منظر عام لمبنى الرهان الجزائري |
كانت الجزائر هذه المرة خارج المراهنات المونديالية رغم مشاركة منتخبها لثالث مرة. قد يبدو الأمر غريبا للكثيرين، بيد أنّه بالنسبة للمتابعين والسكان المحليين عادي، طالما أنّ الساحة المحلية تفتقد للممارسة رغم الهوس الجماهيري القياسي بالكرة، quot;إيلافquot; بحثت الموضوع مع مختصين ومهتمين.
خلافا لدول عديدة، لا تأخذ المراهنات المونديالية في الجزائر شكلا ذا بال، وليس الأمر مقصورا على كأس العالم في جنوب إفريقيا فحسب، بل ينسحب أيضا على سائر المنافسات الرياضية، في بلد ظلّت فيه مؤسسة quot;الرهان الرياضي الجزائريquot; المملوكة للحكومة هي المحتكرة لجميع المراهنات، ومع تراجع الرهان الرياضي الذي أضحى جسدا بلا روح خلال الفترة الأخيرة، باتت ساحة المراهنة المحلية تفتقد لأي رجع صدى، ما جعل المراهنة مغيّبة رسميا، وغائبة خارجه أيضا.
ويقول الأستاذ quot;أنيس بن مختارquot;، إنّ المراهنات الكروية في بلاده تلاشت تماما منذ سنوات وذلك بفعل تراكمات اجتماعية وإيديولوجية، لافتا إلى أنّ quot;الرهان الرياضي الجزائريquot; توقف عن تنظيم مسابقات مثلما كان متعودا فعله منذ ستينات القرن الماضي، بيد أنّ صعود التيار الإسلامي المتشدد في الجزائر أواخر ثمانينات القرن الماضي وما أعقبه من فلتان الوضع الأمني واشتداد موجة العنف اعتبارا من شتاء 1992، جعل فعل المراهنة الرياضية يختفي تماما بفعل التراجع الكبير للمهتمين، وحلّت محلها ألعاب اليانصيب كومضات quot;كرة بلوسquot;، quot;اللوطوquot;، quot;حكّ تربحquot;، وكذا مسابقات quot;الطومبولاquot; وغيرها من ألعاب الحظ.
ويحرّم المشرّع الجزائري أي مراهنات خارج الإطار الرسمي، حيث تنص المادة 612 من القانون العام، على انه يُحظر الرهان عدا ذلك المتصل بـquot;الرهان الرياضي الجزائريquot;، وتشير المادة ذاتها إلى أنّ كل من يقوم بتنظيم نشاطات لها علاقة بألعاب الحظ يتعرّض لعقوبة السجن والغرامة المالية.
وتبعا للأزمات الإدارية والمالية المتلاحقة التي صار الرهان الرياضي الجزائري يتخبط فيها، وما أثير بشأنه من فضائح تسيير وفساد، بجانب افتقاده إلى مدير يتولى تسيير شؤونه، فإنّ المراهنات التي كانت تقتصر على مباريات الدوري المحلي وكذا الكأس، فضلا عن سباقات الخيول، زالت بالكامل، ولم يحدث في تاريخ الرهان الرياضي الجزائري أن أدرج كؤوس العالم المتعاقبة ضمن لائحة المراهنة بين زبائنه، تماما مثل منافسات جهوية ودولية أخرى.
وعليه، فإنّ كأس العالم الأخيرة في جنوب إفريقيا، لم تكن محلّ أي مراهنة رسمية رغم مشاركة المنتخب الجزائري في فعالياتها، وعبثا بحثت quot;إيلافquot; في عموم الأماكن والمنتديات عن فضاء سري للمراهنة، إلاّ أنّ كل الانطباعات والشواهد التقت في افتقاد الجزائر إلى هذه الممارسة، رغم الولع الجماهيري العارم بالكرة المستديرة.
