بعد إنتهاء المعقل الأول للعائلات الفتحاوية
عائلة حلس وحركة حماس... صراع عشائري بنكهة تنظيمية
نجلاء عبد ربه من غزة:
لم يكن بالأمر الهيّن على سلطة فلسطينية أن تنهي قوة العشائر والعائلات الكبيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى لو كان ذلك على حساب إضعاف رجال الشرطة الفلسطينية، كون رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات كان يعتمد بشكل كبير على تلك العائلات، وكان يدرك أنهم سيكونون سندًا وعونًا له، فضلاً عن طبيعة البلدان العربية التي تنحدر من أصول عشائرية متعددة.

في الوضع الفلسطيني، هناك فرق بين العشائر والعائلة في شيء واحد فقط، وهو أن العشيرة جذورها بدو، بينما العائلة أقرب إلى سكان المدينة الأصليين. في مدينة غزة التي تشتهر مناطقها القديمة بتلك العائلات كونها صاحبة الأرض التاريخية، فإن لتلك العائلات قوة وهيبة لدى العائلات الأصغر، الأمر الذي يخشاه المواطنون الفلسطينيون في العائلات الصغيرة من أي خلافات تصادمية معهم، فالعائلات الفلسطينية الكبرى تمتلك أكبر ترسانة أسلحة بسبب كثرة شبابهم وبسبب طبيعة الصراع مع الجانب الإسرائيلي.

عائلة حلس ثالث أكبر عائلة في مدينة غزة ومن العائلات العريقة، إلا إنها الأعنف بين العائلات، فشبابهم الذين يعدون بالآلاف ويسكنون في منطقة واحدة quot;منطقة الشجاعيةquot;، وهي منطقة شرقي مدينة غزة، ولا تبعد عن الحدود مع إسرائيل سوى كيلومترين فقط، سرعان ما يتوحدون مقابل أي صدامات مع أي عائلة أخرى، ولا يتهاونون في إطلاق النار على الطرف الآخر، مما بسط سيطرتهم على المنطقة بكاملها.

غالبية شبابهم محسوبون على حركة فتح، يتقدمهم أمين سر الحركة في قطاع غزة أحمد حلس quot; أبو ماهرquot;، فضلاً عن تزعم أحد أبناءئها quot;العميد سليمان حلسquot; قيادة الأمن الوطني قبل سيطرة حركة حماس على غزة، وعاطف حلس مدير الأمن الخاص في جهاز الأمن الوقائي، قبل أن ينتقل لجهاز الشرطة الفلسطينيــة ليعمل أيضاً مديراً لدائرة مكافحــة المخدرات ودائــرة المباحث العامة، الأمر الذي وفر لشباب تلك العائلة الأرض الخصبة لإنتمائهم لحركة فتح. هذا الأمر لم يرق لحركة حماس التي تسيطر الآن على قطاع غزة بالكامل منذ أكثر من عام، فقررت إنهاء تظاهر العائلات وبدأت بأعنفهم وأشرسهم على الإطلاق وأكثرهم عتاداً ورجالاً وهما عائلتي quot;دغمش وحلسquot;.

علاقة حركة حماس مع عائلة دغمش اكبر بكثير من حيث التنسيق إبان وجود السلطة الفلسطينية، وتعاون ممتاز دغمش، رئيس تنظيم جيش الإسلام في السابق مع حركة حماس، وخطفوا كلاهما وألوية الناصر صلاح الدين التابعة للجان المقاومة الشعبية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، إلا أن الأمر إختلف بعد سيطرة حماس على غزة، وأصبح صديق الأمس عدو اليوم عندها.

وكان التعاون واضحاً بين حماس وأمين سر فتح في قطاع غزة احمد حلس لحظة سيطرة حماس على غزة، توجت بتسليم الأخير عشرة من قياديي حركة فتح كانت حماس قد ألقت القبض عليهم في مقر السفارة المصرية وسط غزة، إلا أن أبا ماهر حلس المحسوب على تيار الرئيس ياسر عرفات، والذي كان يعادي تيار القيادي البارز في فتح محمد دحلان، أدرك أن المعركة لم تكن بين حماس والتيار الخياني كما كانت تقول، فقد تحولت المعركة لإنهاء فتح وشطبها من خارطة النضال والكفاح الوطني الفلسطيني.

