المواقف الأخيرة التي أعلنها بصراحة واضحة عالم الدين الشيعي العراقي السيد محمود الصرخي في مؤتمره الصحفي يوم الجمعة الخامس من أبريل 2013 في مدينة كربلاء، أمام حشد من الإعلاميين ووسائل الإعلام العراقيىة، من الجدير للغاية أن نتوقف عند مواقفه الجريئة والمثيرة، وما تحملها من عبر ودروس في هذه المرحلة العربية الحسّاسة خاصة في بعدها الطائفي، حيث الصراع السنّي الشيعي في المنطقة لم يعد خافيا أو سرّيا بل علنيا يؤججه شخوص من المذهبين يرون فيه أنه الصراع الرئيسي في المنطقة، و علينا امتلاك الجرأة للقول مع الأسف الشديد أنّ ما يتداوله أنصار ومعتنقي كل مذهب ضد المذهب الآخر يرقى لمستوى الكراهية والتكفير والحقد الأعمى. قكل أنصار مذهب يكفّرون معتنقي المذهب الآخر ويعلنون أنّهم خارجون عن الإسلام...إلخ هذه الإسطوانة التي يدّعي كل واحد من المذهبين أنّه الوحيد الذي يمتلك حق اصدار شهادات التطابق مع مواصفات المسلم أو الخروج عنها، وبالتالي فرغم تصريحات المودة والتقارب العلنية والتقريب بين المذاهب، إلا أنّ معتنقي كل مذهب يرفضون الآخر ويعتبرونه من الضالين الخارجين عن قواعد الإسلام إلى حد لم نعد نعرف من هو المسلم الحقيقي، متناسين أنّه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يكن هناك سنّة أو شيعة بل إسلام واحد ومسلمون فقط بدون أية مذاهب أو طوائف. ما هي أهم هذه المواقف من السيد محمود الصرخي التي شكّلت مفاجأة مثيرة لم تتوقعها الغالبية من السنّة والشيعة؟

1 . إدانته لوحش سوريا وتأييده للجيش السوري الحر
وهذه سابقة جريئة لعلامة من الطائفة الشيعية تنقض التعميم السائد في الأوساط العربية عموما بأن معتنقي المذهب الشيعي أينما كانوا يؤيدون نظام الوحش السوري المفترس، فحسب تقرير الزميل عبد الرحمن الماجدي في إيلاف يوم السبت، الموافق السادس من أبريل وفق مانقلته وكالة أنباء المدى برس المحلية، فقد أطلق العلامة محمود الصرخي صرخة جريئة، ستكون صدمة للغالبية من المتابعين للشأن السوري، إذ قال بصفته إماما شيعيا عراقيا: quot;الشعب السوري هو كالشعب العراقي تعرّض للظلم والاضطهاد، ونظام بشار الأسد هو نسخة من تجربة نظام صدام، والشعب السوري أكثر مظلومية من العراقي، لأنه شعب فقير، وموارده قليلة، والأيام كشفت عن مقدار الظلم الذي تعرّض لهquot;. وهذه كلمة حق تحسّب لرصيده الأخلاقي الإنساني. حقيقة إنّ جرائم وحش سوريا لا تختلف عن جرائم صدام حسين بحق الشعب العراقي ورموزه السياسية والدينية المعارضة، إذ يكفي تذكير المطبلين له كقائد للعروبة ورئيس مؤمن، بأنّه بدأ استيلاءه على السلطة في يونيو من عام 1979 بفرض الإقامة الجبرية على الرئيس أحمد حسن البكر، ثم قام بتنفيذ حملة إعدامات شبه جماعية طالت حوالي ثلث أعضاء مجلس قيادة الثورة بتهمة التخابر لحساب حزب البعث السوري الخائن حسب وصفه، ثم استمر في جرائمه فقتل ما لا يقل عن خمسمائة من أعضاء حزب البعث من بينهم غانم عبد الجليل وزير التعليم، ومحمد محجوب وزير التربية ومحمد عايش وزير الصناعة وشفيق الكمالي الذي تقلّد عدة مناصب وزارية وغيرهم كثيرون. وكانت من أبشع جرائم هذا القاتل إعدام رجل الدين الشيعي المشهور الإمام محمد باقر الصدر في شهر أبريل من عام 1980 وأخته زينب الصدر التي كانت مشهورة باسم بنت الهدى.