عرفت الزميل والصديق القريب عقلا وسلوكا وفكرا وروحا quot;ماهر فرغليquot; منذ حوالي أربع سنوات في مدينة القاهرة عاصمة مصر (أم الدنيا سابقا). باحث شاب متميز في فكره التنويري القائم على أسس العدالة والحرية والكرامة الإنسانية التي هي أهم مقومات الإسلام الصحيح الذي صادر أسسه العادلة شيوخ (التكفير في مواجهة التفكير)، الذين لم يتعلموا الدرس المهم من قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ينصر الله الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة). هذا الشاب الباحث المتميز قضى في سجون نظام مصر البائد قرابة أربعة عشر عاما بتهمة انتمائه للجماعة الإسلامية التي عرفها سطحيا في أوساط الشارع المصري، ثم عرفها عميقا في السجن هذه الفترة الطويلة التي توازي حوالي ثلث عمره الآن. وبعد خروجه من السجن، امتلك الشجاعة والجرأة ليكتب تجربته مع هذه الجماعة في السجون في كتابه ( الخروج من بوابات الجحيم) الذي سبق طباعته داخل مصر في زمن النظام البائد، وتم توزيعه بحرية ودون أية قيود، ونال شهرة ومعرفة واسعة خاصة في أوساط المتخصصين في شؤون الجماعات الإسلامية، هذه الجماعات التي أغلبها تأخذ الإسلام مجرد ستار لممارسات تكفيرية ولصوصية بهدف الارتزاق والكسب غير الحلال، ويكفي الأمثلة التي عاشها الشارع المصري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 التي تمّ وضعها ضمن مسيرة الربيع العربي، وهاهي ممارسات العديد من الجماعات الإسلامية والقومية ومدعية اليسار على وشك تحويلها إلى (خريف مصري محزن) بدليل الفوضى والتخريب الذي حوّل مصر فعلا إلى ما يشبه عزبة أو دويلة مستقلة لكل جماعة، وليتذكر الجميع شيوخ يدّعون الإسلام تمّ القبض عليهم وهم في أفعال فاضحة في الشارع العام أو الذي قام بعملية تجميل في أنفه ليذهب للشرطة مدعيا مهاجمته من عصابة سرقت كل ما يملك، أو من يقدّم نفسه على أنّه (داعية إسلامي) وهو متخصص منذ أكثر من عام في مهاجمة وشتم الفنانة المصرية quot;إلهام شاهينquot;، وكأنّ quot;إلهامquot; أصبحت مصدر الهامه الإيماني الكاذب الهادف للتواجد في الفضائيات التي أصبحت عنده أهم من مصير الشعب المصري، رغم أنّ الفنانة إلهام شاهين أكثر وطنية ومصداقية وحرصا على مستقبل مصر منه!!!.
مصادرة quot;الخروج من بوابات الجحيمquot;
هذا وقد أصدرت مؤسسة الانتشار العربي البيروتية بالتعاون مع مركز الدين والسياسة للدراسات، طبعة جديدة من كتاب ماهر فرغلي ( الخروج من بوابات الجحيم) الذي هو كما يقول عنوانه (مشاهدات من الداخل) خاصة داخل السجون في الوادي الجديد التي أمضى فيها الكاتب سنوات عديدة ليتعرف على الجماعة الإسلامية من الداخل، ليكتب هذا الكتاب الذي هو من الكتب القليلة الذي قرأته ثلاثة مرات، لأنّه كتب بإسلوب مختلف يتنوع بين التوثيقي والروائي والأكاديمي مما يدلّ على قدرة وإمكانيات هذا الكاتب الذي ينتظره مستقبل متميز في مجال دراسات الجماعات الإسلامية بإسلوب موضوعي يندر بين كتاب هذه الجماعات الذين أغلبهم إما مناصرون أو معادون بشكل مطلق بعيد عن الموضوعية والإثباتات المقنعة. وعن الكتاب يقول ماهر فرغلي في المقدمة المثيرة: (إننى عقدت العزم على كتابة هذا الكتاب، وأنا فى إحدى زنازين الوادى الجديد، ولكننى لم أكن أتصور أننى سأمكث كل هذه الفترة دون نشره، وهو الكتاب الهام الذى يعطى خريطة للجماعة واضحة ومحايدة وموضوعية من أحد قواعد الجماعة، بعد أن سمع وقرأ الجميع للقادة حقيقة الكتابة وأنت بين الجدران واختلافها تمامًا عن الكتابة وأنت تتمتع بالحرية أخرتنى، حيث رغبات النفس والعوامل النفسية التى تتأثر بالقيد وفقدان الحرية التى تجعلك تفضل التريث.....كما أنه فى هذه الفترة كانت أمور كثيرة قد تخفى عليّ وأمور أخرى تجرى بعيداً عن أعيننا وكان الزمن كفيلاً أن يوضح لنا ما خفى علينا ويبين لنا فائدة وقف العنف وتصحيح المفاهيم، وكان من الخطورة الكبرى أن أنشر هذا الكتاب دون حساب فى هذه الفترة الحساسة من عمر الوطن، ونحن سيحاسبنا الله أولاً ثم التاريخ والوطن عن كل كلمة، وهذا سبب آخر، وهو السبب الرئيسى لتأخير كتابة أسطر هذا الكتاب).
