الوجود العسكري الأمريكي في الأردن سواءا كان مائتي جندي أم أكثر ليس سرا، فقد أعلنه رسميا يوم الأربعاء السابع عشر من أبريل 2013 الدكتور محمد المومني وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، حيث قال:quot; أن هناك اتصالات بين المسئولين فى الأردن والولايات المتحدة الأمريكية بخصوص إرسال 200 جندى أمريكي للمملكة ضمن التعاون والتنسيق بين الجانبين. إن إرسال أفراد من القوات الأمريكية للأردن يأتى ضمن التعاون المشترك بين القوات المسلحة الأردنية والجيش الأمريكى. إنّ هناك تعاونا وتنسيقا مستمرا بين الجانبين الأردنى والأمريكى خاصة فى المجالات العسكرية بهدف تعزيز القدرات التدريبية والدفاعية للقوات المسلحة الأردنية فى ضوء استمرار تدهور الأوضاع فى سورياquot;. وهذا التصريح الرسمي الأردني يعني أنّ الحكومة والنظام الأردني لا يخفيان هذا الأمر، بل يعلنان رسميا أنّه متعلق ومرتبط بالوضع المتدهور في سوريا حيث يصرّ وحش سوريا على البقاء في السلطة والنهب والسرقة رغم ايقاعه ما لا يقل عن تسعين ألفا من القتلى السوريين في مجازر جماعية ترقى لحد الإبادة البشرية المتعمدة المخطط لها، بالإضافة لما لا يقل عن مليون ونصف من اللاجئين السوريين غالبيتهم في الأردن، حيث رغم تضامننا مع جراحهم وماسآتهم إلا انّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الأردن لم يعد قادرا على مواجهة هذا النزوح الجماعي في ظل تجاهل المجتمعات العربية والدولية حيث ما تقدمه من مساعدات لا يرقى لتغطية الحد الأدنى من احتياجات هؤلاء اللاجئين، مما يضطرهم أحيانا للتظاهر والاحتجاج الذي يؤدي لاشتباكات مع الأمن الأردني رغم قيامه بأكثر من طاقته وقدراته لحماية هؤلاء اللاجئين وتقديم الخدمات الممكنة لهم.
هل الأردن مضطرّ لهذا التنسيق العسكري الأمريكي؟
أرى من وجهة نظري أن الإجابة هي: نعم. خاصة بعد إعلان وحش سوريا عن عدائه العلني للأردن ومهدّدا بشكل صريح أمن الأردن ونظامه. ومن الضروري الاستعراض الموجز للعلاقات الأردنية مع نظام الوحوش في سوريا التي لم تكن يوما ما علاقات ود واحترام متبادلين، رغم نأي الأردن دوما عن التدخل في الشأن السوري، ومحاولة الصبر وضبط النفس على كافة تجاوزات نظام الوحوش وعدم احترامه لأية اتفاقيات موقعة بين البلدين خاصة فيما يتعلق باستثمار مياه نهر اليرموك التي وقعت الاتفاقية بهذا الشأن منذ عام 1987 ولم يحترمها نظام الوحوش ، وكان يستعملها دوما لابتزاز الأردن مستغلا حاجته الدائمة للمياه التي يعاني من عجز فيها. وكذلك قضية المفقودين والمعتقلين الأردنيين بالمئات، وقد مضى على اعتقال وفقدان العديد منهم ما يزيد على أربعين عاما دون أية معلومة عنهم إن كانوا أحياءا أم أمواتا.

وقد تزايد خطر هذا النظام على الأردن،
عقب اندلاع الثورة السورية منذ مارس 2011 حيث لم يعد خافيا على أي مراقب أنّ هذا النظام لن يثنيه أي رادع عن محاولات تصدير إرهابه وجرائمه لدول الجوار، طالما في ذلك ابعاد للأنظار ولو بنسبة بسيطة عما يرتكبه من جرائم ضد الشعب السوري. وحيث أنّه لا يستطيع مواجهة القوة العسكرية التركية التي رضخ لها (حافظ الوحش) عام 1999 موقعا معها ما عرف باتفاقية quot;أضنةquot; متنازلا رسميا عن لواء الإسكندرونة وشاطبا هذا اللواء من الخريطة و برامج التعليم السورية من الابتدائية حتى الجامعية. لذلك فوريث هذا الوحش يحاول علانية تصدير إرهابه للجوار اللبناني منذ شهور حيث تتساقط صواريخه وقذائفه بشكل يومي على القرى اللبنانية، في حين يقاتل جنود مرتزقة حزب الشيطان اللبناني مع جيش هذا الوحش. وصحيح إنّ الجيش الأردني قادر على حماية وضبط الحدود الأردنية والدفاع عن أرضه ووطنه، إلا أنّ التنسيق ضد هذا النظام المتوحش في سوريا مع قوات أية دولة معادية له لا يخلّ بالسيادة الأردنية مطلقا. ورغم عدم إعلان الجهات الرسمية الأردنية، إلا انّ مصادر معلوماتية تشير إلى أنّ الجيش والأمن الأردني قد أحبطا العديد من محاولات نظام الوحش لتهريب السلاح والصواريخ والمخدرات أيضا إلى داخل الأردن لإشاعة الفوضى والتخريب، ويؤكد ذلك تهديدات بشار الوحش العلنية للأردن، وكذلك استمرار أبواقه الإعلامية في التحريض ضد الأردن وطنا وشعبا.

