مؤشرات إماراتية ايجابية تستدعي ردودا مصرية مماثلة

كانت زيارة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، لدولة الإمارات العربية المتحدة التي بدأت يوم السبت الموافق السابع والعشرين من أبريل 2013 لتسلم جائزة الشيخ زايد للكتاب بعد اختياره quot; شخصية العام الثقافيةquot; زيارة مهمة واعدة بنتائج ايجابية لمصلحة البلدين، خاصة أنّ العلاقات بينها عميقة ومفيدة للجانبين، تحديدا إذا علمنا أن من أكبر الجاليات العربية العاملة في دولة الإمارات هي الجالية المصرية، حيث لا يخلو مجال من مجالات الحياة الإماراتية من وجودهم الواضح الفعّال. وقد رافقه في هذه الزيارة وفد كبير من هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، حيث التقى الدكتور الطيب العديد من المسؤولين الإماراتيين في مقدمتهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ،نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الذي أرسل طائرة خاصة لإحضار الوفد الأزهري وإعادته، وكذلك لقاؤه الشيخ محمد بن زايد ولي عهد إمارة أبو ظبي، علامة على أنّ العلاقات بين دولة الإمارات والأزهر الشريف علاقات قديمة ومتينة تميزت بالدعم الكبير من الدولة للأزهر ، خاصة ما ذكره شيخ الأزهر قائلا: (لقد امتدت آثار الراحل الشيخ زايد إلى الأزهر، تدعمه وتشجعه، وحسبنا أن نذكر بالفضل مركز الشيخ زايد للغة العربية لغير الناطقين بها في الأزهر، الذي يتعلم فيه خلق كثير، والمشروع الضخم بإنشاء مكتبة حديثة للأزهر لجمع ألاف مخطوطاته).
وتقع هذه المشاريع ضمن الاتفاقية التي تمّ توقيعها بين الجانبين في مقر مشيخة الأزهر بالقاهرة بعد عودة الدكتور أحمد الطيب من زيارته المهمة لدولة الإمارات. وتبلغ قيمة التمويل الإماراتي للمشاريع الأزهرية ( 155 مليون درهم إماراتي أي حوالي 40 مليون دولارا)، ومن أهم المشروعات التي سيشملها هذا الدعم (إنشاء مكتبة جديدة للأزهر الشريف تليق بمكانته وما تحويه من نفائس المخطوطات التي تبلغ خمسين ألف مخطوطة، وكذلك المطبوعات على أحدث النظم المكتبية العالمية، بالإضافة إلى تجهيز تأمين مقتنيات المكتبة الحالية من خلال أحدث نظم المراقبة والتأمين الإليكترونية، كما تتضمن الاتفاقية تمويل مشروع سكن لطلاب الأزهر يتناسب واحتياجات النمو في أعداد الطلبة الدارسين في الأزهر الشريف)، حيث من المعلومات المذهلة أنّ عدد طلاب جامعة الأزهر في كافة كلياتها يبلغ حوالي أربعمائة وخمسين ألفا من مختلف الدول العربية والإسلامية، ويشعر الزائر لكليات الدراسات الإسلامية والشريعة أنّه يعيش في منظومة دول إسلامية، حيث من النادر أن تجد دولة إسلامية لا يوجد عشرات من طلابها في هذه الكليات.
زيارة أزهرية ثقافية أنتجت نتائج سياسية مهمة
ورغم الخلفية الثقافية لزيارة شيخ الأزهر إلا أنّ القيادة الإماراتية لم تترك هذه الزيارة تمرّ دون إبداء حسن نية اتجاه الشقيقة مصر من خلال القرار المفاجىء للجميع من قبل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات بالإفراج عن 103 سجينا مصريا ممن صدرت بحقهم أحكام في قضايا مختلفة وتكفل الشيخ خليفة بتسديد الالتزامات المالية التي ترتبت عليهم تنفيذا لتلك الأحكام. لذلك كان تثمين شيخ الأزهر لهذا القرار الإنساني عاليا، حيث قال: quot; إنّ القرار يعدّ تتويجا كبيرا من صاحب السمو رئيس الدولة بارك الله فيهquot;، وقدّم شكره وتقديره لدولة الإمارات على كل ما قدّمته.

