اتيحت لي الفرصة أثناء زيارتي الأخيرة إلى الأردن قبل أيام قليلة، لقاء القيادي الإسلامي الأردني المعروف الدكتور quot;ارحيل الغرايبةquot;، هذه الشخصية الموثرة داخل جماعة الإخوان المسلمين الأردنية وحزبها السياسي (جبهة العمل الإسلامي). بالاضافة لكونه من المفكرين الإسلاميين المعروفين بثقلهم داخل مجال دراسات الشريعة والفقه الإسلامي، فهو حاصل على درجة الدكتوراة في تخصص الفقه والتشريع الإسلامي من الجامعة الأردنية عام 1995 ، وكان موضوع أطروحته من الموضوعات الجدلية في الحياة اليومية العربية، إذ ناقش من أوجهه المختلفة موضوع ( الحقوق والحريات السياسية في الشريعة الإسلامية، دراسة مقارنة )، وهذا الموضوع ما يزال موضع خلاف واجتهادات مختلفة في الحياة السياسية والاجتماعية العربية بين الفقهاء ومصدري الفتاوي التي شاعت وكثر مصدروها لدرجة يمكن الوصول إلى مرحلة (مفتي لكل مواطن). وقد مارس التدريس في عدة جامعات أردنية، كما تبوأ مراكز قيادية في الحركة الإسلامية الأردنية مثل رئيس المكتب السياسي وعضو المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن. وله العديد من الكتب والبحوث المميزة التي تثير جدلا ونقاشا حادا خاصة البحثين (جريان القياس في الحدود والكفارات ) و (التعارض الظاهري بين القرآن والسنّة ).


ما هو جديد الدكتور ارحيل الغرايبة؟
لم يعد سرا أنّه منذ سنوات تعصف داخل حركة الإخوان المسلمين الأردنية وحزبها السياسي (جبهة العمل الإسلامي) خلافات حادة، أدّت إلى ظهور تصنيف ( صقور و حمائم ) داخل الجماعة، بينما أطلقت على هذا في مقالة لي توصيف (معتدلون و مزايدون). وقد سارت هذه الخلافات بين التيارين عبر تصعيدات اتسمت بالهدوء ظاهريا، لكن هذا الهدوء كان يخفي هوة سحيقة بين تفكير التيارين مما أدّى إلى الاستقالة الشهيرة في سبتمبر من عام 2009 التي تقدم بها الدكتور ارحيل الغرايبة وأحمد الكفاوين وممدوح المحيسن، وعدم حضورهم إثر ذلك اجتماع المكتب التنفيذي للجماعة الذي عقد يوم الأربعاء السادس عشر من سبتمبر 2009 ، وأصدّرت إثر ذلك هذه القيادات المستقيلة بيانا شديد اللهجة ضد طريقة ومنهجية المراقب العام للجماعة (همام سعيد) مستنكرة ( طريقته ومنهجيته في إدارة الجماعة التي أدت إلى تأزيم المواقف واتساع شقة الخلاف بين تيارات الجماعة وإضعاف دور الجماعة في الإصلاح والتغيير وتناقض دورها السياسي وعجز المراقب العام عن حل الخلاف وتوحيد صفوف الجماعة وردم الهوة بين المختلفين)، وقد صدر البيان المذكور بتوقيع أحد القيادات المستقيلة أحمد الكفاوين. وقد أعقب ذلك الإعلان عن مبادرة quot;تأسيس جبهة وطنية موسعة لتحويل الأردن إلى ملكية دستورية مقيدة وحكومة منتخبةquot;، وهو ما وسّع رقعة الخلاف داخل صفوف الحركة الإسلامية الأردنية، ومن المفارقات الغريبة أنّ ما يسمّى تيار المتشددين أو الصقور أو المزايدين داخل الحركة رفض هذه المبادرة، وصدر إثر ذلك قرارا بوقف نشاط الدكتور ارحيل الغرايبة داخل الحركة الإسلامية، معتبرين أنّ المبادرة التي تمّ إعلانها في يناير 2009 هو مجرد جهد شخصي كي تتملص الحركة الإسلامية من المبادرة التي كان رفضها بوضوح من قبل المراقب العام للجماعة محمد همام سعيد.
