تعود الشعب الفلسطيني طوال الثمانين عاما الأخيرة على استحالة اتفاق قيادات فصائله وتنظيماته وأحزابه التي تزيد عن ثلاثين جماعة، على أي موضوع بما فيه القضايا المصيرية المرتبطة بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. وهذا التشتت الفكري والمبدئي ناتج عن هذا التشتت التنظيمي الذي جعل هذا العدد من الفصائل، أكثر عددا من قدرة الشعب الفلسطيني على احتمالها، رغم أنّ من عاش مع هذه الفصائل في الأردن ثم دمشق وبيروت، يعرف أنّ أغلبها لا يتعدى عدد أفرادها الثلاثين حقيقة، ولكن مع اصدار البيانات والخطابات اليومية خاصة بعد انتشار الانترنت، صارت هذه الفصائل تشعر أنّ عدد التنظيم يساوي عدد البيانات شبه اليومية التي تصدرها. وقد تصاعد الخلاف والنقاش غير العقلاني ليصل لموضوع زيارة وفد الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي وصل قطاع غزة برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي مساء الأربعاء الثامن من مايو 2013 . وقد أصدرت هذه الفصائل عددا من البيانات حول هذه الزيارة فاق عدد البيانات التي أصدرتها عن حق العودة أو ادانة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القطاع والضفة.

ما الخطأ في وصول متضامنين من خيرة علماء الأمة؟
لقد فاق عدد أعضاء الوفد الخمسين عالما وشيخا وداعية من 14 دولة عربية وإسلامية، وصلوا مطار العريش بطائرة قطرية خصّصها لهم ولي العهد القطري، ومن هناك توجهوا إلى معبر رفح حيث كان في استقبالهم السيد اسماعيل هنية (رئيس الحكومة الفلسطينية الشرعية في عرف حماس والمقالة في عرف عباس). ومن الشخصيات العربية المرافقة للوفد اللواء السوداني عبد الرحمن سوار الذهب الذي سجّل سابقة عربية لا مثيل لها عندما تنازل طواعية عن حكم السودان لحكومة منتخبة كما وعد عام 1986 برئاسة الرئيس المنتخب الصادق المهدي، لينقلب عليه الديكتاتور عمر حسن البشير عام 1989 وهو ممسك بالسلطة عبر الدم والقتل حتى اليوم مما أهّله للإستدعاء لمحكمة الجنايات الدولية. هل جاء هؤلاء الشيوخ المتضامنون ليعقدوا اجتماعات مع الاحتلال؟ هل وصلوا القطاع المحاصر لمباركة الحصار والتصفيق للمحتلين وتشجيعهم على مزيد من القتل؟. أم جاءوا للإطلاع على أوضاع شعبنا الفلسطيني المحاصر ويعودوا ليطلبوا من حكوماتهم وشعوبهم دعم هذا الشعب؟. وهل سمع الذين احتجوا على هذه الزيارة التاريخية تصريحات أعضاء الوفد بما فيهم الشيخ القرضاوي ضد الاحتلال وتهويد مدينة القدس؟
ولماذا اختصار الزيارة في شخص الشيخ القرضاوي؟
كل الفلسطينيين الذين رفضوا الزيارة أفرادا أم فصائل، أطلقوا على هذه الزيارة التاريخية غير المسبوقة ( زيارة الشيخ القرضاوي للقطاع)..أليس هذا كذبا وتدليسا وضحكا على عقول الشعب الفلسطيني والشعوب العربية؟ الشيخ يوسف القرضاوي رغم مكانته العلمية والدينية فهو واحد من ما يزيد على خمسين شيخا وعالما وكلهم من المشاهير في العالم الإسلامي. إنّ هذا يدلّل على أنّ هناك من له حسابات خاصة مع الشيخ القرضاوي يريد أن يستغل الزيارة لمزيد من الطعن الذي وصل حد الشتائم عند بعض المسولين والصحفيين والكتاب. الشيخ القرضاوي ليس شخصا مقدسا غير خاضع للنقد، فهو بشر مثلنا من الممكن أن يصيب أو يخطىء في بعض اجتهاداته، ولكن هذا الخطأ أو الصواب ما علاقته بزيارة لدعم الشعب الفلسطيني المحاصر في القطاع؟. لماذا صفق هؤلاء المنتقدون لكل الزيارات السابقة للقطاع وانتقدوا هذه الزيارة فقط؟ لماذا يستعجلون زيارة رئيس الوزراء التركي أردوغان للقطاع ويرفضون زيارة هؤلاء الشيوخ الأفاضل؟.

