على الرغم من ان المنتخب العراقي بكرة القدم خسر مباراته امام المنتخب الاسترالي الا ان العيارات النارية انطلقت لتمزق السكون الذي كانت عليه الاجواء بشكل صاخب ارعب الناس، وهو الامر الذي يبعث على الحيرة والاستغراب خاصة ان المتعارف عليه انهم في الفوز يفعلون هذا.
أصبحت عمليات إطلاق النار في المناسبات بشكل عشوائي في العراق، حدثا تقليدا شعبيا لايمكن الاستغناء عنه على الرغم من النداءات الكثيرة، الرسمية والشعبية، التي تستهجنها وتطالب بمنعها وردعها ، ولكنها في استمرار وتواصل وازدياد وطالما يكون هناك العديد من الضحايا الذين يتساقطون بسببها وتمتليء بغيرهم من المئات المستشفيات، وهذه العادة ليست لها مناسبة خاصة فهي في الافراح تمارس وفي الاحزان ، أي في الاعراس تجد الاسلحة تبرز وتعلن عن وجودها بلعلعة الرصاص ، وفي المآتم تحضر بقوة كنوع من التباهي لاسيما في التشييع للموتى ، بل ان الفوز في مباراة كرة قدم او الخسارة فيها اصبحت سيان في اطلاق العيارات النارية الكثيفة وهي التي تدعو الى دراسة هذه الحالة والوقوف على ارهاصاتها .
فقد طالبت وزارة الصحة العراقية مرارا باصدار تشريعات تمنع اطلاق العيارات النارية اثناء الاحتفالات والمناسبات لتسببها بحدوث اصابات خطيرة بين المواطنين ودعت في اكثر من مناسبة المسؤولين في الدولة ورجال الدين الى ضرورة توعية المواطنين بمخاطر تلك العملية، وضرورة استعمال الطرق السلمية للتعبير عن افراحهم واحتفالاتهم، فيما كانت وزارة الداخلية تصدر قراراتها للحد من هذه الظاهرة وتهدد باعتقال المخالفين ومصادرة اسلحتهم ، ولكن دون جدوى ، فيما كانت وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة تحذر من خطورة الاطلاقات النارية العشوائية خاصة تلك التي تكون بسبب انتصارات المنتخب العراقي حين تمتليء الشوارع بحشود المحتفلين ، وقد اخبرني احد الضباط في الوزارة ان الوزارة اصدرت العديد قرارا بمنع اطلاق العيارات النارية في المناسبات وهددت باعتقال مطلقيها ومصادرة الاسلحة سواء كانت مرخصة او غير مرخصة عبر مفارزها المنتشرة ، بعد الحوادث الكثيرة التي تسببت بها هذه الاطلاقات ، ولكن من الصعب على الوزارة متابعة ذلك لاسباب عديدة منها كثرة المطلقين من داخل البيوت لاسيما في المناطق الشعبية كما ان المفارز لها واجباتها ، واضاف : لكننا نتمنى ان يكون هنالك وعي بخطورة الظاهرة السيئة التي تؤذي الاخرين سواء بالموت او الاصابة .
ويقولالشاعر ابراهيم زيدان أنظاهرة إطلاق الأعيرة النارية هي:quot; اسوأ عادة موروثة ، لان اجدادنا اعتادوا في افراحهم واتراحهم ان يطلقوا الرصاص لاعلام الاخرين بوجود مناسبة لديهم، وانتقلت هذه العادة بشكل كبير حين كان صدام حسين يطلق الرصاص من مسدسه وبندقيته بالمناسبات ، حتى صارت لغة الرصاص هي المعبر الوحيد عن الفرح والحزن ، وحين سادت عسكرة المجتمع في زمن صدام صار منظر المسدس والبندقية امرا مألوفا واليوم صار الوضع اسوأ بكثير ، فغياب القانون الرادع وراء هذه المظاهر السيئة التي يذهب ضحيتها الابرياء بسبب رصاصهم الطائشquot;.
