الخطاب الأخير الذي ألقاه الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي مساء الأربعاء، السادس والعشرين من يونيو، قبل أيام قليلة من دعوات قوى المعارضة للتظاهر ضد رئاسته في الثلاثين من يونيو، وقد استمر أكثر من ساعتين، سواءا أكنت من محبي جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها الرئيس أو كارهيها، فلا يمكن عند التحلي بالموضوعية إلا الإشادة بالصراحة التي اتصف بها الخطاب، حيث اعترف الرئيس بحقائق عديدة عن الواقع المصري طوال العام الماضي من رئاسته، بما فيها الاعتراف العلني بالمشاكل التي ترهق كاهل المواطن المصري طوال العام الماضي، وأهمها حسب اعتراف الرئيس:
الأولى: تردي الوضع الاقتصادي منعكسا على صعوبات حياتية عديدة منها ارتفاع الأسعار ونقص بعض الموارد خاصة الطاقة الكهربائية والوقود الذي يشمل كافة المحافظات المصرية، مرجعا نسبة من هذه المشاكل إلى التلاعب ووسائل الاحتيال والنصب.
الثانية: اعترافه الصريح بضرورة تصحيح مسار الثورة وطرق أدائها خلال العام الماضي موردا أرقاما مذهلة عن عدد الاضرابات والاعتصامات والمليونيات، مما يؤدي فعلا لشلّ عجلة الاقتصاد والتنمية بدليل الخسارة التي تكبدتها البورصة المصرية وانفاض سعر الجنيه المصري، وتراجع أو تخوف الاستثمارات والمستثمرين.
الثالثة: اعترافه بأنّ القوى الشبابية لم تأخذ دورها الذي تستحق بعد الثورة التي اعتمدت في الغالب على هذه القوى. وضمن السياق كشف بالأسماء عن رموز الفاسدين من النظام السابق الذين نهبوا البلاد والعباد أمثال أحمد شفيق ومكرم محمد أحمد وصفوت الشريف و زكريا عزمي وآخرون، وإذا بهم اليوم يتسلقون الثورة ليقدّموا أنفسهم على أنّهم ثوار ضد النظام والرئيس الذي انتخبه الشعب. وقد طرح الرئيس مرسي سؤالا مهما وهو: إذا كان أحمد شفيق بريئا وثوريا وليس ضده ملفات فساد مرعبة فلماذا هرب خارج مصر فور رسوبه في الانتخابات الرئاسية في يونيو 2012 ؟.

ضرورة القيام بعملية جراحية لإصلاح بنية النظام
لأنّ الثورة المصرية فعلا لها أعداء في الداخل والخارج، ورغم أنّ هناك معارضة وطنية، إلا أنّ المراقب للحدث اللمصري كما أشار الرئيس في خطابه توجد معارضة عبثية ترفض المشاركة والحوار، وتعتبر أنّ وجهة نظرها فقط هي السليمة التي يجب أن تطبق وتمارس. وفعلا هذه نظرة وموقف يتعارض مع أبسط قواعد الديمقراطية، لأنّ الديمقراطية تعني المشاركة والحوار واحترام رأي الأغلبية، وهذا ما ترفضه أغلب قوى المعارضة المصرية، حيث ترى كل قوة أو حزب بانّه هو الأجدر بحكم مصر وشعبها رغم أنّ نسبة حضور بعض هذه القوى شبه معدومة في الشارع المصري. لذلك لا برنامج لدى هذه القوى المهمشة سوى التشكيك في أية خطوة يتخذها الرئيس والنظام. وهذا يستدعي كما قال الرئيس اجراء عملية جراحية في بنية النظام، خاصة لوقف حجم الشائعات التي تصور مصر وكأنها بلد بدون قانون أو كأنها غابة لا يوجد فيها سوى الوحوش. ومن ضمن ما يستدعي هذه العملية الجراحية حسب التفاصيل والأسماء التي أوردها الرئيس المؤسسة القضائية التي لا تخلو من الفساد والانحياز أحيانا لرموز النظام البائد.

ودور الإعلام المصري غير الموضوعي في غالبيته
إنّ المتابع للشأن المصري من خارج مصر يدهش لهذا العدد من القنوات التلفزيونية والصحف الورقية والمواقع الاليكترونية، وأغلبها يعتمد أسلوب الاثارة والشائعات والأخبار الوهمية، والتهجم الذي ترفضه قوانين كافة الدول الديمقراطية. ومن المحزن أو المخجل أنّ راقصات مصريات كان وما يزال عملهن الرقص في الكباريهات أصبحن من الثوار والمنتقدين ببذاءة ووقاحة تتنافى مع كافة ضوابط الأخلاق للرئيس ورموز الدولة وغيرهم. أمّا عن إعلاميي الإثارة والشهرة الكاذبة فحدّث بلا حرج، فإعلاميون كانوا أبواقا للنظام البائد رغم كل جرائمه وفساده ونهبه للبلاد والعباد، اصبحوا اليوم ثوارا يستطيعون حشد الملايين حسب ادعاءاتهم الكاذبة.

وعود مهمة في خطاب الرئيس
لقد كانت المكاشفة والصراحة من أهم صفات الخطاب، وقد اعترف صراحة بعدة ضرورات عاجلة منها الحرص على انتخابات سريعة شفافة، وهذا يقتضي مشاركة الجميع في الحوار والتخطيط، وتأكيده على حق الجميع في التظاهر السلمي الذي لا يتعرض للمؤسسات والممتلكات العامة والشخصية. وهنا أشاد بدور الجيش والقوات المسلحة والشرطة التي قدمت العديد من الشهداء وهي تقوم بحماية المتظاهرين وممتلكات الدولة والمواطنين. ومن زار مصر أخيرا يشعر بالحزن والألم على كيفية فهم الكثيرين للتظاهر. فما علاقة التظاهر ضد الرئيس أو حكومته بتكسير الممتلكات العامة ونهبها؟ لذلك جاء تحذير الرئيس واضحا أنّ هؤلاء العابثين لن يكون مكانهم إلا السجون عبر القانون الذي يجب تطبيقه على الجميع.

أرى كمراقب ومهتم بالشأن المصري أنّه من حق كل من يريد من الشعب المصري أن يتظاهر ويعتصم يوم الثلاثين من يونيو، ولكن بسلمية عالية لا تتعرض لقطع الطرق وحرق الممتلكات العامة أو نهبها وتكسيرها. أمّا الإصرار على مواصلة التظاهر حتى استقالة الرئيس أو تنحيه فهذا يتنافى مع أبسط قواعد الديمقراطية، فمن وصل عن طريق صناديق الانتخابات لا يرحل إلا عن طريق صناديق الانتخابات نفسها. وهذا ما وعد به الرئيس من التسريع بانتخابات عاجلة بعد اتمام الأسس الدستورية لذلك، خاصة في ظل انقسام السلطة القضائية المصرية. وما سبق هو مجرد رأي متابع محايد يحب لمصر وشعبها الأمن والاستقرار والرخاء، أي أنّه غير ملزم لأحد وليفعل الشعب المصري ما يريد يوم الثلاثين من يونيو، ضمن أسس وقواعد الديمقراطية التي يدّعي الجميع بانّهم يريدون سيادتها...وإنّ غدا لناظره قريب.
www.drabumatar.com