وأي وزير أوقاف فلسطيني نتبنى رأيه؟
وزير الأوقاف الفلسطيني في حكومة حماس اسماعيل رضوان، رحّب بالزيارة وقال ( إنّ زيارة القرضاوي والوفد المرافق له جاءت تلبية لدعوتنا التي وجهناها له خلال زيارتنا لدولة قطر). وأضاف قائلا: ( إنّ زيارة الوفود تعيد إلى الأذهان الدور الذي يجب أن يقوم به العلماء تجاه القدس والأسرى والقضية الفلسطينية وكسر الحصار السياسي المفروض على الحكومة الفلسطينية...إنّ مواصلة الوفود والقوافل زيارتها إلى غزة كسر للحصار وخاصة قوافل العلماء التي تحمل في طياتها الخير الكثير للأمة، وترسل رسالة لإسرائيل مفادها أنّ حصاره وقتله وعدوانه لن يكسر صمود أمتنا وشعبنا الفلسطيني). وكي تأخذ الزيارة أيضا الطابع العلمي الأكاديمي فقد عقد وفد العلماء المسلمين مؤتمرا علميا كبيرا بعنوان quot; نصرة الأقصى والمسرىquot; يوم الخميس التاسع من مايو في قاعة المؤتمرات بالجامعة الإسلامية. هذا بينما وزير أوقاف حكومة عباس محمود الهباش فقد رفض الزيارة وأدانها، وأيضا من منطلقات تنظيمية ضيقة، فهو يرى quot; إن الزيارة ضارة وضد مصلحة الشعب الفلسطيني ومن شأنها أن تعزز الانقسام وتهدف الى اضفاء الشرعية على quot;كيان الانفصال quot; الذي تحاول حركة حماس اقامته في قطاع غزةquot;. أليس هذا تدليسا واضحا؟ هل حصل الانقسام الفلسطيني ساعة بعد وصول وفد العلماء المسلمين؟ أم أنّ هذا الانقسام اقترب من دخول عامه الثامن؟ فما دخل هذه الزيارة بانقسام مضى عليه سبع سنوات، الجميع من الفلسطينيين خاصة حماس وفتح مسؤولون عنه. وأضاف الهباش الذي سبق أن كان قياديا في حركة حماس قائلا: quot; أن هدف الزيارة في هذا التوقيت هو تعطيل جهود المصالحة التي تسعى الى تحقيقها القيادة الفلسطينية بأسرع وقت ممكنquot;. أليس هذا قمة الاستخفاف بعقولنا كمتابعين لجهود المصالحة الفلسطينية؟ ما دخل وفد العلماء المسلمين الزائر الآن تضامنا مع الشعبى الفلسطيني المحاصر بإفشال اتفاقيات القاهرة التي لا تحصى واتفاقية مكة و اتفاقية الدوحة وغيرها من اتفاقيات، كان يتنصل منها الطرفان الفتحاوي والحمساوي فور مغادرة بلد التوقيع على الاتفاقية، لدرجة أنّ أغلب الأقطار العربية ما عادت مهتمة بهذه المصالحة التي لا يحرص عليها أطرافها الفلسطينية.

خالد البطش والشيخ رائد صلاح يرحبان بالزيارة
هذا بينما أعلن القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش ترحيبه بالزيارة، فقد قال في كلمة له خلال استقبال وفد العلماء المسلمين على quot; أنّ غزة التي يعرفها الجميع ستبقى أرض الجهاد والمجاهدين وأن أبناءها المرابطين ستبقى سيوفهم مشروعة....مؤكداً على دور علماء الأمة وواجباتهم نحو فلسطينquot;. وكذلك الشيخ رائد صلاح، زعيم الحركة الإسلامية داخل أراضي 48 فقد نفى البيان المنسوب إليه بأنّه يرفض الزيارة، وأعلن quot; ان هذا البيان لا يمت من قريب ولا من بعيد لموقف الحركة الاسلامية ونحن نرحب بزيارة الشيخ القرضاوي الى قطاع غزة ونتمنى أن يرحب بها الجميع ونحن نقدر موقفه وموقف رابطة علماء فلسطين اتجاه عدم زيارة المسجد الاقصى تحت حراب الاحتلالquot;. وأضاف quot;نحن نعتبر قطاع غزة جزءا لا يتجزا من الارض الفلسطينية وزيارة القرضاوي لأي جزء منها هي زيارة للكل الفلسطيني وعلينا استثمار هذه الزيارة لتحقيق الوحدة الوطنية، داعيا حركة حماس الى أن تحمل زيارة القرضاوي الصبغة الوطنية والوحدوية دون النظر الى الهامشية الحزبيةquot;.

بعيدا عن الحسابات الفلسطينية التنظيمية غير الوطنية،
تبقى زيارة وفد الاتحاد العالمي للعلماء الفلسطينيين برئاسة الشيخ القرضاوي تاريخية بكل معاني الكلمة، لا علاقة لها بالانقسامات والمشاكل التنظيمية الفلسطينية، فقد جاء الوفد ليتضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر في القطاع، وليس مع حركة حماس كتنظيم سياسي. وكما دعا اسماعيل رضوان وزير أوقاف حكومة حماس الوفد لزيارة القطاع فلبّى الدعوة، فليقم محمود الهباش وزير أوقاف حكومة عباس بدعوة الوفد لزيارة الضفة الغربية للتضامن مع شعبها الذي يعاني من الاحتلال الويلات أيضا. وسنرى عندئذ هل يلبي الوفد الدعوة أم لآ؟