في بداية التعليق على رفع العلم الكردي على المباني الحكومية في كركوك ، اود القول ان افضل القرارات قد تأتي بالعكس عندما تتخذ في الظرف غير المناسب. وأتذكر ان مظاهرات جرت في السليمانية وغيرها بعيد سقوط النظام السابق، مطالبة بضم كركوك للإقليم. وقد ارسلت في حينه رسالة الى الطيبّ الذكر مام جلال ( الذي نحس بفقد دوره) انتقدت فيها تلك التحركات ، وذكرت انه ، اياً كانت الاحقية الكردية ، فالظرف غير مناسب، والموضوع من الخطورة والحساسية بحيث يجب التأني والصبر في ايجاد حل له يرضي الجميع ولا يكون حلاً اشبه بالقنبلة الموقوته.

أعوام وأعوام مضت والأوضاع العراقية في تدهور وخطورة مستمرين والمنطقة كلها الغام وهنالك الحرب على داعش في العراق... ومن هنا ينبغي على كل الاطراف تجنب كل ما من شأنه زيادة التوترات وإضعاف الجهود الاستثنائية في مواجهة داعش . ان موضوع كركوك حساس وقد تناوله الدستوران المؤقت والدائم. ويجب القول ان الحكومات المتعاقبة لم تحترم بنود الدستور بهذا الخصوص، مما كان من عوامل التوترات بين الاقليم والمركز. ومع ذلك فان (الصبر طيبّ) كما يقول المثل ، وآياً كانت المطالب الكردية مشروعة، فان مزيداً من التأني مطلوب ونحن في وسط ازمات وحرائق مشتعلة على الدوام. وإذ يقال هذا، فيجب ان يقال ايضا ان الامة الكردية المجزأة قد عانت اشد الويلات على مر العقود وواجهت المجازر والغازات والمقابر الجماعية في النضال من اجل حقوق قوميه مشروعة يقر بها القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة. في تركيا وايران والعراق وسوريا ، كان الحكام الشوفينيون يعارضون كل مطلب مشروع للشعب الكردي، وحين سنحت الظروف في ايران بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة لقيام جمهورية حكم ذاتي كردي، سرعان ما استطاع نظام الشاه قلبها وقتل قادتها. وحين وصل خميني للسلطة انقلب على الاكراد وأشعل النيران في قراهم ووصفهم بـ(ابناء الشيطان) واغتال عدداً من قادتهم في المهاجر، وفي المقدمة الشهيد عبد الرحمن قاسملو. وأما العنصريون الاتراك فقد كانوا ولا يزالون مصابين بوباء كراهية الشعب الكردي ... ورغم ان اوردغان تفاوض مع زعيم الحزب الكردستاني ، وهو في السجن، فانه سرعان ما انقلب على وعوده والتزاماته. ولا تزال العقدة الكردية محور سياسة وتفكير نظام اوردغان.. والتطورات العراقية معروفة، كما الغازات والمقابر الجماعية . ان امة بأكثر من اربعين مليوناً لهم حق مبدئي في الاتحاد داخل دولة واحدة. اقول حق اوليّ ، وذلك بحسب ظروف كل بلد حيث يوجد

الكرد... وأقول ايضا ان حق تقرير المصير لا يعني دوما الانفصال والدولة المستقلة . فلكل بلد ظروفه وقواه والموازين الاقليمية والدولية . ان حق تقرير المصير قد يعني في بعض الاحوال حكماً ذاتياً وقد يعني في احوال اخرى اتحاداً فيدرالياً. وقد يصل في مرحلة ما الى الاستقلال ان كان في ذلك مصلحة الكرد وبقية سكان البلد، وأيضا مصلحة الامن والسلام في المنطقة. وارجوا ان نتذكر جميعا بان للشعب الكردي اعداء الداء كما ان هناك عقودا من التآخي والنضال المشترك في العراق لا يجب غض النظر عنها. فالعراق كله يسير وسط الغام والمنطقة ايضاً.

والمهم اليوم في العراق الحفاظ على مكاسب الفيدرالية وتعزيزها وتصحيح الاخطاء وضمان التماسك الوطني كرديا وعراقيا. واذا كان مسؤولون عراقيون في بغداد قد اشعلوا مراراً مواقد التوتر ، واذكر خاصة السيد المالكي ، فان الجبهة الكردستانية رفعت منذ سقوط صدام شعار (التحالف الاستراتيجي) مع الائتلاف الوطني الشيعي ووضعت كل ثقلها مع التحالف حتى عندما خسر المالكي الانتخابات. وقد انتقدنا مرارا تلك الاستراتيجية التي كانت على حساب تقوية اواصر التعاون بين جميع القوى الديمقراطية والعلمانية العراقية ، على اختلاف القوميات والاتجاهات..

ونعود للقول بان لكل شيء اوانه ، وان الشعب الكردي اليوم هو بأمس الحاجة الى مزيد من الاصدقاء والحلفاء وليس الى مزيد من الخصوم والأعداء المتربصين .. وهذا ما ندعوا اليه كل القوى الوطنية الكردية.

ملاحظة :

* جوابا على رسالتي لمام جلال ، ذكر انه يتفق معي تماما وانه يعمل للتنسيق مع الحليف الديمقراطي.

* كتب المقال قبل مداولات الوفد الكردستاني في بغداد وكانت خطوة جيدة مرحبّاً بها.