وزير إعلام أم مفتي تكفيري؟
وعند إرسال مؤسسة الانتشار العربي البيروتية نسخا من الكتاب لتوزيعها في مصر، تمّ ابلاغها بأنّ الكتاب تم مصادرته بناءا على أوامر من وزير الإعلام المصري صلاح عبد المقصود، وتمت مصادرة جميع النسخ المرسلة دون السماح بإعادة النسخ المصادرة إلى بيروت. ونحن هنا أمام سؤال مهم للغاية في هذه المرحلة: هل وزير الإعلام المصري صلاح عبد المقصود الذي ينتمي لحزب الإخوان المسلمين (الحرية والعدالة) من صلاحياته السماح بدخول كتاب أو مصادرته؟. وهو عندما يصادر كتابا هل يليق بحزبه أن يحمل اسم (الحرية والعدالة) فالحرية تعني من ضمن ما تعني (حرية الرأي) و العدالة من ضمن ما تعني ( عدالة تشمل الجميع في كافة نواحي الحياة بما فيها حرية التفكير والتعبير). وبالتالي فالسؤال المناسب للحدث الحاصل هو: هل هذا وزير إعلام أم مفتي تكفيري؟
هل كنت مخطئا في دفاعي عن وصول الإخوان المصريين للحكم؟
لقد كتبت سابقا في هذا الموقع أكثر من مقالة مرحبا بوصول جماعة الإخوان المسلمين المصريين للحكم انطلاقا من مبدأ أنّ الشعب المصري هو من انتخبهم، وبالتالي فمن حقهم ممارسة الحكم لأنّ هذا هو مفهوم الديمقراطية، خاصة مقالتي التي كانت بعنوان ( هل هناك تخوفات معينة من صعود الإخوان المسلمين في مصر) التي نشرت في السابع عشر من أبريل 2012. إنّ مصادرة كتاب ماهر فرغلي ( الخروج من بوابات الجحيم) من قبل وزير إعلام ينتمي لهذه الجماعة يعني بصراحة: نعم هناك تخوفات عديدة من حكم هذه الجماعة لمصر، وإلا ما معنى هذا الفلتان الأمني الذي حوّل مصر إلى حارات للزعران واللصوص والخارجين على القانون خاصة من رجال دين يرتكبون المعاصي والخطايا كما ذكرت نماذج منهم في بداية المقالة. أين حرية الرأي والتعبير يادكتور محمد مرسي؟. خاصة في ضوء إسلام يقول قرآنه الكريم ( لكم دينكم ولي دين)، فهل كتاب ماهر فرغلي يرقى لمستوى كتاب دين من الأديان؟ أم مجرد كتابة ورواية تجربته مع جماعة إسلامية؟ فلماذا هذه الطريقة الديكتاتورية في التعامل مع حرية الرأي والتعبير؟.
فلنتضامن مع ماهر فرغلي ونقرأ هذا الكتاب المهم،
الذي يعرّف القارىء بطريقة تفكير هذه الجماعات التي تحمل صفة quot;الإسلاميةquot; ولا تؤمن إلا بمصادرة حرية الآخر حتى لو كان مسلما ليس من ضمن أعضائها ومعتقداتها الشاذة التكفيرية. وبالتالي فإن جماعة الإخوان المسلمين المصرية وحزبها (الحرية والعدالة) أمام مفترق طرق خطير وحسّاس، يكمن في هل سنكون في (جمهورية مصر العربية) أم ( إمارة مصرستان الطالبيانية)؟
[email protected]
التعليقات