يتزايد نفوذ الجماعات السلفية في تونس بشكل واضح، حتى أن بعض العادات المرتبطة بالدين الإسلامي أصبحت تتم بشكل سري، ومنها زيارة الزوايا الصوفية، والتي يعتبرها السلفيون quot;شركًاquot; وquot;كفرًاquot;.


تونس: يتلفت حسين حارس الزاوية الصوفية القادرية في منزل بوزلفة (40 كلم جنوب العاصمة تونس) بخوف حوله ثم يفتح بيديه المرتعشتين باب الزاوية التي اصبحت مثل بقية المعالم الصوفية في البلاد هدفًا لهجمات سلفيين متشددين يعتبرون زيارة الاضرحة والزوايا الصوفية quot;كفرًاquot; وquot;شركًاquot; بالله.

وقد تأسست هده الزاوية سنة 1846. ومنذ ذلك الحين تقام فيها مساء كل خميس حلقات الذكر والانشاد الديني وتقدم عندها النذر حسب طقوس الطريقة الصوفية القادرية نسبة الى عبد القادر الجيلاني، اكثر الطرق الصوفية انتشارًا في تونس.
وفي 14 ايلول/سبتمبر 2012 عندما كان مئات من المحسوبين على التيار السلفي المتشدد يهاجمون مقر السفارة الاميركية في العاصمة تونس، احتجاجًا على عرض فيلم مسيء للاسلام أنتج في الولايات المتحدة، هاجمت مجموعة سلفية مسلحة بالسكاكين والسيوف الزاوية وخربتها وأجبرت القائمين عليها على غلقها وهددتهم إن هم عاودوا فتحها.
قال حسين وهو ينظر بحسرة الى اثار التخريب quot;نزعوا حتى اطارات الآيات القرآنية المعلقة على الجدران. وأنا هربت لأن أحدهم قال هذا يجب أن نقتلهquot;.
ومنذ الهجوم بقيت الزاوية مغلقة ولم تعد تستقبل مئات المريدين الذين يزورونها طلباً لبركة سيدي عبد القادر الجيلاني الذي يقول مؤرخون إنه من احفاد النبي محمد.
ويقول الشيخ مصطفى الامام المشرف على المعلم الصوفي، متنهدًا quot;المستقبل بيدي الله سبحانه. أريد أن تعود الامور الى نصابها (..) لكني خائف على الزاوية. فقد هددوا (السلفيون) باحراقهاquot;.
ورغم أن الشيخ أخطر الشرطة بهجوم السلفيين المتشددين على الزاوية إلا أنه لم يتقدم بدعوى قضائية ضدهم ربما خوفًا من quot;بطشهمquot;.
ومنذ مهاجمتها بقيت الزاوية دون حراسة من الشرطة.
وفي الخارج، نفى سلفيون بشدة أن يكونوا هاجموا الزاوية لكنهم أقروا بأنهم منعوا الوصول إليها لأن زيارة الاضرحة والزوايا quot;شرك باللهquot; وممارسة quot;جاهليةquot;، حسب قولهم.
ويتهم هؤلاء الصوفيين بنشر quot;السحر والشعوذة والدجل والبدعquot;. ويقولون إن ماء الزاوية الذي يتبرك به زوارها quot;نجس لأنه ملوث بمياه الصرف الصحيquot; وأنها مكان لممارسة quot;الدعارةquot;.
وقال عماد العياري امام المسجد المجاور للزاوية quot;أقسم بالله أني رأيت هنا مشاهد خليعةquot;.
وأضاف الامام الذي علق لافتة كبيرة تأمر الزوار بعدم الصلاة في الزاوية quot;إن قدم أناس إلى هنا (..) سأقول لهم أن يذهبوا إلى المسجدquot;.
