معاندة القيادة الكردية للجهود الدولية والأممية والاقليمية الداعية الى تأجيل استفتاء اقليم كردستان، وتأجيج مسألة الاستقلال من قبل السيد مسعود البرزاني وتحريك المشاعر العاطفية للشعب بجمبع مكوناته القومية والدينية والمذهبية، سجلت سلما متصاعدة للتوتر في العراق وفي المنطقة، وبات موقف العناد الذي ابداه البرزاني مرهونا بتفسيرين لا ثالث لهما، الأول انه يستند الى دعم دولي غير معلن، والثاني انه يلعب بالنار وان العملية مجرد لعبة سياسية لاغراض شخصية وحزبية غير وطنية، وتسلسل التراجع والمرونة المبدية من قبل البرزاني والقيادة الكردية قبل ايام من اجراء الاستفتاء وبروز بوادر حتمية لتأجيله في نهاية المطاف بحجة الحصول على وثيقة تعهد بشهود اطراف دولية من قبل الحكومة الاتحادية باتت مسألة محسومة، ولكن في عين الوقت ثبت ان العملية مجرد لعبة سياسية شحنت بهواجس عاطفية قومية لعبها الرئيس المنتهيةولايته بذكاء للخروج من الأزمات المعيشية والحياتية العميقة التي يعاني منها المواطنون الكرد ولاستعادة موقعه الرئاسي ومقامه السياسي في الوضع المتأزم للاقليم وتذكيره العراق وللمجتمع الدولي بانه صاحب القرار الاول والاخير في كردستان العراق.

ويبدو ان مكابرة الحكومة الاتحادية وعدم التقدم بمبادرة لمعالجة الموقف وتفهم المطلب الكردستاني لحلحلة التوتر والتشنج الذي نتج عن دعوة الاقليم للاستفتاء قد ساعد البرزاني كثيرا في التمادي والتعاند لرفض اي جهد دولي او اممي لتأجيل العملية خلال مرحلة شحن الشارع الكردستاني بحق تقرير مصير الكرد في العراق واستغلال المشاعر القومية الهياجة للانسان الكردي، وحتى وصل الامر الى رفرفة الاعلام الاسرائيلية الى جنب الاعلام الكردستانية في الاحتفالات المعقودة للاحتفال بالاستفتاء خارج الاقليم، وباتت من المشاهد المميزة لمشهد دعوة الكرد الى الاستقلال، وهو أول مشهد بهذه الاحتفالية لاستقبال العلم الاسرائيلي بايجابية كبيرة على المستوى الدولي.

ولاشك ان الضغوطات الدولية والاقليمية والعراقية وصلت الى الذروة على اقليم كردستان، والمواقف السياسية العراقية والكردية اخذت تسير باتجاه التوتر والتشنج، وموقف الحكومة الاتحادية ازداد توترا وسجل تصعيدا رافضا لكل أشكال الاستفتاء الاقليم، ومجلس النواب والسلطة التنفيذية في بغداد اتخذتقرارت لمجابهة الاجراءات والخطوات الجارية للعملية، وقرارات انزال علم كردستان من مدينة كركوك ورفض اجراء الاستفتاء فيها واقالة محافظها، وفرار الأمر الولائي للمحكمة الاتحادية بضرورة وقف اجراءات الاستفتاء، كلها تمت في ظل ردود افعال سياسية ومواقف رسمية سريعة الاقرار واتخذت في ايام قليلة لمجابة القيادة الكردية ومسعود البرزاني، ومع هذا لم تقدر القرارات العراقية بالتأثير على الرئيس الكردي وبالعكس كان يصر على موقفه لاجراء التصويت في تاريخه المحدد، والقيادة الكردية سارت بنفس النهج وشددت على استمرار اتخاذ الاجراءات اللازمة للعملية، ولجأت الى تننسيق اكثر فعالية من خلال ضمان شبه توحيد للبيت الكردي من خلال تفعيل برلمان كردستان المعطل منذ سنتين ووضع قرار الاستفتاء في اطار قانونني برلماني، وذلك بعد ان كان القرار لا يتمتع بمشروعية قانونية لصدوره من قبل هيئة حزبية برئاسة البرزاني، فعاد البرلمان الى عقد جلسته وأصدر الاطار القانوني على هيئة تعليمات لاجراء عملية الاستفتاء من خلال تكليف المفوضية العليا للانتخابات بذلك، وحسب ظن القيادة الكردية انها تمكنتت من تأمين المرجعية البرلمانية للخطوات والاجراءات التي اتخذت باتجاه تنفيذ الاستفتاء، وبذلك أزيل أول اعتراض كبير على عدم قانونية القرار، ولكن بالحقيقة لا يمكن للمشرع الكردي ان يصدر شرعية قرار مصيري مهم مرتبط بعموم شعب الاقليم من خلال تعليمات هزيلة لا تملك قوة القانون والقرار التشريعي، ومن لحظة اعداد هذه الفبركة البرلمانية تبين ان دعوة وعملية الاستفتاء هي مجرد لعبة سياسية تستغل بها مشاعر المواطنينوهواجسهم المتعطشة لنيل الاستفلال لغايات متعلقة باعادة رسم خارطة المصالح الحزبية والشخصية والعائلية داخل الاقليم وداخل ساحة العملية السياسية العراقية.

