تختلف العراقيات في نظرتهن إلى ما ستؤول إليه الأوضاع في بلادهن بعد الانسحاب الأميركي، بل إن مشاعرهن تختلط بين الفرح والتوجّس من المستقبل، والخوف من العودة إلى المربع الأول، بفعل الصراعات السياسية على المناصب والمكاسب.


جندي أميركي في حراسة طالبات متجهات للامتحانات النهائية

بغداد: تباينت آراء نساء عراقيات، واختلفت مشاعرهن حول انسحاب القوات الأميركية من العراق، فهن وإن اتفقن على السرور والفرحة التي تبعثها مغادرة الجنود الأميركيين للأراضي العراقية وانتهاء مسلسل الاحتلال الذي بدأ قبل نحو تسعة أعوام، إلا أنهن لم يتوافقن في التعبير عمّا يجيش في نفوسهن من تداعيات ما بعد الانسحاب، فهناك من تجد نفسها سعيدة بسماعها لخبر رحيل آخر جندي عراقي فجر يوم الأحد، وهناك من لا تجد بدًا من أن تتوجّس خيفة، وتشعر بأن الأوضاع ربما ستعود إلى المربع الأول، وهو ما سيؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، بسبب النزاعات المستمرة بين السياسيين والصراعات على المناصب والمكاسب، فضلاً عمّا تضمره دول الجوار.

يمكن النظر إلى ما ينتاب المرأة العراقية على أنه يأتي من عواطف جيّاشة طبيعية تحاول التعبير بها عما امتلأت نفسها به من خوف وحيرة طوال السنوات الماضية، وهو شعور فطري مفعم بالتوجّس، كما إنها في تلك اللحظات تحاول أن تستقر نفسيًا لتقرأ قراءة صحيحة كل الأحداث، التي مرت بها، وعانت ما عانته، وهي ترى أساطيل الآليات الأميركية في الشوارع، تزرع الخوف على الأرصفة، وفي الليالي، كما إنها تتأمل واقع السياسيين العراقيين، فلا تجد ضياء ساطعًا يمكنه أن يكسر الخوف عندها بالتصالح وتغليب المصلحة العامة على الخاصة.

فقد قالت الناشطة في حقوق الإنسان المهندسة شروق العبايجي: quot;الإنسحاب الأميركي حدث كان لا بد أن يحدث آجلاً أم عاجلاً، لا يمكن أن يكون هناك بقاء دائم للقوات الأجنبية على الأراضي العراقية، وبشكل مبدئي وأساسي إننا نحن كمواطنين عراقيين كلنا سعداء بأن يكون البلد خاليًا من قوات أجنبية، ولكن المشكلة هي في عملية التعاطي مع هذا الانسحاب، قضايا التسييس والاستخدامات، التي هي ليست في مصلحة المواطن العراقي من قبل أصحاب القرار، هذا هو الذي يخيفناquot;.

وتابعت: quot;الانسحاب حدث مفرح، وهو شيء تطلعنا إليه بكل فرح، ولكن في الوقت نفسه لدينا مخاوف من التوظيفات السيئة للسياسين لمثل حدثكهذا،أو لما بعد الانسحاب، إذ قد يكون هناك شعور لدى بعض القوى السياسية أو لدى بعض الجماعات المسلحة بأن وضع البلد أصبح الآن يتيح لهم مجالاً أكبر لممارسة نشاطاتهم الإجرامية أو التي تضرّ بالمصلحة الوطنية أو بالمواطن العراقي، هذا هو تخوفنا، الذي يجب أن لا يكون مرتبطاً بالانسحاب الأميركي، ويجب على كل مواطن وكل جهة سياسية، وكل صاحب قرار أن يستغل الفرصة هذه لتعزيز اللحمة الوطنية، ولبثّ الشعور بأننا قادرون على نبني بلدًا مستقلاً وشعبًا حرّ الإرادة، على الرغم من صعوبة التحدياتquot;.

أما الفنانة التشكيلية ندى عثمان فقالت: quot;بناء على الظروف الحالية، التي يمر بها العراق، لا أرحّب بانسحاب القوات الأميركية، لأسباب الجميع يعرفها، وغير خافية على أحد، حيث إن العراق الآن أصبح بين حجري رحى، الكل يريد أن ينهش به، على الرغم من أنهم ينهشون به، ولكن بانسحاب الأميركيين من العراق، ستزداد الضغوطات والويلات على الشعب العراقي، الذي عانى الكثير، فأنا شخصيًا لست مع انسحاب الأميركيين في هذا الظرفquot;.

