شهدت الفترة التي أعقبت تسلم الدكتور محمد مرسي (جماعة الإخوان المسلمين) لرئاسة جمهورية مصر في الثلاثين من يونيو 2012 ، عدة خطوات مصرية تمّ تفسير دلالاتها على أنّها مؤشرات من الحكومة الإخوانية التي تحكم مصر للمرة الأولى في تاريخها للتقارب مع النظام الإيراني المقطوعة العلاقات المصرية معه منذ العام 1981 بعد اغتيال الرئيس أنور السادات، وتسمية النظام الإيراني شارعا رئيسيا باسم قاتله الإرهابي خالد الإسلامبولي، وتمّ إثر ذلك طرد السفير الإيراني من القاهرة. هذه الخطوات المصرية الإخوانية:

1 . زيارة الرئيس محمد مرسي لطهران لحضور قمة عدم الانحياز في نهاية أغسطس 2012 ، رغم أنّه ليس كل الدول أرسلت رؤساءها أو ملوكها لهذه القمة.
2 . قيام الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بزيارة القاهرة في أبريل 2013 لحضور القمة الإسلامية التي لم يحضرها أيضا كل رؤساء وملوك الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.
3 . إقلاع أول رحلة طيران من القاهرة إلى طهران يوم السبت الثلاثين من مارس 2013 بعد انقطاع دام 34 عاما، وكان على رحلة quot;إير ممفيسquot; تلك ثمانية ركاب فقط، لكنها عادت وعلى متنها 58 إيرانيا إلى الأقصر وأسوان، تجولوا بين الأماكن الأثرية وسط حراسة أمنية وعسكرية مشدّدة، وكان منظرهم وسط تلك الحراسة العسكرية بالأسلحة المختلفة، وكأنّهم وفد عسكري أو ديبلوماسي وليس سياحا. وبالتالي فإذا كانت كل مجموعة سياحية إيرانية ستحتاج لهذا النوع من الحراسة التي ترافقهم في كافة ساعات وجودهم في مصر، فإنّ تكلفة هذه الحراسة المسلحة على الخزينة المصرية ستعادل أكثر من عشرات أضعاف ما سينفقه هؤلاء السياح في مصر، وهذا يعني أنّ وجودهم خسارة لخزينة الشعب المصري وليس دعما للسياحة المصرية.
هذا وفي اليوم التالي (الأحد، الحادي والثلاثين من مارس 2013 )، قرّرت الحكومة الإيرانية رفع شرط الحصول على تأشيرة الدخول المسبقة للسياح المصريين. وبدلا من استقبال الشارع المصري لهذا القرار بالترحيب والارتياح، سادت الشكوك حول أسباب وخلفيات هذا القرار الإيراني السريع، خاصة إذا كان المطلوب هو قرار مصري مماثل أي السماح للسياح الإيرانيين بالدخول لمصر بدون تأشيرة دخول وموافقة أمنية مسبقة، ومن خلفيات الارتياب المصري من وراء القرار الإيراني هذا، ما سبق أن أعلنه القيادي الكويتي في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور quot;عبد الله النفيسي quot; أنّ مسؤولا كبيرا بقصر الاتحادية، لم يذكر اسمه، أخبره أن علي صالحي، وزير خارجية إيران، عرض على الرئيس مرسي أثناء لقائهما، دعم القاهرة بـ30 مليار دولار بجانب 5 مليون سائح إيراني سنويًا، وتزويد مصر بكل الخبراء الفنيين لتشغيل 2000 مصنع متوقفين عن العمل، وقال النفيسي، في لقاء مع quot;إخوان الكويتquot;، عبر فيديو له على موقع يوتيوب: quot;تساءل مرسي عن المقابل، فأخبره صالحي أن إيران تريد استلام كل المساجد التي تم بناءها في عهد الدولة الفاطمية على أن تقوم الحكومة الإيرانية بترميمها والإشراف عليها، بجانب تخصيص جريدتين تنطقان بلسان حال إيران داخل مصر، والموافقة على إرسال 20 ألف طالب مصري كل عام للدراسة في مدينة قم الإيرانيةquot;.
