حملة إنتخابية في المغرب |
لا يزال الوجود القبلي يفرض نفسه في المغرب، وخاصة خلال الانتخابات، حيث يعتمد بعض المرشحين على دعم القبيلة لتحقيق الفوز. ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن الإنكار أن الحداثة والتطور في الخطابة أصبحا يشكلان ركائز أساسية في المعارك الانتخابية المغربية.
الرباط: ينظر علماء الاجتماع إلى الحملات الانتخابية باعتبارها ظاهرة اجتماعية، تجتمع فيها المكونات الثقافية والسياسية والقانونية والنفسية، حتى تكاد تكون ظاهرة كلية. وللحملة الانتخابية ضوابطها القانونية وفق خصوصية كل بلد، فتختلف الحملات الانتخابية مع تنوّع الثقافات والمجتمعات.
ويعتقد الباحث في علم الاجتماع في جامعة شعيب الدكالي في الجديدة، حسن قرنفل، أن التجربة الانتخابية في المغرب سمحت بتراكم مجموعة من السلوكيات، وطريقة خاصة في إدارة الحملة الانتخابية.
حضور قبلي لكسب مقاعد
وقال قرنفل لـquot;إيلافquot; إن المغرب quot;استطاع أن يتخلص من بعض تلك السلوكيات من خلال تقدم التجارب فيماما زال بعضها الآخر حاضراquot;، quot;فمثلا نحن نلاحظ الآن في المغرب أن السلوك الانتخابي بدأ يكتسب نوعا من العقلانية ولم نعد نسمع في التقارير الصحافية عن تنظيم ولائم، وإطعام الناخبين من أجل استمالتهم، هذا السلوك الذي كان حاضرا في الحملات الانتخابية السابقة تلاشى بشكل كبير خاصة في المدن الكبرى، وحتى المدن المتوسطة، ما يدلّ على تطور في السلوك الانتخابي للفاعلين السياسيينquot;.
وتشهد التجربة الانتخابية المغربية بعض التطور في الحملات التي تقوم بها الأحزاب السياسية، بفضل الدور الذي بات يلعبه المجتمع المدني، وتتبّع المراقبين من داخل المغرب وخارجه، الذين يضغطون في اتجاه تخليق الحياة السياسية، ولكي يكون التنافس الانتخابي بين المرشحين والأحزاب مبنيا على أسس شريفة وعلى قيم الحوار.
وسيطر مشهد سياسي في المغرب حتى بداية التسعينات، وكان موزّعاً على نوعين من الأحزاب: الأحزاب المنبثقة من الحركة الوطنية، والأحزاب التي تسمى إدارية، ويشير قرنفل في هذا الصدد: quot;لم تكن الأحزاب الوطنية تعطي أهمية كبيرة للحملة الانتخابية من أجل الحصول على أكبر عدد من المقاعد، إنما كان هاجسها الأساسي آنذاك تحقيق عملية التواصل مع الناس والتعريف بأفكارهاquot;.
غير أننا quot;دخلنا الآن في سياق آخر quot;يضيف الباحث الاجتماعي، وهو المتعلق بالتنافس الانتخابي من أجل الحصول على أكبر حصة من الأصوات quot;وبالتالي، تحاول الأحزاب أن يكون لها سلوك حديث وعصري، خاصة في الدوائر التي تعتقد أن الناخبين فيها سيتجاوبون معها، وفي الدوائر الكبرى والمتوسطة، ولكنها عندما تنتقل إلى دوائر قبلية لها خصوصياتها فستكون مضطرة للعمل بطريقة أخرى لكسب المزيد من المقاعدquot;.
فعلى عكس المدن، لا يمكن لوكلاء اللوائح ومرافقيهم أن يقتحموا الدوائر الانتخابية في أية لحظة في هذه المناطق، لأن لها تقاليدها وأعرافها الاجتماعية التي لا يمكن تخطيها، وليس بإمكانهم إلا مخاطبة الذكور من أجل إقناعهم بالتصويت لصالحهم، وبالتالي فإن أساس الحملة الانتخابية بالنسبة إلى الوسط القروي هي الأسواق الأسبوعية.
وتوفر الأسواق الأسبوعية القروية فضاءً ملائما لوكلاء اللوائح والمرشحين وأنصارهم كي يباشروا عملية التواصل من أجل إقناع الناس ببرامجهم، ومن هنا تكون الحملة الانتخابية في البوادي عبارة عن تجوال في الأسواق، لأن الدائرة الانتخابية تتكون من عدد من الجماعات وكل جماعة تتواجد في سوقها الخاص، وبالتالي عمل مدراء الحملة الانتخابية هو التنقل في هذه الأسواق داخل إطار الدائرة الانتخابية.