يطرح الدكتور ارحيل الغرايبة مجموعة من الأفكار والتوجهات الجديرة بالدراسة والتبني لأنّ فيها طرق منهجية سليمة لخلاص الحركة الإسلامية الأردنية وخروجها من هذا التخبط الذي يضعف تأثيرها في الشارع الأردني وفسيفساء نسيجه الاجتماعي. و هذه الأفكار التي سمعتها مباشرة منه يكفي ذكر عناوينها فهي تعطي خلاصة رؤيته الرشيدة الحكيمة فعلا ومنها:
1 . محاولة ترشيد الحراك الشعبي الأردني وتوحيد سقف خطابه السياسي مع ضرورة عدم استثناء أي اسم او طرف في هذا الحراك.
2 . أهمية وضرورة الوصول التدريجي للملكية الدستورية التي تضع كافة السلطات بيد الشعب ومؤسساته المنتخبة ديمقراطيا بنزاهة وشفافية عالية.
3 .ترسيخ هدوء الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح في كافة ميادين الحياة لتجنيب الأردن العنف وتقليل كلفة النشاطات المطالبة بالإصلاح، والحرص على مؤسسات الدولة التي هي ملك للشعب الأردني، خاصة بعد مشاهد الخراب والتدمير الذي تشهده سوريا، هذا الخراب الذي يطرح سؤالا مهما: كيف يمكن اعادة تعمير سوريا؟، ويجب إدراك أنّ مصلحة الوطن فوق الجميع.
4 . تقديره وتثمينه لدور العشائر الأردنية كافة في الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح، خاصة ما عرف أردنيا وعربيا ب quot;حراك الطفيلةquot;. مع تأكيده على ضرورة التزام الأمن الأردني بالابتعاد عن العنف في مواجهة الحراكات الشعبية السلمية ذات المطالب الإصلاحية المشروعة لأنّ العنف لا يولد إلا عنفا مقابلا، وهذا ما لا يريده ولا يتمناه للحراك الشعبي الأردني المشروع.
quot;وثيقة زمزمquot; أو quot;المبادرة الوطنية للبناءquot;
لقد ارتبط أيضا اسم الدكتور quot;ارحيل الغرايبةquot; هو ومجموعة من زملائه الإصلاحيين المعتدلين داخل الحركة الإسلامية الأردنية بما عرف quot;وثيقة زمزمquot; التي تمّ الإعلان عنها إثر اجتماع حوالي 60 شخصية إصلاحية إسلامية في فندق quot;زمزمquot; بالعاصمة الأردنية في ديسمبر 2012 ، ومن الأهداف التي تم الإعلان عنها في هذه الوثيقة:
1) الإسهام في بناء الاردن وحمايته وحفظ أمنه واستقراره ومقدراته ومستقبل أجياله وتحصينه من الهيمنة الأجنبية والنفوذ الصهيوني .
2) محاربة الفساد بكل أشكاله ومحاصرة الفاسدين.
3) ارساء معالم الديمقراطية الحقيقة والعمل على اقامة الدولة المدنية الحديثة التي تستمد مرجعيتها القيمية من الاسلام .
4) ترسيخ قيم الحرية والعدالة وكرامة الانسان .
وأعتقد من خلال معايشتي للتجربة الأردنية فإنّ هذه المطالب أو الأهداف الأربعة تحظى بتأييد الغالبية العظمى من الشعب الأردني وفعالياته السياسية، لذلك كان مستغربا رفض القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين quot;زكي بني ارشيدquot; في حوار له مع quot;القدس العربيquot; وتصريحه بأنّ هذه الوثيقة قد تآكلت وهي تستهدفه شخصيا، وعمّمت الجماعة آنذاك على كوادرها بعدم التعاطي مع الوثيقة وتداعياتها.