وأضافت: quot;أتوقع أن تحدث أشياء كثيرة غير سعيدة، مثلاً أنغالبية الدول التي تنتظر الإنسحاب الأميركي من العراق ستتهيأ لضخّ المخرّبين، وإرسالهم إلى العراق، وهم الذين مع وجود القوات الاميركية كانوا يفجّرون ويخرّبون، ولكن نشاطهم سيزيد وفعالياتهم ستكثر، وبما أن السياسيين، الذي عندنا، كل له اتجاه وعلاقة مع دولة مجاورة، فمن المؤكد أنهم سيعملون من أجل الجهة التي ينتمون إليها قلباً وقالباً، ومن هنا ستزداد التجاذبات والويلات على شعب العراق وأهله، ولا أتوقع خيرًا، لست متشائمة، ولكن هذا واقع الحال، أنا بطبعي متفائلة، ولكن لا نستطيع أن نخرج عن الإطار الذي نعيش فيه، وليس من الذكاء أن نتأمل شيئًا غير موجود.

فيما قالت القاصّة أطياف إبراهيم سنيدح: quot;أتوقع أن يتحسن الوضع الأمني كثيراً، وكذلك الوضع السياسي، لأنمعظم القادة السياسيين، من خلال اختلافاتهم، يؤكدون أن هناك مصالح مشتركة ودوافع مشتركة، وأن المحتل يحاول أن يتدخل في شؤون هذا السياسي وغيره، فيخلق بلبلة ونزاعات خاصة في ما بينهم. أما بعد الانسحاب فأنا أتوقع أن سوء التفاهم بين الأطراف المتخاصمة سيمحى نهائيًا، وتكون هناك نظرة واسعة وشاملة، تتمثل في تحقيق الأمان والاستقرار للبلدquot;.

وقالت الكاتبة والإعلامية حذام يوسف طاهر: quot;أنا ضد أن يكون الانسحاب الأميركي في هذا الوقتتحديدًا، الذي نحتاج فيه قوة عظمى، ولا نستطيع أن ننكر هذا الموضوع، ولا يمكن لشخص أن يضحك على نفسه، ويقول بعكس ذلك، بدليل الانتهاكات، التي تحدث حتى داخل المنطقة الخضراء، التي يفترض أن تكون محصنة جداً من كل التجاوزات، ولكن الانفجارات تطالها، إذن نحن غير محصّنين، لا الشارع العراقي، ولا المواطن العراقي، ونحتاج قوة تدعمنا، ولا بأس بأميركا.

وأضافت quot;نحن نعرف أنغالبية الدول العربية تأخذ دعمًا من أميركا لكونها دولة عظمى، وهذا لا يمكن أن ينكره أحد، مثلما لا يمكن أن ننكر قوة أميركا وسيطرتها على العالم، ولنكن أذكى من الدرجة هذه، ونحاول أن نستفيد من خبراتها وطاقاتها، ومن الشركات العالمية التي تدعمها أميركا ماليًا ولوجستيًا، كما إنها تستطيع أن تخترق كل شيء، فلماذا نظل نكابرquot;.

وأضافت: quot;الخارطة السياسية في العراقية توضح عدم وجود سياسيين لديهم الخبرة والدراية بموضوع قيادة دولة، هم جدد على هذا الأمر بالتفاصيل كافة، وبالتأكيد هذه الفوضى والتشتت والانهزام في بعض الأحيان والتحدي، يأتي في وقت نحن غير مؤهلين للتحدي، فكل هذا سيبقى، وسيكون الوضع أسوأ، على الرغم من أن الشعب ينادي، والقوى المثقفة والليبرالية تؤكد على الوحدة ورصّ الصفوف، ولكن مع ذلك القوى السياسية حتى الآن أناس يتهمون أناسًا، وأناس تجرّم أناسًا، والوضع ينتابهقلق حقيقة، ولا يوجد ما يبشّر بالخيرquot;.