واضاف : اليوم نعيش غيابا حقيقيا للدولة وهذا يعني تحصيل حاصل فقدان القانون الذي يتجسد بوضوح في غياب الامن والنظام ، كما قلت لك هو يجسد ظاهرة المجتمع المتخلف وللاسف اننا ابناء حضارة وامة علمت الامم الدرس الاول في القانون ، فالمواطن وحتى وهو يطلق النار في الافراح انما يتنفس من خلاله لانه عاش دهورا مقموعا ومهمشا
اما الصحفي محمد كاظم من وكالة الانخبار العراقية فقال : من وجهة نظري مهما كانت المناسبة واي كان نوعها لان الفرح والتعبير عنه له 100 طريقة وليس بالضرورة هذه الطريقة العدوانية والخطرة ، التعبير عن الفرح والحزن حالة لا إرادية ترتبط بسلوك الإنسان و أخلاقة وما اثار انتباهي هي الاطلاقات النارية (طلقات الرشاش) فيعتقد البعض ان اطلاقها هي وسيلة للتعبير عن الفرح وعند بعضهم هي مقياس الرجولة في حين لا يعرف هذا الشخص بان اطلاق الرصاصات تؤدي الى مشاكل كثير تؤثر على الناس وعليه وهذه المشاكل تسبب مصدر ازعاج للناس الساكنين وغير المحتفلين يعني هناك ناس كثيرون يتضررون بهذه الاطلاقات العشوائية ، وعليه لابد من الالتزام بالتعبير عن الحب والفرح بالطرق الحضارية والجميلة وليس بهذه الطريقة العدوانية ومحاسبة الغير على هذه التصرفات العدوانية والتي تنمي عن جهل وعدم تطور .
اما الاعلامية سرى الراوي فقالت : انا اعتبر اطلاق العيارات النارية ظاهرة غير حضارية وهي دليل على عدم وعي الشخص لان الفرح والحزن لا يترجم باطلاق العيارات النارية ، فهناك امور كثير نستطيع من خلالها ان نعبر عن مشاعرنا سواء في الحزن او الفرح ، فهناك من يعتبرون العيارات النارية تعبير عن فرحه لذلك يطلقونها ، اما في الحزن فهم يعتبرون العيارات النارية ظاهر لانتشار خبر الوفاة وهذا حسب اعتقادي اسلوب غير صحيح لان ضرره اكير من نفعه ان وجد فيه نفع . واضافت : انا اعتقد ان للاعلام دورا مؤثرا في هذه القضية وعينا كأعلاميين ان نقوم بمساندة السلطات من اجل التنبيه الى السوء الذي تجلبه هذه الظاهرة واعتقد ان قتل انسان جريمة حتى وان كان القائم باطلاق الناري لايدري فهذا يعفيه من المسؤولية امام الله .
وقال الصحفي غانم عبد الزهرة : انها جزء من العادات والتقاليد العراقية ولان العراق يغلب عليه الطابع العشائري فيعتبر امتلاك المواطن العادي لسلاح ناري في منزله مبعث فخر وعز ودلالة على شجاعته ويستخدم السلاح في مناسبات الافراح والاحزان لاطلاق العيارات النارية ابتهاجا او حزنا والمعروف لدى العشائر العراقية انها تطلق العيارات النارية عند تشيع جثمان زعيم العشيرة او اي شخص مهم فيها تعبيرا عن مكانته وشجاعته بين عشيرته وباقي العشائر الاخرى ,وهذا مايطلق عليه عند الجنوبيين (بالعراضة) والتي تتخلها القاء الاهازيج الحماسية لبيان اخلاق وصفات المتوفي اذا كان زعيم عشيرة او شخصية مهمة كما تشارك العشائر الاخرى التي تاتي على شكل اعداد غفيرة يتقدمها شيخها ووجوه العشيرة لتشارك في العزاء من خلال القاء الاهازيج واطلاق العيارات الناريةquot;.
وأضاف:quot;وتطور هذا الامر في ثمانينيات القرن الماضي حين اصبح في كل منزل عراقي هناك قطعة سلاح ، وكان يستدخم في اطلاق العيارات النارية اثناء تشيع جثامين العرقيين الذين قتلوا في الحرب العراقية الايرانية ،وكذلك في حفلات الافراح مثل الاعراس وختان الاطفال ،ونتيجة لزيادة حوادث اطلاق العيارات النارية في 8/8/عام 1988قرر نظام الرئيس السابق منع اطلاق العيارات النارية وفرض غرامات مالية كبيرة بلغت المليون دينار مما حد من هذه الظاهرة الا انها كانت تمارس عند تشيع زعماء العشائر العراقية ،وجرى منع اخرى عام 1991بعد غزو الكويت وشددت العقوبة حتى وصلت الى الاعدام واعدم بعض الاشخاص لان الدولة ونظام صدام اعتبر من يطلق العيارات النارية بمناسبة وقف اطلاق النار وخروج القوات العراقية من الكويت هو مساندة لقوات التحالف ،وبقي الحظر على اطلاق العيارات النارية سارياquot;.