هذا مع أهمية الإقرار المحايد بأنّ الوثيقة حسب رأي الدكتور الغرايبة quot;ترسم معالم تجربة جديدة من خلال عدم ارتباطها بالأسس التقليدية غير القادرة على تمثيل حقيقي لكل الأطراف وصولا إلى مرجعية وطنية عليا تحتكم لها كل الأطراف، خاصة أنّ المرجعية الوطنية ليست محل خلاف وضرورة استرداد المجتمع وصيانته الجماعية، خاصة أنّ لا يجوز لأحد احتكار الإسلام مع ضرورة الاعتدال في تطبيقات تعاليم الإسلام، وطرح الإسلام الجامع لكل مكونات الأمة والمطمئن للجميعquot;. والمدهش في تفكير هذا القيادي الإصلاحي التنويري جرأته على الرفض العلني لما يريده أو يسعى له بعض الإسلاميين خاصة ما يتعلق بعسكرة الأحزاب التي تجعل قياداتها وكأنّه قيادة أركان حسب تعبيره، لأنّ هكذا تصورات (تبحث عن أتباع وليس عقول). لذلك صرّح لجريدةquot;العرب اليومquot; الأردنية في الثاني من يناير 2013 قائلا:quot; إن بعض قيادة جماعة الإخوان المسلمين يستثمرون بالقضية الفلسطينية ويتاجرون بها على حساب المشروع الوطني، وإن حماس ما زالت تتدخل بالشأن الإخواني quot; ومتهما قيادات بالجماعة باستخدام المال السياسي لإقصاء آخرين. مؤكدا أن معظم القائمين على المبادرة هم من جماعة الإخوان المسلمين، مشيرا إلى أنه لو كانت الجماعة وحزب جبهة العمل الإسلامي محققين للآمال والطموح العام لما لجأ أعضاؤهما للمبادرة الأردنية للبناء، مشيرا بالوقت ذاته إلى أن المبادرة ليست مؤسسة من مؤسسات الجماعة والحزب وأطرها التنظيمية، بل تستهدف تفعيل الأردنيين من الكفاءات ومن المخلصين لرسم سياسات بلدهم ومستقبلهم.
ومشاركته في quot;الجبهة الوطنية للإصلاحquot;،
بقيادة رئيس الوزراء الأردني الأسبق أحمد عبيدات، حيث الدكتور ارحيل الغرايبة أحد أعضاء الهيئة التنفيذية للجبهة التي طرحت برنامجا شاملا للإصلاح هدفه ( ضمان استمرار الشرعية الدستورية للحكم في المملكة الأردنية الهاشمية والحفاظ على استقرار وطننا وكرامة شعبنا وسلامة نسيجه الوطني، وتأكيداً لسيادة الشعب الأردني على قراره وحقه في حكم صالح تنهض به قيادات وطنية منتخبة وإدارة للدولة ملتزمة بتطوير موارد الوطن وتقدم المواطنين برغبتهم ومشاركتهم ودعمهم في ظل سيادة وحكم القانون ).
إنّ ما سبق هو مجرد (بروفايل) تذكير بشخصية إصلاحية تقدمية إسلامية أردنية معروفة لا تحتاج للتعريف بها، فدورها في الساحة الأردنية مشهود له بالفاعلية الحريصة على تطبيق الخطوات الإصلاحية بهدوء سلمي يبتعد عن العنف من الجانبين الشعب والحكومة وأجهزتها الأمنية وصولا إلى مجتمع عادل يخلو من الاستبداد والفساد والقمع ما يعني الانسجام مع تعاليم الإسلام الحقيقي البعيد عن استثماره لأغراض شخصية أو حزبية.
www.drabumatar.com