هل ينتهي التأزم الطارىء شبه العلني في العلاقتين؟
بداية يجب الإقرار دون حساسية بأنّ التأزم الذي طرأ في العلاقات الإماراتية المصرية والخليجية عموما بعد تسلم جماعة الإخوان المسلمين المصرية الحكم برئاسة الدكتور محمد مرسي في يونيو 2012 ، ما عدا دولة قطر الداعمة والمتبنية علنا للجماعة وقياداتها وشيوخها، جاء بسبب تصريحات غير مسؤولة وليست متوازنة لشيوخ دين محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين المصرية على خلفية منع السلطات الإماراتية في مدينة دبي لمظاهرات ضد النظام السوري أمام القنصلية السورية في دبي، ثم الإدعاء بترحيل بعض هؤلاء المتظاهرين. وكي نكون موضوعيين علينا أن نتذكر ونحترم قوانين إمارة دبي التي بحكم موقعها التجاري والسياحي تمنع التظاهرات أمام قنصليات أية دولة، وهذا يحدث في العديد من الدول العربية، ففي مصر ذاتها تمّ منع المظاهرات أمام السفارة السورية، وقام الأمن المصري بوضع حواجز لحماية السفارة ومنع المتظاهرين السوريين والمصريين من الاقتراب منها، فتوجّه المتظاهرون لمبنى الجامعة العربية التي سبق لها أن سحبت من نظام بشار الأسد مشروعية تمثيل الشعب والدولة السورية. فلماذا مشروع ما تقوم به دول عربية عديدة ومنها مصر، بينما غير مشروع ما قامت به السلطات الإماراتية، بحيث يقوم الناطق الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة في مصر quot;محمود غزلانquot; بتصريحات استفزازية مثيرة لا تليق بحجم وتاريخ العلاقات الإماراتية المصرية الشعبية والرسمية. وكان السؤال الرئيسي للعديد من القراء والمتابعين لهذه الاستفزازات منه ومن غيره من شيوخ الجماعة هو: هل شهدت دولة قطر المتبنية لجماعة الإخوان المسلمين أية مظاهرة أمام السفارة السورية قبل خطوة تسليم السفارة للمعارضة السورية، وهي خطوة نثمنّها ضمن أنّ لكل دولة حساباتها الخاصة وهي حرّة في خطواتها ومسؤولة عنها. وبصراحة تامة من وجهة نظري الداعمة لعلاقات متينة ومتميزة بين الشقيقتين دولة الإمارات و مصر، فإنّ تصريحات السيد محمود غزلان، استفزت المصريين بنفس مستوى استفزازها للإماراتيين فقد صدرت عنه تحريضات ضد دولة الإمارات لم نسمع منه نسبة من هذه التحريضات ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي التي خاطب رئيسه الدكتور محمد مرسي رئيسها شيمعون بيريز بوصفه ( الصديق العزيز).
سحابة صيف تحتاج لمضادات ميدانية لإزالتها
نعم..في ظل هذا التشتت العربي الذي لا يرضي صديقا ولا يغيظ عدوا، نتمنى أن يكون هذا التأزيم والتعكير في العلاقات الإماراتية المصرية مجرد سحابة صيف، لكن الراصد الجوي الموضوعي لهذه السحابة يستطيع القول بأنّ ازالتها يحتاج لإجراءات ميدانية من الجانب المصري تحديدا، ومن أهم هذه الاجراءات من وجهة نظري الداعمة لزوال سحابة الصيف هذه:
1 . تحديد موقف رئاسي حكومي رسمي مصري من تصريحات محمود غزلان الاستفزازية حسب ما طالب بذلك الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي، عبر تدوينة له حملت كل معاني الود للشقيقة مصر حيث قال: quot;أتمنى على الحكومة المصرية الشقيقة أن توضح موقفها من تصريحات غزلان المستهجنة تجاه الإمارات....ما صرح به غزلان دليل على نية سيئة، مع الأسف فكر لا تستحقه مصر الغاليةquot;.