واضافة لذلك بقيت عملية الاستفتاء محل شكوك وظنون وانتقاد بسبب فقدان الثقة والمصداقية بين المواطن الكردي ونظام الحكم والقيادة السياسية وسلطة الرئاسة والحكومة برئاسة مسعود البرزاني والحزبين الحاكمين الفاسدين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، نظام مستغل لاغراض ونوايا حزبية وشخصية وعائلية ومافوية، والغريب ان البرزاني والقيادة الكردية خلال دعوة الاستفتاء لم يعيرا اي اهتمام عن احتمال تعرض شعب الاقليم الى عواقب وخيمةفي ظل واقع الحال المزري لأغلبيية مكونات المجتمع الكردستاني خاصة شريحة الموظفين منهم المغدورين والمنهوب منهم استحقاقاتهم الماالية باجراءات استبدادية وقمعية وقد وقع هذا المكون المهني والوظيفي الفعال ضحية للسياسات المافوية للسلطة الحاكمة بالاقليم.

والنهج الذي اتبع في عمل البرزاني ومجموعته المتسلطة لتسويق فكرة الاستفتاء أثر بسلبية كبيرة على العلاقات السياسية والاقتصادية والمالية والتجارية بين الاقليم والحكومة الاتحادية في بغداد، وكذلك على العلاقات القائمة بين الاقليم ودول التحالف الدولي وايران وتركيا، كل ذلك من أجل خدمة نوايا خبيثة لتجديد الزعامة ومواصلة ولاية الحكم للاستمرار بنهب الثروات والموارد والممتلكات العامة وسرقة الحاضر والمستقبل الكردي.

ولغرض ادامة سلطة الاقليم قامت الاخيرة ببث اشاعات وسيناريوهات مفبركة لتسويق الاستفتاء، وذلك من أجل ضمان بقائهم والاحتفاظ بغرورهم السياسيوالاستمرار في خداع المواطنين بشتى الوسائل والادوات، ومن أجل ذلك سوقتالكثير من الاوهام والهالات المزركشة حول الاستفتاء وحول البرزاني بحجة النيةلاقامة الدولة الكردية، ومن أجل ذلك لجأ الاعلام الحزبي السائد في الاقليم الى بث سيناريوهات ومعلومات وتقارير وتصريحات مفبركة وبمظاهر مليئة بالغرورالكاذب، وكما يلي:

(1) بث فرضية وهي استناد البرزاني الى استراتيجية مؤسس اسرائيل بن عوريون حسب ادعاءات تقارير اعلامية، وذلك من خلال استغلال الظروف المشتتةبالعراق ودول المنطقة، وعد الفترة افضل فترة تاريخية للانفصال لانها شبيهة بفترة قيام الدولة الاسرائلية.

(2) نشر اعتقاد كاذب بان القيادة الكردية برئاسة البرزاني ضمنت التأييدوالدعم الكامل دول معينة خاصة من الحكومة والقيادة الاسرائيلية، وتوعد تل أبيب بتمويل ميزانية الدولة الكردية بعد اعلانها، وطبع العملة النقدية الكردستانية وجاهزيتها للطرح بعد الاستقلال.

(3) التأويل ان تاييد الولايات المتحدة للاستفتاء واستقلال الاقليم مضمون ومتفق عليه بالسر بين واشنطن وسلطة أربيل، والاعلان الظاهري برفض الاستفتاء غير حقيقي ومجرد وسيلة سياسية لامتصاص مواقف العراق والدول الاقليمية التي تف ضد تطلعات الشعب الكردي.

(4) تحول قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني الى مصدر ثقة واطمئنان لاسرائيل بفضل دعم وعمل البرزاني وحزبه لزرع المصداقية بين الطرفين،واسناد اسرائيل الى قيادة محكمة من الحزبين الحاكمين، وبث دعايات لقاءات متواصلة لحزب الطالباني بين تل ابيب والسليمانية.

(5) بث الاشاعات عن اقامة قواعدة امريكية عسكرية كبيرة في الاقليم بعد الاستقلال، وتحويلها الى اكبر قاعدة في منطقة الشرق الاوسط، وتشكيل وحدات عسكرية كردية مستقلة باشراف وتدريب ورعاية وادارة واشنطن لاستخدامها في مهمات فورية خاصة بالولايات المتحدة.

هذا باختصار غيض من فيض من المعاندة اللامنطقية، والاوهام والمعلومات المفبركة التي نشرتها الماكينة الاعلامية والسياسية الحزبية والعائلية لتسويقدعوة الاستفتاء ومن ورائها تجديد البيعة من جديد لرئيس منتهية ولايته، والمقصود بها لعبة سياسية لخداع لشعب الاقليم بالكامل بفعل تحريك الهواجس والاوتار القومية الحساسة بذكاء من خلال استخدام الشعارات البراقة لحق تقرير مصير الكرد، ولكن على العموم نقول ان الغرور السياسي للسلطة الكردية جعلها فاقدة للحكمة والبصيرة النافذة، وما تفعلها ليس من شيم الكرد ولامن خصاله الحميدة، والاستقلال حق طبيعي من حقوق شعبنا الكردي الأصيل في اقليم كردستان، ولكن ان نوينا عليه فليكن بالكرامة والاستقامة وليس بالمهاترة والمخادعة، وبالحوار وتفاهم والتننسيق مع بغداد لضمان التعايش والأخاء مع شعب العراق النبيل، والله من وراء القصد.

(*) كاتب وصحفي