وتوّج جرائمه الوحشية بقصف مدينة حلبجة الكردية في مارس 1988 بالأسلحة الكيماوية حيث قتل ما لا يقل عن خمسة ألاف مواطن كردي عراقي. وعلى نفس الطريق سار حافظ الوحش في مذابحه وإعداماته المتكررة التي توجها هو وشقيقه رفعت الوحش بمذبحة حماة في فبراير من عام 1982 حيث قتل ما لايقل عن 35 ألفا من المواطنين السوريين بحجة أنّهم ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وعلى خطاه يسير نجله بشار الوحش الذي قتل أكثر منذ مارس 2011 ما لايقل عن مائة ألف مواطن سوري وهجّر أكثر من مليون غير التدمير والقصف الذي استعمل فيه كل الأسلحة بما فيها الكيماوية. لذلك فإنّ صرخة الحق التي أطلقها العلامة الشيعي السيد محمود الصرخي، واعتباره أنّ النظامين البعثيين في سوريا والعراق نفس المدرسة الإجرامية، هي صرخة عالم حرّ يتمتع بضمير حي خاصة عندما يقولها صراحة (إنّ الشعب السوري أكثر مظلومية من الشعب العراقي). وأيضا فهي علامة وطنية تنفي التبعية للأنظمة الإجرامية عن الطائفة الشيعية ككتلة بشرية، عندما يؤكد تقرير إيلاف المذكور أنّ رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر سبق أيضا أن رفع أنصاره أعلام الجيش السوري الحر في تظاهرة لهم في مارس 2013 .
إذن لا صبغة طائفية لأنظمة القتلة،
بدليل أنّ بقايا الجيش النظامي لوحش سوريا الحالي ونفس الجيش كاملا في زمن الوحش والده، كان وما زال في غالبيته يتكون من أبناء الطائفة السنّية رغم أنّ غالبية قياداته المسؤولة وأجهزة الاستخبارات بيد أبناء الطائفة العلوية المقربين من عائلة الوحش. لذلك فإنّه رغم سكوت غالبية الطائفة العلوية وطوائف أخرى حاليا على جرائم الوحش الإبن، إلا أنّه لا يمكن إدانة هذه الطوائف على سكوتها ككتلة سكانية، فلا تخلو أية طائفة من الوطنيين والمتخاذلين الداعمين للديكتاتوريين والطغاة. صحيح إن قيادة مذبحة حماة عام 1982 كانت بيد رفعت الوحش، إلا انّه لا يمكن القفز على أنّ الفرق العسكرية التي قامت بالهجوم على مدينة حماة لترتكب المذبحة الإبادية الجماعية، كانت في غالبيتها تتكون من أبناء الطائفة السنّية ويعرفون أنّهم يهجمون على مواطنين سنّة مثلهم.
والدليل الدامغ هو الجرائم التي يرتكبها نظام ولي الفقيه الإيراني،
الذي يقدّم نفسه على أنّه ولي أمر الشيعة في العالم أجمع، هذه الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب الإيراني من شيعة وسنّة. إن أقذر ملف حقوق إنسان في العالم هو ملف هذا النظام حيث مصادرته لأبسط حقوق الإنسان مع أعلى معدل إعدامات في العالم. فهل هذا النظام الشيعي يرحم أبناء الشعب الإيراني الشيعة؟ وكذلك الديكتاتوريين العرب من الطائفة السنّية هل يرحمون شعوبهم التي في غالبيتها من السنّة؟. لذلك فإنّ المنطق الحضاري يؤكد أنّ المجرمين والمستبدين لا هوية دينية ولا جنسية لهم، فكل الطغاة يرتكبون جرائمهم بحق شعوبهم دون تمييز أو استثناء. وأيضا فإنّه مخطىء تماما من يعتقد أن كل أبناء الطائفة العلوية في سوريا هم مثل عصابة (آل مخلوف) أخوال الوحوش. فغالبية الطائفة العلوية تعيش نفس الفقر والحاجة والتهميش الذي تعيشه بقية الطوائف من أبناء الشعب السوري.
فليترفع الجميع عن النزعة الطائفية،
ويتوحدوا معا ضد هؤلاء الطغاة المستبدين الذين لديهم الاستعداد لحرق البلاد والعباد من كل الطوائف كي يبقوا في السلطة ينهبون الثروة والشعب. ومن جديد التحية لصرخة الوطنية الصادقة التي أعلنها السيد محمود الصرخي دعما للشعب السوري وجيشه الحرّ في مواجهة طاغية وحش مجرم لم يشهد خاصة التاريخ السوري مثيلا له في الإجرام.