2 . التوقف عن استغلال قضية المعتقلين الإماراتيين من ذوي التوجهات الإسلامية، حيث ما زالوا قيد المحاكمة ولا يمكن التكهن بنتيجة المحاكمة التي تجري حتى الآن بهدوء وتقنية عالية، حيث كان مميزا أن تكون جلسة يوم الثلاثاء الثلاثين من أبريل الماضي مخصصة للإستماع لشهود النفي بحضور 21 من ممثلي وسائل الإعلام المحلية وأربعة من أعضاء منظمات المجتمع المدني بينهم اثنان من أعضاء جمعية الإمارات لحقوق الإنسان واثنان من جمعية الإمارات للحقوقيين والقانونيين. فلننتظر نتائج المحاكمة وعندئذ لكل حادث حديث. والملاحظ على تصريحات بعض المنظمات البريطانية والأمريكية أنّها ركّزت على الحكم بالسجن على ثلاثة بريطانيين في دبي لمدة أربعة سنوات وإبعادهم بعد ذلك، لحيازتهم وتعاطيهم المخدرات التي تمّ ضبطها معهم ميدانيا واعترفوا بذلك رسميا، والسؤال: ما هي عقوبة حيازة المخدرات والاتجار بها في الدول الأوربية والأمريكية خاصة إذا كانت مثل الكمية التي ضبطت مع البريطانيين الثلاثة؟. أليس المحاكمة والسجن؟ فلماذا دعم هذا الإجراء في كافة الدول الغربية والاستنفار ضده لأنّه حدث في دولة عربية؟
وقياسا على مبادرة الشيخ خليفة بالنسبة للسجناء المصريين،
لماذا لا نتفاءل بأنّ هذه المبادرة ليس مستبعدا أنّ تشمل هؤلاء السجناء الإماراتيين حتى بعد صدور الحكم عليهم خاصة إذا تعهدوا بعدم الإخلال بأمن وطنهم ورفض الانتماء لأية جماعة أو حزب خارجي وهو ما ترفضه قوانين كافة الدول. وقد كان ملفتا للنظر تصريحات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ( وأحد المعتقلين قيد المحاكمة من عائلته وهو الشيخ سلطان بن كايد القاسمي)، حيث قال حاكم الشارقة في حوار تلفزيوني مساء الثاني من مايو مع الإعلامي الإماراتي محمد خلف: quot; مهما تشدق المتشدقون فنحن الآن في مسيرة الديمقراطية نصل إلى ‬50٪ من الانتخاب، وإن شاء الله نصل الى ‬100٪، فساسة دولة الإمارات العربية وحكامها لا تثيرهم المشكلات الخارجية والعواء وغيرهما، أعضاء اتحاد دولة الإمارات يسيرون على منهج مرسوم ومخطط يأتي تطوره مع السنين، ولذلك تلاحظ أن دولة الإمارات بها أمور عديدة، حتى إذا أخطأ فينا أحد نحن لا نرد، نترفع ونتعزز، ولا نخوض في اللغو، وإذا كان بإمكاننا أن نفعل فإننا نعمل بصمت، ولذلك هذه الدولة كتب الله لها هذا النسق من التفاهم والتعاون بين حكام إماراتها، ففي الإمارات ليس كل من أتته أهواء بادر بالتصريح، فالتصريح لوزير الخارجية، وهو يستقي أمره ليس من مجلس الوزراء فحسب، بل من رئيس الدولة كذلك، وهناك ثلاثة أمور يجب عدم المساس بها (الأمن ـ الجيش ـ الخارجية)، أما دون ذلك فتكلم بما شئت، فأنا أتحدث عن التعليم والصحة وغيرهما، لكنّ هناك أركاناً للدولة يجب ألا تمس، وكوني عضواً في المجلس الأعلى، فلي صوت، وصوتي يبقى في المجلس وليس خارجه، بينما رئيس الدولة ونائب رئيس الدولة فقط من يمكنهما التصريح خارج المجلس، ولذلك تلاحظ أن دولة الإمارات سياستها مستمرة لأن هناك اتفاقاً بين الأقطاب والحمد للهquot;. هل هناك موضوعية وتواضع ومعرفة حدود الشخص أكثر من هذا الموقف رغم أنّه أحد حكام دولة الإمارات؟.
لذلك نأمل بمبادرات ايجابية من الشقيقة الكبرى مصر لإزاحة سحابة الصيف هذه التي لا تليق بعلاقات متميزة بين الدولتين طوال 42 عاما هو عمر دولة الإمارات العربية المتحدة فيكفي أمة العرب تشتتا و فرقة.