وتحدثت الإعلامية أفراح شوقي عن رأيها بالانسحاب ورؤيتها لشكل الحياة التي تتمناها بعد الانسحاب بالقول: quot;الانسحاب بشكله الظاهر هو تعبير مفرح ومناسب للجميع.. وهو نهاية حتمية لوجود محتل مارس كل أشكال العنف والتسلط بهمجية وبربرية على أراضينا، كما إنه الترتيب المنسّق والأصلح للقوات الأميركية والعراقية معًا بعد ثمان سنوات من الاحتلال، والتي لم يسلم فيها الطرف المحتل من مقاومة مسلحة أرعبت الكثير من تلك القوات، وغيّرت لأجلها الخطط والأهداف، وفرحة الانسحاب الأميركي من الأرض العراقية قضية لا خلاف عليها، لما تركه الاحتلال في النفس من كره وبغض لأفعالهم، التي استباحت دماء العراقيين بلا وازع أخلاقي أو سيادي للدولة العراقية.

وأضافت: quot;أما عن شكل الحياة، التي نتمناها بعد الانسحاب، فهي نفسها الأمنيات التي تتولد لدى العراقيين جميعًا بإثبات حسن الأداء ممن وعدوا بأن يكونوا أهلاً لرعاية مصالح البلد، خصوصًا السياسيين وقادة الكتل السياسية وقوات الأمن العراقية لأجل حماية الأرض وإدامة ملف الأمن بالشكل المطلوب، والابتعاد عن المصالح الذاتية والصراعات السلطوية ما بين أطراف الحكومة، في حين أن الشعب بانتظار تحسّن أمثل نحو الخدمات بكل أشكالها، والنهوض الاقتصادي والسيادي ورعاية أموال ومصالح الشعب بمهنية وكفاءة عالية، وضمان عدالة منصفة للجميع ممن هم في سدة الحكم والقرار، ونبذ سياسة التهميش والإقصاء، التي خيّبت آمال الكثيرين ممن توسّموا خيرًا في الحكومة المنتخبة الجديدة.

وقالت الإعلامية سوسن الزبيدي: quot;أنا متفائلة جدًا بالانسحاب.. وهو فعلاً يوم الوفاء كما وصفه رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو يوم العراقيين جميعًا .. ومن حقنا أن نفرح لحالة الاستقرار الأمني، الذي نشهده اليوم بعد ثمان سنوات من عمر التغيير واعتماد الكثير من مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية في العراق على جهات عراقية من دون تدخل الأجنبي أو أي دولة من دول الجوار، أنا متفائلة ومرتاحة نفسيًا عندما شاهدت أو سمعت عن آخر جندي محتل يخرج من بلادناquot;.

وتابعت quot;أمس كانت القوات الأمنية الأميركية مصدر قلق نفسي وعدم رضا للمواطن العراقي، بسبب الكثير من التصرفات التي أزعجتهم، ونالت من كرامتهم، خصوصًا ما حصل من تجاوزات خطرة منقبل الشركة الأمنية سيئة الصيت في ساحة التحرير وقتلها لأناس أبرياء بلا وجه حق.. نطمح في أن يكون الآتي من الأيام يحمل بصمات العراقيين أنفسهم، لأنهم وحدهم من سيضع بصمته الواضحة على الحياة الجديدةquot;.

أما الشاعرة والإعلامية والناشطة سناء وتوت فعبّرت عن سعادتها، مشيرة إلى أنها متوجّسة، خشية من أن نعود الأمور إلى المربع الأول من شكل الحياة السياسية بعد التغيير مباشرة من تناحرات وعنف طائفي، عانى العراق منه كثيراً.

وقالت: quot;فالانسحاب هو يوم التحرر الفعلي للعراقيين والخلاص من ثقل الاحتلال .. ولكنني أتمنى أن يكون الجيش العراقي وقوات الأمن العراقية على قدر تلك المسؤولية وأن يحافظوا على الحدود العراقية من أي اعتداء يهدد امن العراقيين، لكن ما زالت مشاعر التوجّس تراود الجميع خشية وقوع بعض التداعيات السلبية للانسحاب، وذلك نجده واضحًا من خلال المهاترات والخلافات ما بين قادة الكتل السياسية، في حين نحن أحوج اليوم إلى اتفاقهم وتوحدهم ونبذ خلافاتهم المصلحية وسيرهم على أرض واحدة من أجل تطمين الشعب العراقي وحمل لواء رايته نحو بر الأمانبعد الانسحاب ليبرهنوا للجميع عن إمكانياتهم التي تقوّي من عزمنا جميعاًquot;.