وبدأت قيادات من كتائب القسام التابعة لحركة حماس بالضغط على مسؤوليها لإنهاء قوة العائلات الفلسطينية، وهي خطوة إيجابية ومحسوبة لحركة حماس بحسب مراقبين لإيلاف، إلا أن المشكلة تكمن في الوقت وآلية التنفيذ. وكان انفجار الجمعة الماضي بأحد الجيبات التي إستولت عليها حماس عقب سيطرتها على غزة، أدى إلى مقتل 5 من عناصرها، وإتهمت حينها على الفور ما أسمتهم بـ quot;فلول التيار الخيانيquot;، وطالب قياديون سياسيون من حماس قبل العسكريين، بضرورة القصاص وقتل كل من له صلة بالحادث.

الإنفجار الذي وقع على شاطئ البحر وأشعل لهيب قطاع غزة، لم تلبث ساعات حتى بات المئات من مؤيدي حركة فتح في سجون غزة، وصار لزاماً على حماس أن تثبت صحة إدعائها، وبدأ صقور الحركة بالسيطرة الكاملة على مجريات السياسة لدى حماس، في حين لم يعد مجال للحمائم بأن يعلو صوتهم. وبدأت معركة الشجاعية لإنهاء أحد أهم معقلي في قطاع غزة لا زال يتبع لحركة فتح، وهي عائلة حلس.

وأكد احد أفراد العائلة quot;م. حلس أبو صقرquot; لإيلاف أن عائلة بادرت في إصدار بيان لها قبيل إندلاع الإشتباكات بيومين تؤكد فيه أنها ضد منهج القتل والتفجير، وأدانت حادثة إنفجار شاطئ غزة إدانة كاملة. وقالت هذا الأسلوب الذي لا يقره دين أو عقل أو أخلاق .وأضاف أبو صقر أن البيان جاء رداً على بيان وزارة الداخلية في حكومة غزة يحمل عائلتنا مسؤولية الامتناع عن تسليم المشتبه فيهم في هذه

وأكد أبو صقر لإيلاف أن عائلة quot;لم ولن تأوي أي متورط في هذه التفجيرات أو في أي عمل مخالف للقانون من أي عائلة أخرى، فلا يوجد أي شخص غريب من خارج أبناء عائلتنا يسكن منطقتنا، ولا نقبل أن نكون ملجأ للخارجين عن القانون.

وحول تميز عائلة حلس بكثرة السلاح، أوضح أبو صقر أن وجود عائلتنا بالقرب من الحدود مع غزة، يجبرنا أن نكون على أتم الجاهزية لأي عدوان إسرائيلي، وبالتالي من الطبيعي أن نشتري أسلحة ونتزود بالألغام والقذائف الصاروخية quot;فلا احد ينكر أن عائلة حلس قدمت 20 شهيدًا في إنتفاضة الأقصى التي إندلعت عام 2000مquot;، مشيراً إلى أن المعركة كانت دائمًا ضد الجانب الإسرائيلي، وليست مع إخوانا لنا مهما كانت انتماءاتهم السياسية، quot; لم نكن ولن نكون طرفًا في صراعات سياسية بل نجد من واجبنا تدعيم الوحدة الوطنية ونعلن أننا جميعًا في خدمة القانون كما كنا دائماًquot;.

وتؤدي العائلات الفلسطينية دورًا مهمًا في تشكيل السياسات داخل المجتمع الفلسطيني، فالعائلات الكبيرة تتكون من بضعة آلاف فرد يغلب على معظمهم الانتماء إلى فصيل معين، وبالتالي تكون معادية للفصيل الآخر.
وهاجم المئات من أفراد الشرطة في غزة وكتائب القسام التابعة لحركة حماس عائلة حلس أول البارحة، بعد أن فرضت عليهم طوقاً امنياً ومنعت دخول وخروج احد منهم، أسفرت في نهايتها عن 11 قتيلا , بينهم 8 من عائلة حلس , و2 من أفراد قوة حماس , وإصابة 103 آخرين بينهم 17 طفل و6 نساء ووصفت جراح 8 من المصابين بأنها خطيرة، بحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
وتقول وزارة الداخلية في غزة إن مطلوبين للعدالة لديها يتحصنون في جيوب العائلة، واتهمت الشرطة أشخاصًا من عائلة حلس ومطلوبين آخرين يحتمون بتلك العائلة، في التفجير الأخير الذي راح ضحيته 5 من كتائب القسام. وتؤكد حركة حماس أنها لا تواجه مشكلة شخصية مع العائلة العريقة، بل مع بعض الأفراد الذين يعملون على فقدان سيطرتها على الانضباط الأمني في القطاع، فيما ترى العائلة أن الحركة تستهدفها تحديدًا.

