يوم الثلاثاء السادس من نوفمبر لعام 2012 سيظل يوما مميزا في تاريخ الولايات المتحدة، حيث انتهت جولة الانتخابات الرئاسية للفترة القادمة حتى العام 2016، وتنافس فيها كما هو معروف للجميع المرشح الديمقراطي الرئيس الحالي للولايات المتحدة باراك حسين أوباما (51 عاما)، والمرشح الجمهوري ميت رومني (65 عاما). هذه النهاية لها دلالات عديدة ليتنا نقارنها بهدوء بما يجري في بلادنا العربية ليس من باب الشماتة أو جلد الذات ولكن من أجل أن نتعلم ماذا تعني الديمقراطية الحقيقية التي لا وجود لها في أي قطر عربي، فهي في كل الأقطار (بدون استثناء) ديمقراطية منقوصة أو منهوبة لأنّها غالبا مصممة لخدمة الحاكم أو الحاكم وحزبه لاستمرارهما في السلطة وباسم الديمقراطية كما يدّعي هذا الحاكم، ويكفي التذكر بأنّ معمر القذافي بقي في السلطة 43 عاما باسم الديمقراطية التي ترّجم كلمتها الانجليزية (ديموكراسي) بأنها تعني(ديمومة الكراسي)، والأسدان (آسف الوحشان) حافظ وبشار في السلطة أيضا منذ 43 عاما باسم الديمقراطية والانتخابات النزيهة أيضا ولا يعلم أحد متى نهاية الوريث بشار، وكذلك لفترات قريبة بقية الحكام مثل حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح وعبد العزيز بوتفليقة..إلخ.
أهم دلالات هذه الانتخابات الأمريكية
1 . التنافس الديمقراطي الحقيقي الناتج عن ثقافة راسخة في المجتمع لا تفرّق بين الأصول والديانات طالما المتنافسون ينتمون لنفس المجتمع ويحملون جنسيته، سواء كان اكتساب الجنسية ناتج عن الانتماء من الأصول والجدود لهذا المجتمع مثل حالة (ميت رومني) المليونير ومؤسس أكبر شركة استثمارات في الولايات المتحدة (باين كابيتال)أو نتيجة اللجوء والحصول على الجنسية بعد استيفاء الشروط وسنوات الإقامة اللازمة، مثل حالة (باراك أوباما) الذي جاء والده المسلم من كينيا إلى الولايات المتحدة في خمسينات القرن الماضي للدراسة فتعرف على والدة أوباما الأمريكية، وتزوجا وبعد إنجاب باراك بحوالي سنتين انفصلا في العام 1964، وبعد ذلك تزوجت والدته من مواطن اندونيسي وسافر الطفل أوباما معهما إلى إندونيسيا عدة سنوات، ثم عاد للولايات المتحدة للدراسة ثم العمل، إلى أن تدرج وصولا إلى منافسة المرشح الجمهوري (جون ماكين) في يناير 2009 واصلا لرئاسة البيت الأبيض للمرة الأولى. هل يحدث هذا في عاصمة عربية؟
2 . القناعة المؤكدة بوجود ديمقراطية حقيقية تخلو من أية نسبة من التزوير، تجعل نهاية الانتخابات بدون أية مشاكل أو ضجيج، بعكس انتخابات الأقطار العربية التي من المستحيل أن لا يدّعي الخاسر أنّ هناك تزوير ما وأنّه هو الفائز، ويكفي التذكير بموقف الفريق أحمد شفيق بعد خسارته انتخابات الرئاسة المصرية أمام الدكتور محمد مرسي في يونيو 2012 حيث ملأ الإعلام ضجيجا عن التزوير ثم ولّى هاربا إلى دبي كي لا تفتح ملفاته أو صندوقه الأسود أما م القضاء المصري، رغم أنّ كل المؤشرات توحي أنّ هذه الملفات سوف تفتح قريبا. هذا بينما منافس أوباما السياسي ورجل الأعمال المليونير الجمهوري (ميت رومني) اعترف فور إعلان النتائج بهزيمته، واتصل بالرئيس أوباما مهنئا إياه على الفوز برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية، معلنا بشجاعة فائقة (أنّه يصلي من أجل أن يوفق الرئيس أوباما في مهمته)، موضحا (أنّ الولايات المتحدة تمرّ بمرحلة صعبة ولا بدّ أن يتحد الحزبان الجمهوري والديمقراطي لإخراج البلاد من هذه المرحلة). هل يحدث هذا في أية عاصمة عربية؟.