ازدواجية وتناقض خطاب الحركة الإسلامية
وفي هذا السياق لا يمكن فهم خطاب ومواقف الحركة الإسلامية الأردنية إلا أنّه يحمل ازدواجية وضبابية غير مفهومة، ففي الوقت الذي تتميز فيه هذه الحركة من بين كافة القوى الأردنية بخطابها الداعم لثورة الشعب السوري والمطالبة صراحة بضرورة دعم هذه الثورة ورحيل نظام الوحش، إلا اّنها في الوقت ذاته أدانت وجود هذا العدد القليل من الجنود الأمريكيين على أرض الأردن للتنسيق مع الجيش الأردني وزيادة قدراته في مواجهة تهديدات نظام الوحش للأردن التي جاءت علنية في مقابلة الوحش نفسه مع التلفزيون الرسمي السوري. وفي الوقت ذاته تقوم هذه الحركة باستعراض شبه عسكري لشبابها في مسيرة من أمام المسجد الحسيني يوم الجمعة التاسع عشر من أبريل 2013 وسط رفض شعبي لهذه المظاهر العسكرية التي تخلّ بسلمية الحراك الشعبي الأردني الذي يطالب بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، ويؤيده النظام في هذه المطالب محاولا السير في طريقها وإن كان ببطء شديد. وهذا الرفض الشعبي لهكذا مسيرة شبه عسكرية إخوانية عائد من ضمن خلفياته إلى عدم ثقة قطاعات واسعة من الشعوب العربية في سياسة الإخوان المسلمين بدليل الرفض الشعبي العارم في مصر لسلطتهم وحكمهم رغم أنّهم وصلوا للسلطة ورئاسة الجمهورية عبر صناديق الانتخابات، إلا أنّ مسيرتهم في جوانب كثيرة منها تثير الشك والريبة، فالشعب المصري والشعوب العربية كافة لا تنسى ذلك العرض العسكري الكبير الذي نفّذه شباب الجماعة في جامعة الأزهر في سبتمبر عام 2007 مرتدين ملابس سوداء وأقنعة تغطي وجوههم كتبوا عليها (صامدون) بينما إخوان الأردن غطّوا وجوههم بالكوفية الأردنية الحمراء.

رفض رسمي وشعبي لعسكرة الحراكات السلمية
لذلك عمّت الأردن مظاهر عديدة لرفض هذه الحركة الاستعراضية من جماعة ألإخوان المسلمين، وقد ارتفعت شعارات عدة منها ( لا لعسكرة المسيرات وشبيحة الإخوان). بينما ناشد (حزب الوسط الإسلامي) quot;الفعاليات السياسية أن تراعي وضع الوطن وما يتهدده من أخطار محدقة يحتم علينا أن نكون صفاً واحداً وراء جيشنا داعيا الجميع إلى الحفاظ على هيبة الدولة ورمزية النظام الملكي والذي يُشكل اختياراً تاريخياً للأردنيين منذ تأسيس الدولةquot; وهو أيضا من شعارات جبهة العمل الإسلامي الإخوانية ( لا لإسقاط النظام الملكي نعم للإصلاحات)...فهل ينسجم هذا الشعار مع هذه المظاهر العسكرية الاستفزازية؟. لذلك نقلت مصادر أردنية موثوقة أنّ الجهات الرسمية الأردنية أوصلت رسالة حادة واضحة لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية مفادها أنّ الدولة وكافة أجهزتها لن تقبل ولن تسكت على أية محاولة للمساس بأمن الوطن والتعدي على رموزه خاصة الجيش الأردني. هذا في الوقت نفسه حذّر المراقب العام للجماعة همّام سعيد من (عدم التقليل من شأن التهديدات التي وجهها الرئيس السوري لعمّان مؤخرا) مضيفا ( رغبة النظام السوري في الهروب من أزمته المشتعلة عبر تدويل القضية قد تدفعه للقيام بمناوشات على الحدود معنا أو بإطلاق صواريخ كيماوية أو سكود أو ما شابه حتى يجبر دولا أخرى كإيران وروسيا على التدخل أكثر والوقوف بجانبه)...إزاء هذه التهديدات التي يشخصّها المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن: ما الخطأ في وجود عسكريين أمريكيين في الأردن؟. سواء أكانوا للمساعدة في حماية الأردن أم التدخل ضد نظام وحش سوريا الذي برّر ودافع همّام سعيد نفسه عن دخول أي مقاتلين من أية حدود للمشاركة في القتال ضده؟. لماذا حلال على نظام الوحش الاستعانة بمرتزقة حزب الشيطان اللبناني والحرس اللاثوري الإيراني والأسلحة الروسية وحرام على الأردن السعي لحماية وطنه من تهديدات هذا الوحش؟ وهذه الحماية للأردن أيضا تكمن في عدم زجّ الأردن قدر المستطاع لنفسه في الصراع الداخلي الدائر في سوريا، إذ أنّ دولا أكبر قدرات من الأردن بمئات المرات تنأى بنفسها عن التدخل المباشر في سوريا، وأعتقد أنّ هذا الأمر ليس غائبا عن القيادة الأردنية، فليكن أي تنسيق هدفه الدفاع عن الأردن ضد أي تدخل خارجي وليس التدخل في الشأن السوري.