وكان وزير الداخلية الفلسطيني في حكومة حماس quot;سعيد صيامquot; قال في مؤتمر صحافي عقب إنتهاء العملية العسكرية ضد عائلة حلس، أنه لن يُسمح لأي عائلة التغول على القانون. وأضاف أنه تم خلال الحملة الأمنية quot;تفكيك المربع الأمني للمنفلتين من عائلة quot;حلسquot; واعتقال العشرات بينهم أربعة مطلوبين أحدهم يدعى quot;زكي السكنيquot; المتهم الأبرز في تفجير بحر غزة، عدا عن هروب العشرات إلى الضفة الغربية بعد تسليم أنفسهم للاحتلال الإسرائيليquot;.
وأعلن صيام أنه تم العثور في المربع الأمني المشار إليه على أسلحة متنوعة بينها أسلحة ثقيلة ومخازن للسلاح ومصانع للمتفجرات ومواد استخدمت في التفجيرات في مدينة غزة التي كان آخرها التفجير على شاطئ بحر غزة الذي أسفر عن استشهاد 5 من عناصر كتائب القسام وطفلة.


وأكد وزير الداخلية أن الحكومة نبهت عائلة quot;حلسquot; إلى خطورة ممارسة أبنائها وضرورة وقف تحدي الأجهزة الأمنية وإجراءاتها وهو ما استلزم أن تُقر الحكومة اعتقال كل المطلوبين والمشتبه فيهم في المربع الأمني لأبناء العائلة واتخاذ الإجراءات الأمينة اللازمة لذلك. وأشار إلى أن عناصر العائلة المطلوبين عمدوا إلى مواصلة تحدي الحكومة وأطلقوا عدة قذائف أدت أحدها مع الساعات الأولى للعملية إلى استشهاد اثنين من عناصر الشرطة عدا عن إصابة عدد كبير من المواطنين جراء إطلاق القذائف وصواريخ الهاون محلية الصنع.


وإعتبر صيام إقامة مركز للتدريب على السلاح خاص بعناصر من عائلة quot;حلسquot;، ليس لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بل للإشكاليات الداخلية.
وسمحت إسرائيل بإدخال 180 فردًا من عائلة حلس هربوا بإتجاه الحدود معها، بعد إشتباكات ضارية لساعات مع حركة حماس، من بينهم عاطف حلس وأبو ماهر الذي أصيب جراء إطلاق إسرائيل النار على تلك المجموعة القادمة بإتجاههم وإعتقلته هو و13 آخرين من أفراد العائلة. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد اصدر توجيهاته للجهات المعنية في السلطة الفلسطينية بالعمل على إدخال إفراد عائلة حلس إلى الضفة الغربية.

وقال نبيل أبو ردينة إن قرار الرئيس هذا جاء quot;لانقاذ حياة من يتهددهم خطر ملاحقة عناصر حماس لهمquot;، موضحاً أن الرئيس يحرص على عدم إفراغ قطاع غزة من سكانه وذلك بتمكين النساء والأطفال من العودة إلى بيوتهم.

وللعشائر والعائلات الكبيرة في غزة تاريخ من العلاقات المباشرة والتنسيق مع السلطة الحاكمة في القطاع من خلال زعيم العشيرة والذي يسمى quot;مختارquot;، بدءا من الإمبراطورية العثمانية ومرورًا ببريطانيا ومصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وانتهاء بحكومة حماس. وعادة ما تقف غالبية العشائر إلى جانب السلطة الحاكمة. إلا أن عائلتي حلس ودغمش في غزة، كسرتا تلك القاعدة مع حكومة حماس.. فهل ستشهد غزة حقبة مغايرة!!؟.