وتابع:quot; وبعد سقوط النظام عام 2003 انتشرت الاسلحة التي نهبت من مخازن الجيش والفرق الحزبية واصبح اكثر من قطعة سلاحة وبدا عملية اطلاق العيارات النارية في الافراح والاحزان وبشل كبير ،حتى سقط عدد من الضحايا في العراق اثناء فوز المنتخب العراقي بكأس اسيا عام 2007 ورغم بعض الاجراءات القانونية والغرامات التي اتخذتها بعض المحافظات الا ان الكثيرلا زال يطلق العيارات النارية ،فمثلا ان الحكومة المحلية في كربلاء شرعت قانون بفرض غرامة مالية قدرها مليون دينار على من يطلق العيارات النارية وكذلك صدرت فتاوى لرجال الدين تحرم اطلاق العيارات النارية لماتسببة من اذى للمرضى والاطفال وتسبب في حالة وفاة .
اما الدكتورة حنان العبيدي الباحثة الاجتماعية واستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد فقالت : تعوّد العراقيون على ممارسة هذا التقليد منذ نحو 50 عاما ، وهذا بسبب الحروب المتكررة وتعوّد الذات العراقية على الاطلاق واعتبارها من اساليب التهديف المهمة وانها حالة للتعبير عن الفوز والانتصار والمكسب ، وهذه الحالة من الصعب ان نقتلعها بقرارات حكومية ، فحتى الطفل تعلم هذا وصار يحاكي الكبار ، وهي ليست تعبيرا انفعاليا محمودا ولكن منعها لا يأتي بسهولة ، فهذا الامر صار محل تفاخر وتباهي بعدد الاطلاقات التي تطلق والتي تقدم كفضل على الناس الذين قام هذا الشخص بالرمي للتعبير عن ابتهاجه بالمناسبة التي عندهم، وهذا صار تقليدا اجتماعيا ، حيث من لايطلق العيارات النارية في المناسبات يعده الاخرون بخلا وعدم اكتراث وعدم تقدير لاصحاب المناسبة وكثيرا ما يمكن سماع قول ان فلان قال انه (افرغ كذا شريط)، حتى تحولت هذه الحالة الى تقاليد اجتماعية تمثل جزء من الشخصية او ربما من الهوايات .
واضافت : الشخصية العراقية انفعالية ، واطلاق العيارات النارية هو اقصى حالات التنفيس الانفعالي ، واعتقد ان الذين يطلقون العيارات يستمتعون في ذلك ويجدون فيه تعبيرا عن الفرح ، وحتى لو صدر قانون فلن يقضي على الحالة وسوف يستعمل اسلوبا اخر .
وتابعت الدكتورة العبيدي : التوعية مهمة وايجاد بدائل لهذه الظاهرة ، لكننا للاسف لا نوعي الناس الا في اللحظة التي يقع فيها الحادث ، وعلى المسؤولين ان يظهروا الذين تعرضوا لاصابات بسبب هذه الاطلاقات على التلفزيون وهم في المستشفيات ، وعلينا ان نقول للذي يرمي : ها انت ترمي الاطلاقات النارية فرحانا ولكنك تصبح مجرما ،وكذلك يجب اجراء لقاءات مع مشرعين لاخبار الناس ان القتل بهذا الشكل جريمة وان كانت غير مقصودة ، كما يجب ان لا تكون التوعية في المناسبات فقط بل ان نولي المسألة تركيزا اعلاميا شديدا ، ان نقول بشكل مباشر لمن يطلق الرصاص : هل تذهب الى جهنم لقتلك انسان لانك تريد ان تعبر عن فرحك ، انا ارى ان المسألة تضافرية بين الحكومة والاعلام .
التعليقات