استمارة للرهان الرياضي في الجزائر عام 1968 |
ويجزم الأستاذ quot;فارس فتح اللهquot; بعدم وجود عالم سري للمراهنات في الجزائر، مثلما يزعم البعض، ويربط محدثنا غياب مراهنات في بلاده مثلما هي بارزة دوليا، بالطبيعة المحافظة للمجتمع الجزائري المحافظ الذي يعتبر المراهنة quot;قماراquot; يتقزز منه عامة الناس، فيما يؤكد حكيم (52 عاما) أحد المدمنين على المراهنة على مباريات الدوري والكأس في الجزائر، أيام كانت إدارة الرهان الرياضي تنظمها هناك، أنّه ودّ فعلا رفقة العديد من مواطنيه أن يقتحم ساحة المراهنة حول المنافسة المونديالية، إلاّ أنّ ذلك غير متاح سواء رسميا أو بشكل غير رسمي، وهو ما يُبقي هذه الممارسة مقصورة على الجانب الودي، ففي جو من الحميمية، يتراهن حكيم مع أصدقائه سعيد، عثمان وعبد الرزاق حول أي منتخب سيتوج بكأس العالم، ويكون نصيب الفائز بالرهان عشاء فاخرا يتكفل الخاسرون بتسديد تكلفته.
المعنى ذاته، يبرزه عماد ووليد ورشيد الذين التقيناهم في نادٍ رياضي في ضاحية الجزائر الغربية، حيث يشددون على انتفاء دوائر محلية للمراهنين، ويعلّق فتحي المتخرج حديثا من كلية الحقوق، أنّه تعوّد بصورة ودية على المراهنة مع أقرانه، وكانت العملية تتم من دون أن تكون الجائزة مادية، ويضيف فتحي أنّه يعتمد في المراهنة على تحاليل مختصين ومتابعته نتائج الفرق ومستوياتها، ولأنّ نتائج المباريات ليست علوما دقيقة، يبقى في رأيه حدس المراهن وخبراته هي الفيصل في المسألة.
كما يسجّل نبيل التاجر في منطقة الشراقة، أنّ خلافا لما يحدث في دول غربية وقطاع من الدول العربية، فإنّ الجزائر تشكّل نموذجا خاصا من حيث المُراهنات المغيّبة، رغم التجربة الفريدة التي كرّسها الرهان الرياضي الجزائري على مدار عقود، حيث كانت تدور المليارات في فلكه، قبل أن تنقلب الأمور رأسا على عقب.
في سياق متصل، تشير quot;سامية بلقاضيquot; التي اشتغلت حول الموضوع، إلى أنّه كان يُمكن لأحد المراهنين في فترات سابقة أن يدفع 30 دينارا (أقل من نصف دولار) ليجني ndash; إذا ما كان محظوظا ndash; ثروة تربو عن الأربعة مليارات دينار كما حدث لأحدهم قبل سنوات.
وبشأن المداخيل التي كانت تترتب عن تلك المراهنات آنذاك، تفيد بلقاضي أنّ القانون الخاص المنظم بهذا النشاط أقرّ منح نسبة 40 بالمائة من المداخيل لصندوق ترقية ودعم النشاطات والتظاهرات الشبابية والرياضية التابع لوزارة الشباب والرياضة الجزائرية، في حين يتم تخصيص 40 بالمائة من المال المحصل لفائدة الفائزين، أما 20 بالمائة المتبقية، فتعود لإدارة الرهان الرياضي، مع العلم أنه من حق الرهان الاحتفاظ بنسبة الفائز في حال عدم الإعلان عن نفسه في غضون 36 ساعة التي تلي تاريخ إعلان أسماء الفائزين، وهو نشاط استمرّ كما أسلفنا إلى غاية أوائل تسعينات القرن الماضي، قبل أن يخفت بشكل تدريجي إلى أن انمحى تماما لا سيما غداة أزمة السيولة التي ألقت بظلالها على حركية الرهان المذكور برمته.
التعليقات