و حقيقة فإنّ هذا العرض إن صحت تفاصيله فهو مجرد تهويل ومبالغة من الطرف الإيراني خاصة ما ستقدمه إيران لمصر، فالوضع الاقتصادي في إيران الأعوام الماضية يتراجع داخليا بسبب الحصار الدولي لدرجة انهيار العملة الإيرانية وارتفاع نسبة البطالة والفقر، فكيف ستؤمن إيران ثلاثين مليارا من الدولارات إلى مصر؟ وهل في إيران خبراء فنيون يعرفون تقنيات المصانع المصرية أكثر من الخبراء المصريين؟. ومن سيجبر عشرين ألفا من الطلبة المصريين على السفر للدراسة في إيران؟. و أية دولة عربية أو أجنبية سوف تؤمن لهم الوظائف عندما تعرف أنهم خريجو مدارس وجامعات إيرانية؟. وهل للغة الفارسية هذه الحاجة داخل مصر إذا كانت دراسة هذا العدد من الطلبة ستكون باللغة الفارسية التي لا يستعملها أحد خارج إيران؟. أما بقية طلبات علي صالحي فهي لا تختلف عن طلبات أي احتلال، فما علاقة إيران بالمساجد المصرية، وهل هناك أية دولة في تاريخ العلاقات الدبلوماسية المصرية، طلبت تأسيس أو تخصيص جرائد ومجلات للنطق باسمها في دولة أخرى؟
لذلك فالتخوف الشعبي والحزبي المصري وارد بنسبة عالية،
من خطوات حكومة محمد مرسي الإخوانية هذه التي تعطي النظام الإيراني مساحات من التمدد داخل مصر، خاصة أنّ هذا النظام لا يؤمن جانبه الطائفي شبه العلني حيث يمنع السنّة الإيرانيين من عرب الأحواز من ممارسة دينهم الإسلامي حسب طقوسهم السنّية ويمنع بالمطلق بناء المساجد السنّية أو تسمية أطفالهم باسماء عربية بل يفرض عليهم اجباريا أسماءا فارسية، والأخطر من كل ذلك منعهم من التحدث باللغة العربية أو تعلمها في المدارس، متناسيا أنّهم عرب مسلمون وأنّ اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم quot; إنا أنزلناه قرآنا عربياquot;، وكافة الدول الإسلامية والأوربية والأمريكية تسمح للعرب والمسلمين بالتحدث باللغة العربية وتعلمها في مدارس خاصة بهم. وأهم مظاهر الرفض والاحتجاج التي شهدتها الحياة السياسية والاجتماعية المصرية ضد هذا التقارب مع النظام الطائفي الصفوي الإيراني، تمثلت فيما يلي:
1 . التحذير الشديد الصريح الذي أصدره quot;مجلس العلماء السلفيquot; في نهاية مارس 2013 للرئيس محمد مرسي من استمرار العلاقات مع إيران، وطالبه بوقف ما يطلق عليه الإيرانيون quot;السياحة الدينيةquot; لماquot;تمثله من خطورة المد الشيعي الرافضي إلى مصر السنيةquot; حسب بيان المجلس.
2 . إجماع غالبية الأحزاب الإسلامية والسلفية على رفض خطوات حكومة الإخوان المسلمين المصرية للتقارب مع النظام الطائفي الإيراني، الذي يتستر خلف غطاء المذهب الشيعي للتمدد السياسي والاحتلالي في المنطقة العربية. من يتخيل طلب صالحي بتسلم المساجد المصرية التي بنيت قبل مئات السنين؟ ولماذا لا يستمع النظام الإيراني الطائفي بامتياز مخجل لنداءات دولة الإمارات العربية المتحدة السلمية بإعادة جزرها الثلاث المحتلة منذ عام 1971 ؟.
3 . تصعيد التيارات السلفية لمواقفها المناوئة للتقارب مع نظام الملالي بمهاجمتها لبيت القنصل الإيراني في القاهرة يوم الجمعة الخامس من أبريل، وتحطيم واجهته ومحاولة حرقه والاعتداء على المقيمين فيه، وتهديدهم بمحاصرة المطارات والموانئ المصرية إذا وصلت أية أفواج سياحية إيرانية، لأنّ غطاءها السياحة بينما هي في حقيقة الأمر وفود طائفية لنشر المذهب الشيعي حسب رأي الناطقين باسم التيارات السلفية. وكما أعلن الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية quot; إنّ مصر سوف تقاوم أية مخططات لنشر التشيع في مصر، وأنّ توحيد صف التيار الإسلامي في مصر والعالم الإسلامي أحد أهم أهداف الدعوة السلفية، ولن يسمحوا باختراق مصر قلب السنّة في العالم الإسلاميquot;.

لا للطائفية واتخاذ أي مذهب وسيلة للتمدد السياسي
ما الحلّ إذن في ظل هذا التوتر الحاصل حقيقة بين غالبية العالم العربي ونظام الملالي الطائفي في إيران؟. إنّ الحل بسيط وهو مطلوب من الطرفين: الأنظمة ذات الأغلبية السنّية والأنظمة ذات الأغلبية الشيعية، وهو نبذ الطرفين للطائفية سواءا أكانت سنّية أو شيعية، ووقف محاولات الاختراق والتبشير باي مذهب في بلاد الآخر، عملا بقوله تعالى (لكم دينكم ولي دين) وعلى هذا القياس (لكم مذهبكم ولي مذهبي) وفي النهاية الله تعالى هو من يحكم على طريقة تعبد عباده. مع ضرورة ملاحظة انّ نظام الملالي في إيران يكاد أن يكون الوحيد الذي يتخذ المذهب وسيلة للتمدد السياسي، وإلا ما معنى رفضه الانسحاب من الجزر الإماراتية المحتلة، وتهديده بضم البحرين والعراق وأخيرا سوريا لوجود أقلية علوية فيها؟. لذلك فإنّ التخوف من النظام الإيراني وارد وله مسبباته المنطقية. فليتوقف هذا النظام عن غوغائيته التي تتخذ من المذهبى الشيعي وقضية فلسطين غطاءا لجهوده الاحتلالية وتمدده غير الحضاري والمتخلف الذي جعل نسبة الفقر والبطالة والتردي الأخلاقي في إيران لا مثيل لها في العهالم، بالاضافة لقمع حرية الراي التي شملت سجن وفرض الاقامة الجبرية على رجال دين في مرتبة علي خمئني لأنّهم عارضوا سياسة النظام القمعية الديكتاتورية.