تتباين الآراء القادمة من إقليم كردستان العراق بشأن الاستفتاء المزمع إجراؤه بعد أقل من أربعين يوماً فالملا بختيار من الاتحاد الوطني يرى ضرورة تقديم الحكومة الاتحادية تنازلات للاقليم لتأجيل الاستفتاء، ويؤكد حق الكورد اجراء الاستفتاء في وقت لاحق، وأن الاقليم لا يقبل تأجيل الاستفتاء دون مقابل، ودون تحديد موعد آخر لإجرائه، بينما يقول هوشيار زيباري من الديمقراطي بان اجراء الاستفتاء لا يعني اعلان الانفصال، او ضم كركوك والمناطق المتنازع عليها، وهو اجراء ديمقراطي للتفويض لحوار بين القيادة الكردية والحكومة الاتحادية، وبالتزامن يعلن مسعود برزاني أن الاستفتاء سيتم في موعده رغم طلب واشنطن منه التأجيل، ومن كل هذا يمكن الاستنتاج أن طرح موضوع الاستفتاء لايعني الالتزام بنتائجه حتى لو جرى في موعده المقرر.
وهكذا فإن الوفد الكردي إلى بغداد لا يطرح القضية كمسلم بها غير قابلة للنقاش. والمتوقع أن يطرح خيارات بديلة، تحقق مصالح الطرفين ليتمكن الساسة في بغداد من مناقشتها والانتقال إلى وضع جديد يعطي بقية أطياف الشعب العراقي حقها كشريك حقيقي وهنا يتوجب القول إن على الطرفين الاتفاق على أن يكون في إطار الدستور نصاً وروحاً على أن يطبق خلال فترة محددة وملزمة وبديهي أن يكون ضامنا لمصالح العراق والاقليم في آن معا وليس كما يطالب بختيار بغداد بأن تكون مستعدة لمساعدة الإقليم على التغلب على أزمته المالية، والالتزام المسبق بالموافقة على تسوية مسألة المناطق المتنازع عليها، مثل منطقة كركوك.
واقع الحال أن الاحزاب الكرُدستانية تتخبط وتكيل بأكثر من مكيال وجميعها قائم على المحسوبية والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة، فهي تطرد من صفوفها من يعلن وقوفه ضد الاستفتاء مع أنه يتخذ موقفه التزاما بالدستور الذي ينص على إستقلال العراق وسيادته وعلى حقوق ومصالح الشعب وهي تصر على المشاركة في الحكومة المركزية التي تطالب بالانفصال عنها مع أن عليها إن اختارت الاستفتاء الانسحاب الفوري من بغداد، أو البقاء فيها للبحث الجدي عن علاقات متوازنة، مستقرّة، وعميقة وراسخة بين الطرفين، وبما يعني الاختيار بين الفيدرالية اوالإنفصال،فإن كان الخيار مع الاستفتاء المفضي للانفصال فإن على المسؤولين الكرد في الحكومة المركزية وأجهزتها الانسحاب من المشاركة في قيادة الدولة العراقية "لتضارب المصالح"، والسعي في أربيل والسليمانية لتحقيق حلم إقامة دولة كُردستان.
في خضم تيارات الانقسام وتباين الرؤى والاصطفافات الاقليمية المتنافرة يغازل مسعود البرزاني السعودية ويقول إن العلاقات معها عميقة وتاريخية وفوق الممتازة، وما زالت مستمرة، والقنصلية السعودية في أربيل تقوم بمهماتها بشكل جيد في الإقليم. ومن ناحية ثانية يؤكد أن مشروع الاستقلال هو مشروع الشعب الكردي في كردستان العراق، ويشير إلى مقدمة الدستور العراقي، التي تقول إن الالتزام بهذا الدستور ضمان للحفاظ على وحدة العراق، ولكن ممارسات حكام بغداد عكس ذلك تماما. ما أوصلنا إلى قناعة أن الشراكة مرفوضة منهم، والـ100 سنة الماضية كانت تجربة فاشلة، دماء وحروب، وهدن، ونحن لا نريد أن نعود إلى هذه التجربة الفاشلة، لذلك قرر شعبنا في كردستان الذهاب إلى خيار الاستفتاء. وهو لا يريد أن يصطدم أو يدخل في صراع مع إيران، لكن هذا التحرك أو غيره من التحركات الإيرانية لا يمكن أن نسمح أن يصل إلى الإقليم. التدخل الإيراني في الإقليم مرفوض بالمطلق، وحتى إذا استمر هذا التدخل في العواصم العربية نحن لن نسمح بسقوط الإقليم. أما تركيا فيرى البرزاني أنها اقتنعت خلال تجرية الـ25 سنة الماضية أن العلاقة مع الإقليم ليس فيها تهديد لتركيا، بل على العكس تطور الوضع في الإقليم سياسيا واقتصاديا وأمنيا هو من مصلحة تركيا ويساعد على استقرار الوضع في تركيا، وهناك مصالح كبيرة بيننا من تبادل تجاري، وأثبتنا أننا لسنا عامل تهديد لتركيا أو إيران، على العكس تماما أسهمنا في التقارب بين الكرد في تركيا وإيران مع دولتيهم.
إسرائيل ليست بعيدة عن المشهد وهي تبدو الدولة الأكثر حماسة لقيام دولة كردية، أما موسكو فهي تلتزم الصمت بسبب انخراطها في الأزمة السورية غير أن الخطوة تلاقي معارضة المجتمع الدولي وبعض القوى الإقليمية. كما أعلنت واشنطن مخاوفها من طغيان على أولوية الحرب ضد داعش ودلا من هزيمة التنظيم الارهابي تدخل المنطقة في أتون صراعات إثنية وعرقية، بينما هددت إيران بعقوبة قطع المنافذ الحدودية للإقليم وأعلنت تركيا أن الاستفتاء خطأ فادح، وخطر يهدد الأمن القومي التركي. ناهيك عن أن حكومتا بغداد ودمشق تريان أن الكرد ينفذون مخططاً أميركياً، بعد أن فقدت واشنطن أوراقاً مهمة في سوريا مع تراجع علاقتها بأنقره واتساع رقعة الخلاف مع طهران ما يعني أن الموقف الخارجي من الاستفتاء بات مرتبطاً بتقاطعات مصالح الدول الإقليمية والحسابات الشائكة للقوى الدولية في المنطقة. وبالرغم من كل ذلك فإن أربيل تصر على الاستفتاء خطوة مهمة وفي وقتها، خصوصا بعد انتصرات البيشمركه على داعش متجاهلة أن الدولة العتيدة في حال قيامها ستكون في نظر كثيرين شوكة في خاصرة الدول المحيطة.
وبعد، فإن المشهد الكردي يبدو ضبابيا قبل الاستفتاء وسيكون أكثر ضبابية إن جرى في موعده وسيتكاثر الضباب ويتكثف بعد ظهور نتائجه ووضعها على محك التنفيذ أو الاكتفاء بالتلويح بها لبغداد في خطوة تستهدف نيل المزيد من المكاسب من الحكومة المركزية فيها وهي خطوة تلقى معارضة فئات شيعية كانت على الدوام صديقة للكرد وقد تنقلب عليهم بالكامل وذلك بالتأكيد في غير مصلحتهم على المديين القريب والبعيد.
ملاحظة ليست عابره: أنا شخصيا مع نيل الكرد لحقوقهم وأتمنى أن يتم ذلك بالطرق السلمية والحضارية.
التعليقات