استأثر رفع العلم الكردي في كركوك، على اهتمام إضافي بعد قرار الحزبين الرئيسيين في كردستان العراق بإجراء استفتاء شعبي في المحافظة المتنازع عليها لضمّها إلى إدارة الحكم الذاتي، وقرار رفع العلم مختلف عليه بين إثنيات المحافظة حيث يؤيده الكرد ويرفضه العرب والتركمان وسط دعوات للتهدئة تطلقها بغداد الرسمية بينما يطالب البرلمان الاتحادي مسؤولي المحافظة بالتراجع عن قرارهم.

ايران وتركيا رفضتا الخطوة التي يرى فيها كثيرون أنها الأولى لإعلان الانفصال وإعلان الإقليم دولة مستقلة رغم أن علاقة الحزبين كلا على حده جيدة ومتينة مع طهران وأنقره البرزاني مع أنقره وطالباني مع طهران واشنطن رأت على لسان سفيرها في بغداد أن في هذه الخطوة تشتيتاً للانتباه عن تنظيم داعش، وأن مواضيع الاستفتاء ورفع علم الإقليم يجب أن يكون التباحث فيها ضمن الدستور العراقي.

رئيس حكومة الإقليم نيجرفان بارزاني أيد موقف الرئيس التركي فصرح أن كركوك ليست مدينة كردية فقط، وإنما هي لجميع مكوناتها من الكرد والعرب والتركمان، وهم جميعا من يقرر مصيرها، وأنها الآن ومن قبل ومستقبلا، يجب أن تكون مدينة للتعايش السلمي لجميع المكونات التي تعيش فيها. معروف أن أنقره تقاوم الحلم الكردي في العراق كما تقاومه في سوريا وهم لذلك يتدخلون عسكرياً في البلدين، وإذا كان معروفاً أن مام جلال على علاقة وثيقة بطهران بعكس كاك مسعود الذي يبني علاقات مودة مع أنقره فإن رفع العلم يبرد التوترات بين السليمانية وأربيل، وسط تسريبات بأن مرد ذلك هو تقاسم إيرادات نفط كركوك، وأنَّ الطرفين أبرما صفقةً تتعلّق باقتسام نفط المحافظة، مع تهميش للقوى السياسية الأخرى في الاقليم الرافضة لاستئثار حزبي طالباني وبرزاني بقرار مصيري كهذا وتجاهل مواقف القوى الدولية والإقليمية.

في المواقف الدولية لايبدو أن الغرب الذي تنكر للمسألة الكردية قبل 100 عام، يتعامل معها اليوم كورقة تراهن بها الولايات المتحدة للضغط على تركيا، ولضمان حليف في المنطقة قد يساعدها على إحكام السيطرة على منابع النفط الغنية بها. والأوربيون لا يثقون بالأتراك، الأمريكيون لا يثقون في العرب، وللروس أطماعهم في موطئ قدم عند شواطىئ المتوسط.

يحلم الكرد نتيجة أوضاع المنطقة بقيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق كخطوة أولى تليها أخرى في شمال غرب سوريا وبعدها في شرق تركيا وشمال غرب إيران. بيد أن ما يتجاهلونه أن حلمهم بقيام دولة مستقلة لهم الذي ولد قبل 100 عام، لم يعد قريب المنال اليوم، رغم أنه لا أحد ينكر أنهم طوال فترات عيشهم في الدول التي تقاسمت أرضهم عانوا من التنكر لثقافتهم وتهميش دورهم، وفوق ذلك وأد تطلعاتهم القومية المشروعة، وفي تلك الدول مورس ضدهم عملية التذويب القسري ضمن الشعوب التي عاشوا بينها.

قد ينجح الكرد بمعجزة في إقامة دولتهم القومية في سوريا والعراق بسبب ظروف البلدين غير المستقرة غير أن الصعوبة تكمن في امتداد هذا الدولة الكردية لتشمل مناطقهم في تركيا وإيران. وهما بالتأكيد ضد قيام تلك الدولة عند حدودهما حتى أن أنقره ستقاوم ضم كركوك لتلك الدولة متذرعة بوجود أقلية تركمانية فيها بينما الحقيقة رفضها انضمام محافظة غنية بالنفط للدولة العتيدة ما يعني توفير موارد مالية إضافية لكيان معادٍ لطالما أرقَ الأتراك.