ويرى قرنفل أن القبيلة لا تساند أي مرشح من داخلها إلا إذا quot;توفرت فيه مجموعة من الشروط، كالعائلة، وأن يكون لها دور أساسي في القبيلة، ويكون للشخص المعني حضور ورأسمال اجتماعي وشبكة من العلاقات.quot;
ويوضح قرنفل قائلا: quot;توفّر هذه الشروط سيجعل القبيلة تقتنع بالمرشح وتمنحه أصواتها، ولكن في حال ترشّح أي شخص من دون رضا هذه القبيلة فلن يحصل على أي دعم، بل قد ينال منافسه من قبيلة أخرى، التصويت اللازم بدلاً منهquot;.
لذلك، اعتبر قرنفل خلال تصريحه لـquot;إيلافquot; بأن quot;التصويت القبلي لا يعتبر فاعلاً في كل الأوقات، رغم أنه لا يزال حاضرا، كما أننا نلاحظ أن أبناء القبيلة الواحدة ينقسمون على عدة أحزاب سياسية، وأحيانا نلاحظ حتى أبناء العامة يترشحون مع أحزاب متنافسةquot;.
القبيلة والانتخابات
من جهة أخرى، قال الباحث في علم الاجتماع في جامعة ابن طفيل في القنيطرة محمد دحمان، في تصريح لـ quot;إيلافquot;: quot;في فترات الخيارات الحاسمة، يستثمر العامل القبلي، رغم أن القبيلة لم تعد تحتفظ بمعناها السابق، ولكنها تستثمر وتتحول إلى أداة لإقصاء الآخر الذي قد يكون من قبيلة أخرى أو من منطقة أخرى، وقد تخلق معه تحالفا ظرفياquot;.
وفيما أكد دحمان خلال حديثه لـquot;إيلافquot; حضور العامل القبلي خلال الانتخابات، استحضر ما شهدته الانتخابات التشريعية عام 2007، والتي دخلها حزب الأصالة والمعاصرة حديث النشأة آنذاك، وكيف أن quot;بعض رموز الحزب تنتمي إلى بعض القبائل القوية ديمغرافيا في المنطقة الجنوبية للمغرب ولها امتدادات في الشمال، كقبائل الركيبات واولاد ادليم التي لها امتدادات في الرحامنة وسوسquot;، مضيفا أن quot;القبيلة تبدو حاضرة كأداة تستثمر أيضا من أجل الشعبية والتجذر، فدائما هناك تدافعات، خاصة عند حضور وافد جديد بوجه آخرين، عندها تحصل معركة إنتخابية تستثمر فيها جميع الوسائل: العلاقات العشائرية، النقود، رؤوس الأموال، الأعيانquot;.
وكان الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة فؤاد عالي الهمة قد فاز كوكيل لائحة إلى جانب ثلاثة من لائحته، في دائرة الرحامنة الانتخابية خلال تلك الانتخابات، ورأى المراقبون أن هذا الفوز تم بفضل سلطة الولاء القبلي إلى جانب السلطة الرمزية من خلال صداقته مع الملك محمد السادس.
ويحضر عامل الأعيان إلى جانب العامل القبلي، والذي لم يمنع quot;قدوم أي حزب جديد يأتي بخطاب الحداثة والديمقراطية، إلا أن حضور المادة والولاءات والجهوية، يبعث بالقبيلة من جديد، كما يؤكد دحمان، لكن سرعان ما يختفي هذا العامل خلال الفترات التي تمتاز ببرودة الحياة العامة، أي عند انتهاء العملية الانتخابيةquot;.
ويشير دحمان في تصريحه لـquot;إيلافquot; إلى أن القبيلة quot;تكون حاسمة خلال الانتخابات وخلال فترات الزواج، خاصة بين القبائل المتنفذة والأعيان، فيبرز عندها التضامن القبلي، وبطبيعة الحال هذا مرتبط بدول الجنوب، حيث لا تلعب المؤسسات الاجتماعية في المناطق المدروسة (المناطق القروية والنائية) دورها كاملاً سواء في التعليم أو في الصحة، فتكون عودة الإنسان للأسرة والقبيلةquot;.
للأعيان دورهم الأساسي على مستوى الحياة القبلية، فهم المحرك المحوري لها، ويحركون حتى التضامن الذي كان بين القبائل عبر التاريخ، والتي ما زالت تمارس حتى الآن وأصبحت توظف لتجاوز ظروف معينة أو الوصول إلى بعض الأهداف، فما يجري خلال هذه الانتخابات يعكس واقع الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
على عكس المدن، لاحظ مراقبون أن الحملات الانتخابية في المناطق القروية تمتاز بخصوصية فريدة، تتعلق بالمشاركة بنسب هامة من قبل المواطن، إذ تعتبر الانتخابات هامة بالنسبة إلى المواطن محليا.
التعليقات