وفي ايلول/سبتمبر الفائت أصدر quot;محبو الزاوية القادريةquot; بيانًا دعوا فيه quot;التونسيين رجالاً و نساء وقادة البلاد (..) أن يقفوا وقفة رجل واحد لتعود الزاوية القادرية فتفتح أبوابها مؤمنة من كل اعتداء على الانفس و الاماكنquot;، مشيرين إلى أن المعتدين على الزاوية ينتمون الى السلفية quot;الوهابيةquot;.
وناشدوا وزارة الثقافة بأن quot;ترعى تراثنا المعماري الأصيل وتحميه من النهب والتخريب والتهديمquot;.
ومنذ الاطاحة في 14 كانون الثاني/يناير 2011 بالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، تعددت تجاوزات الجماعات السلفية المتشددة في تونس.
ويقول مهتمون بالشأن التونسي إن هذه الجماعات لم تكن تجرؤ على التحرك في عهد بن علي خوفاً من quot;بطشquot; أجهزة الأمن.
ويجمع كثير من المراقبين على أن التيار السلفي المتشدد في تونس يحمل ثقافة quot;دخيلةquot; على البلاد المعروفة بانفتاحها وتسامح سكانها واعتدالهم الديني.
وفي ايار/مايو 2012 استنكرت وزارة الثقافة التونسية بشدة quot;الاعتداءاتquot; السلفية على quot;الزوايا والمقامات التي تمثل جزءًا من التراث الوطني في بعديه المادي واللاماديquot; واعتبرتها quot;محاولات لطمس الذاكرة الوطنية التونسيةquot;.
وهددت الوزارة بـquot;التتبع العدلي لكل من يعتدي على الرموز الثقافية لبلادناquot;.
وتقول وسائل إعلام محلية إن جماعات quot;سلفية وهابيةquot; شرعت منذ الاطاحة في 14 كانون الثاني/يناير 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، في هدم أضرحة صوفية بكامل أنحاء البلاد وفي دعوة المواطنين إلى الكف عن زيارتها لأن في ذلك quot;شركًا باللهquot;.
وتنتشر في تونس الزوايا والمقامات الصوفية التي كان لها دور في حماية الهوية الوطنية والدينية خصوصًا ايام الاستعمار الاجنبي والتي يعتقد كثير من السكان في بركة اوليائها quot;الصالحينquot;.
ويقر مسؤولون حكوميون بتزايد الاعتداءات السلفية على المعالم الصوفية في تونس.
وقال صادق العرفاوي المكلف بالمعالم الدينية في وزارة الشؤون الدينية التونسية لفرانس برس إن لزوار المعالم الصوفية مسؤولية في استمرار تعرضها لاعتداءات لأنهم لا يتقدمون بسبب quot;الخوفquot; بشكاوى ضد السلفيين.
ولفت الى أن quot;سلبية الناس شجعت هذه المجموعات على المضي قدمًا في ممارساتهم وعنفهمquot;.
واشار المتحدث الى أن مهاجمة المعالم الصوفية تدخل ضمن مشكلة اوسع هي سيطرة السلفيين على عدد من المساجد في البلاد.
وذكر أن حوالي مئة مسجد بينها مسجد منزل بوزلفة، وقع احتلالها بشكل غير قانوني من قبل سلفيين quot;معروفين بعنفهم وحماقتهمquot;.
واضاف أن quot;الدولة تواجه مشكلة معقدة ولا يجب اعتبار الحل امنيًا (..) ردنا على هذا التيار بيداغوجي (تربوي) يقوم على الحوار، سنطلب (من السلفيين) أن يكونوا متسامحينquot;.
لكن يبدو أنه لا مجال للتسامح مع الصوفيين بحسب كلام امام مسجد منزل بوزلفة الذي قال quot;لنكن واضحين الاختلافات الدينية يمكن أن توجد لكن في المسائل الثانوية فقط وليس الجوهريةquot;.
واضاف quot;في هذا الموضوع يتعلق الامر بعنصر رئيسي للايمانquot; منبهًا quot;إن سجدت لضريح فذلك اعتداء على اللهquot;.