الزيارة التي قام بها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وعقيلته الشيخة موزة المسند إلى قطاع غزة يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من أكتوبر 2012 ، زيارة تاريخية بكل معاني الكلمة لأسباب عديدة رغم تحفظات البعض عليها، إلا أنني أرى أنّ هذه الزيارة لا سلبيات لها أو عليها، وذلك للأسباب التالية بعيدا عن أية مجاملات أو استرضاءات لأي طرف على حساب طرف آخر، ولا يهمني في هذا السياق إلا مصلحة الشعب الفلسطيني المحاصر بقسوة ووحشية في القطاع. ما هي الأسباب والحيثيات التي تجعل هذه الزيارة لا سلبيات لها أو عليها من وجهة نظري؟
أول زيارة لمسؤول عربي للقطاع
هذه أول زيارة لرئيس أو ملك عربي لقطاع غزة منذ احتلاله عام 1967 وأيضا لا أتذكر وأنا من سكان مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين من عام 1948 حتى عام 1965 أنّ هناك أي رئيس أو ملك عربي زار القطاع، بما فيهم المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر، رئيس جمهورية مصر العربية حتى وفاته عام 1970 ، رغم أنّ القطاع كان رسميا تابعا للإدارة العسكرية المصرية منذ مايو 1948 حتى احتلاله في يونيو 1967 . فما هو الخطأ أو السلبيات في قيام أمير عربي في زيارة الشعب الفلسطيني في القطاع المحاصر؟ لماذا نرحّب بزيارة شخصيات ووفود أوربية للقطاع ونعتبرها وفاءا لصمود الشعب الفلسطيني وتحديا لجبروت ووحشية الاحتلال ونختلق سلبيات لزيارة مسؤول عربي؟
المهم هو الهدف من هذه الزيارة
يناشد العرب والمسؤولون الفلسطينيون العالم بدعم سكان القطاع في وجه الحصار الظالم، وعندما قامت حكومة قطر قبل شهور بإرسال كميات ضخمة من الغاز للقطاع لم يتوقف أحد عند هذا العمل الإنساني، وزيارة أمير قطر اليوم مخطط لها مسبقا لافتتاح مشاريع خاصة بالإسكان والبنية التحتية في القطاع ستزيد قيمتها عن أربعمائة مليون دولار، وستوفر فرص عمل لحوالي خمسة عشر ألفا من العمال والشباب الفلسطينين حيث البطالة في القطاع في أعلى مستوياتها، والوضع الاقتصادي لغالبية سكان القطاع دون خط الفقر. ومن هذه المشاريع المهمة مدينة سكنية في مدينة خان يونس سوف تتسع لإسكان مئات العائلات الفلسطينية المحتاجة، وستحمل هذه المدينة اسم أمير قطر مثل المدينة التي بنتها دولة الإمارات العربية المتحدة بتعليمات من المرحوم الشيخ زايد بن آل نهيان وتحمل اسمه أيضا، وسوف يتم انجاز مدينة الشيخ حمد بن آل ثاني خلال ثلاثة سنوات. وهناك مشروع آخر سيدشنّه الأمير وهو إعادة تأهيل شارع صلاح الدين (45 كيلو متر) الذي يربط جنوب القطاع بشماله، وهو من الشوارع الرئيسية في القطاع، وأيضا تدشين شارع الكورنيش بمدينة غزة. وهناك مشاريع أخرى ستدشنها الشيخة موزة بتمويل من مؤسة قطر التي ترأسها، وتتوقع بعض المصادر الفلسطينية أن تزيد هذه الزيارة مجموع تكاليف المشاريع التي سيتم تدشينها إلى قرابة نصف مليار دولار.
هل لهذه الزيارة علاقة بالانقسام الفلسطيني؟
لا..لا..وألف لا..لأنّ هذا الانقسام مسؤولة عنه حركتا حماس و فتح (السلطة الفلسطينية) فقط. حركة حماس التي دشّنت هذا الانقسام بانقلابها العسكري في يونيو 2007 ، ومنذ ذلك التاريخ استضافت أكثر من عاصمة عربية مفاوضات المصالحة الوطنية بين فتح وحماس دون فائدة، بما فيها اتفاق الدوحة نفسه الذي رعاه أمير قطر الشيخ حمد شخصيا، ووقعه في الدوحة العاصمة القطرية يوم الأربعاء السادس من فبراير 2012 كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، معلنين للعالم أجمع الاتفاق الذي لا رجعة عنه وأول بند فيه تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس، وما إن غادرا الدوحة حيث بدأت الاتهامات والمماطلات يتهم كل طرف الآخر بأنّه هو من أفشل الاتفاق..وهكذا كان مصير اتفاقيات القاهرة التي لا تحصى...إذن فلا منطق عند من يربط هذه الزيارة بأنّها تعزّز الانقسام الفلسطيني، فطالما هذا الانقسام قائم وللأبد بسبب مواقف حماس و فتح (السلطة الفلسطينية) فهل يوجد منطق في رفض من يقوم بدعم الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة، طالما المسؤولون عن هذا الانقسام لا يخشّون الله ولا الشعب الفلسطيني ومصلحته؟
لذلك كان بيان اللجنة التنفيذية،
لمنظمة التحرير الفلسطينية حول الزيارة القطرية هذه بيانا متوازنا ومنطقيا، إذ ورد فيه: quot;منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا ظلت على الدوام تدعو لإعادة إعمار قطاع غزة وتتابع هذا الأمر على مختلف الصعد، كما كانت تحرص على دعوة جميع الأشقاء العرب والدول الصديقة إلى تشجيع قيادة حماس على انتهاج طريق الوحدة وتطبيق الاتفاقيات لإنهاء الانقسام وآخرها اتفاق الدوحة. وفي هذا الإطار فإن اللجنة التنفيذية تدعو إلى وضع جميع الأشقاء العرب ثقلهم وجهودهم في سبيل إنهاء الانقسام وعدم مواصلة سياسة إقامة كيان انفصالي في قطاع غزة، لكون ذلك يخدم أساسا المشروع الإسرائيليquot;. وسؤالي في هذا السياق: إذا كان ثقل وهموم الشعب الفلسطيني لم تردع حركتي فتح وحماس لإنهاء الانقسام، فهل ستردعهم جهود الأشقاء العرب؟. إنّ قيادة أو حركة لا تشعر بمأسآة شعبها من تلقاء نفسها، لن تنفع جهود الأشقاء في إحياء هذا الشعور عندها.
دعوة لكافة الزعماء العرب
انطلاقا من زيارة أمير قطر، ليت كافة الزعماء العرب يقومون بمثل هذه الزيارة للقطاع والضفة الغربية أيضا، ويدشّنوا في المنطقتين مشاريع بنفس القيمة والمستوى، سنرى عندئذ كم قيمة هذه المشاريع في دعم صمود الشعب الفلسطيني وسط هذا الحصار الاسرائيلي، وقيمة هذه المشاريع لن تشكّل سوى نسبة بسيطة من المصاريف الشخصية لأي مسؤول عربي، ولكّن فائدتها ستعود على ألاف العائلات الفلسطينية. لذلك كنتيجة لكل ما سبق فزيارة أمير قطر دعم لصمود الشعب الفلسطيني في القطاع لا سلبيات لها أو عليها، أما الواقع الفلسطيني فهو ما سأعود إليه بالتفصيل لاحقا كي نرى بالوقائع من المسؤول عنه؟.
[email protected]
التعليقات