والإقتصادية، وأن يضمن دفع رواتب الموظفين وهي قوت عيالهم، وأن يبادر بتطبيع علاقات الإقليم مع بغداد ومع إيران لكي يضمن دعمهما لتوجهاته الإستقلالية، وأن يتصالح مع جميع الأحزاب السياسية في الداخل والتي يعاديهم اليوم جميعا، وأن يدعو الى إنتخابات مبكرة لإنتخاب برلمان جديد يأخذ على عاتقه سن دستور دولة يوافق عليه الجميع، وأن يرضى بتحويل النظام الرئاسي الدكتاتوري الحالي الى نظام برلماني ديمقراطي،وأن تتأسس حكومة وحدة وطنية حقيقية تتولى إدارة شؤون الإقليم وسط عاصفة إعلان تأسيس الدولة لكي يشترك الجميع في هذا القرار التاريخي ويتحمل مسؤوليته بحال نجاحه أو فشله، فمعركة الإستقلال لا تنجح من دون مؤازرة الشعب ودعم قواه السياسية، وعلى مسعود بارزاني أولا أن يتعهد أمام البرلمان أيضا بأنه سيلتزم بقرار الشعب في حال رفض الإستقلال في الوقت الحاضر كما إحترمت حكومات أخرى رغبات شعبهم بالبقاء في إطار دولهم، وأن يرضى لنفسه بالإعتزال وإبعاد أبنائه وأحفاده عن السلطة وإعطاء دورهم لحزبه لكي يتنافس مع الآخرين في إطار العملية الديمقراطية،عندها يمكن أن يؤسس دولة تحترم من الداخل والخارج، فنحن لا نريد دولة أو دويلة أو إمارة أو مملكة يقودها دكتاتور وأحفاده الى أبد الآبدين، اللهم هل بلغت، اللهم فإشهد.