ماذا كان سيحدث لو هاجر والد أوباما لدولة عربية؟
لو سافر والد أوباما في خمسينات القرن الماضي للدراسة في دولة عربية بدلا من الولايات المتحدة الأمريكية، وتعرّف على مواطنة عربية من تلك الدولة وتزوجا، ماذا كان سيكون مصيره ومصير ابنه أوباما حتى اليوم؟. المؤكد وبدون أي نقاش وجدال، كان والده سيظل يحمل الجنسية الكينية ويجدّد إقامته سنويا وبصعوبة في أغلب الأحيان، أما الطفل أوباما وحتى يصبح مثل اليوم عمره واحد وخمسون عاما لن يحصل على جنسية الدولة التي تنتمي لها والدته، ولم يدخل إلا المدارس الخاصة برسوم ربما تفوق قدرة والدته ووالده، ولن يدخل أي مستشفى إلا إذا توفرت مع عائلته النقود الكافية لذلك، وهذا يعني حسب حالة الوالدين المالية، أنّه كان من الممكن أن لا يكمّل تعليمه وربما يمرض أو يموت نتيجة عدم القدرة على دخول المستشفيات بسبب ارتفاع تكاليف المستشفيات الخاصة في ظل حرمانه من العلاج المجاني الذي هو أصلا ليس متوفرا لجميع مواطني الدول العربية. والدليل المخزي على ذلك هو أنّ أي مواطن عربي يقيم عشرات السنوات في أية دولة عربية دون الحصول على جنسية تلك الدولة، وكافة الدول العربية بدون استثناء بما فيها دولة (جزر القمر) عضو الجامعة العربية، تمنع كافة المقيمين فيها من الدول العربية الأخرى من التعليم والعلاج المجاني، ويجب تجديد إقامته سنويا وبوجود كفيل من المواطنين كما هو موجود في دول الخليج العربي..ويا ويل هذا المواطن العربي إذا غضب عليه أو زعل منه الكفيل، فخلال ساعات يكون هو وعائلته رهن التوقيف استعدادا للتسفير!!!!!.
وكارثة مثل إعصار ساندي وأكثر،
لو وقع والد أوباما في حب لاجئة فلسطينية كانت تدرس معه في ذلك القطر العربي وتزوجها!!. في هذه الحالة المأساوية الكارثية لن يحصل أوباما على وثيقة سفر اللاجئين الفلسطينيين التي تحملها والدته سواء كانت وثيقة سفر مصرية أو عراقية أو لبنانية أو سورية، ولبقي أوباما مشردا لا يملك ما يثبت شخصيته وهويته، مثل عشرات ألاف من أبناء العرب الذين غلطوا غلطة العمر وتزوجوا لاجئات فلسطينيات.
عظمة أمريكا مقابل بلاد العرب أكفاني،
أوباما الأسود رئيس للبيت الأبيض للمرة الثانية، وهو الوحيد من الحزب الديمقراطي بعد رئاسة بيل كلينتون الذي يحوز هذا الشرف، وهذا لا يعني سوى أنّ عظمة الدول لاتأتي إلا من خلال ديمقراطية حقيقية لا تفرّق بين الأصول والديانات فالكل مواطنون متساوون حسب القانون الذي هو فوق الجميع.
وكذلك المملكة النرويجية حفظها ونصرها الله،
فأنا اللاجىء الفلسطيني أقمت في دولة عربية دراسة وعملا خمسة عشر عاما، وب (طلوع الروح) كنت أجدّد كل عام اقامتي على الوثيقة المصرية للاجئين الفلسطينيين. وعملت في دولة خليجية ثمانية سنوات مدرسا وصحفيا وأيضا أجدّد اقامتي بكفالة دائرة العمل. ثم أقمت في دولة المقاومة والممانعة تسع سنوات وكل عام يتم تجديد الإقامة برشوة لا تقل عن مئات الدولارات سنويا. ثم جئت في العام 1991 إلى المملكة النرويجية ومنحتني حق اللجوء فورا بحكم أنني لاجىء فلسطيني لا دولة ولا موطن لي، وبعد خمس سنوات جاءني قرار منحي الجنسية بالبريد بدون مراجعة أو واسطة أو رشوة...فلماذا فقط بلاد العرب أكفاني فيها هذا الظلم؟.
الدولة العادلة والدولة الظالمة
لذلك هناك ما يشبه الإجماع بين علماء وفقهاء الإسلام على الفارق بين الدولة العادلة والظالمة، وهناك اتفاق على القول المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي يقول فيه (الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة). وهي أساسا لن تكون مؤمنة إن كانت ظالمة لأنّ أساس الدين هو العدل (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، فكم هي نسبة العدل في بلاد العرب أكفاني؟ سؤال موجه لباراك أوباما الأسود رئيس البيت الأبيض لأربع سنوات جديدة!!!.
[email protected]
التعليقات